الأحد 28 ابريل 2024

باحثون مصريون: تساقط مرتكزات مشروع الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية الواحد تلو الآخر

الملف المصري

أخبار14-2-2024 | 13:06

محمد الحمامصي

الحرب على غزة محور ملف الدورية الشهرية الإلكترونية التي تصدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الصادرة أخيرا، حيث تناولت دراسات تتعلق بالمواجهة القانونية لجرائم الإبعاد القسري وتهجير السكان وجرائم الابادة في قطاع غزة، والتطور العملياتي العسكري ووحدة الساحات الفلسطينية، ومحددات وركائز الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي، والترتيبات الإقليمية وتوازنات ما بعد الحرب، وأبعاد الموقف الدولي من الحرب.

 

أكد المستشار عادل ماجد في دراسة "المواجهة القانونية لجرائم الإبعاد القسري وتهجير السكان في قطاع غزة أن هناك شبه إجماع بين كافة المتابعين للوضع في غزة ـ باختلاف تخصصاتهم ـ أن لوصف القانوين لإلجراءات التي يقوم الوصف القانوني للإجراءات التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه السكان في غزة، حسبما وردت بالنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو "الترحيل أو الإبعاد القسري للسكان". ويقول أن "قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ وقوع أحداث 7 أكتوبر 2023 تتعمد ارتكاب مذابح جماعية في حق المدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني الذين سقط منهم آلاف القتلى والجرحى معظمهم من النساء والأطفال، بالإضافة إلى قصف غاشم للأعيان المدنية بما فيها المستشفيات، والمدارس وأماكن العبادة ومخيمات اللاجئين، على نحو تعدى حدود مبدأ الدفاع عن النفس الذي تزعمه سلطات الاحتلال الإسرائيلية وداعميها، لكي يرقى لارتكاب أبشع الجرائم الدولية، خاصة القتل العمد للمدنيين، واستخدام الذخائر المحرمة دوليا، وجريمة الابعاد القسري للسكان المدنيين. ومن ناحية قواعد المسئولية الجنائية الفردية المنصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن رؤساء الحكومات الداعمين لإسرائيل في ارتكاب هذه الجريمة يتحملون مسئولية المشاركة فيها أيضا، خاصة وأن المجتمع الدوليباستثناء بضعة من الدول الداعمة لإسرائيل- قد أجمع على إدانة الأعمال الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة".

 

ويشدد اللواء د.وائل ربيع على أن للأفكار الدينية والسياسات المتطرفة التي يتبناها الائتلاف الحكومي الإسرائيلي دورا في قيام المقاومة الفلسطينية بالتخطيط للعملية العسكرية والهجوم الذي شنته في 7 أكتوبر 2023، ومن جملة السياسات المتطرفة الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى بقيادة وزير الأمن القومى (ايتمار بن جافير) تحت حماية الجيش والشرطة، وإقامة الصلوات التلمودية في حرم المسجد. والاستمرار في عملية تهويد مدينة القدس؛ حيث صادقت السلطات الإسرائيلية خلال عام 2022 على نحو 70 مخطط استيطاني لبناء أكثر من (10) آلاف وحدة استيطانية في محافظة القدس ومحيطها، في الوقت الذي قامت فيه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بهدم أكثر من (258) مبنى وأصدرت قرارات هدم لأكثر من (220) مبنى، منها (100) مبنى سكني ضمن سياسة الهدم الجماعي، مما أدى إلى تشريد 1550 فرد غالبيتهم من الأطفال والنساء، وفقا لبيانات مركز الإحصاء الفلسطيني.

ويرى أن العملية العسكرية الفلسطينية جاءت مباغتة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وأدت إلى انهيار منظومتها الأمنية على حدود قطاع غزة بشكل كامل. كما عكست قدرة الذراع العسكري لحركة حماس على تدريب مئات المقاتلين على العملية دون تسرب معلومة واحدة حولها، على النحو الذي مكنها من مفاجأة الأجهزة الأفضل والأكثر استخباراتية في العالم كما تروج إسرائيل. وفي سياق تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة شهدت الضفة الغربية تصاعد أعمال المقاومة في إطار تفعيل "وحدة الساحات" (بين غزة والضفة) مع مساعي إسرائيل لقمع جبهة (فلسطيني 48). ورغم الحملة الممنهجة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على الضفة الغربية، فإن تلك الجبهة تشهد ارتفاع وتيرة العمل المقاوم، خاصة مع الدور المعلن لكتائب القسام في تلك المواجهات.

ويؤكد ربيع أنه بعد شهرين من القتال والقصف المكثف طبقا لبنك أهداف قطاع غزة الذي تعرفه إسرائيل جيدا وتجهز له، جاء النتيجة مخيبة لآمال قادة المؤسسة العسكرية، فلم تحقق إسرائيل أيا من أهدافها العسكرية، وإنما نجحت في تدمير البنية التحتية لقطاع غزة بالكامل وقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح ما يقرب من 1.9 مليون شخص في غزة أي 85% من سكان القطاع.

 

وحول تداعيات العملية العسكرية الفلسطينية وكذلك "السيوف الحديدية" على الداخل الإسرائيلي تقول د.حنان أبوسكين إن العملية العسكرية الفلسطينية "طوفان الأقصى" أدت إلى حدوث صدمة للإسرائيليين، على المستويات المختلفة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، نتيجة لحجم الخسائر البشرية والمادية وإخفاق إسرائيل أمنيا واستخباراتيا في التنبؤ بها، واعتبروها كارثة مروعة ومهينة خاصة وأنها هزيمة أمام حركة وليس جيشا نظاميا.

وترجح أبوسكين استمرار التداعيات السلبية على الداخل الإسرائيلي لفترة ليست بالقصيرة؛ فعلى الرغم من أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أضخم حجما وأكثر تطورا، إلا أن حركة حماس نجحت في تطوير قدراتها، على نحو مكنها من الصمود والاستمرار في القتال. أيضا من العوامل والاعتبارات التي ستؤدي لإطالة الحرب، الحسابات السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ورغبته في تأجيل محاكمته والتحقيق في اخفاقاته السياسية والأمنية، وهو ما يتسبب في مزيد من الانقسام الداخلي بين القادة السياسيين والعسكريين داخل حكومة الطوارئ، وتفاقم الخسائر الاقتصادية والبشرية، والتي سيكون لها تداعيات اجتماعية سلبية تعصف بالاستقرار الداخلي.

 

تتناول د.صافيناز محمد أحمد في دراستها التحليلية محور المقاومة ووحدة الساحات، هذا التعبير الذي تم استخدامه بعد معركة "سيف القدس"التي أطلقتها حركة "حماس في شهر مايو 2021 ردا على الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى وأحداث الشيخ جراح في القدس والتي شهدت وجود غرفة عمليات مشتركة للتنسيق بين المقاومة الفلسطينية، ومحور المقاومة الإقليمي؛ حيث تم خلالها إطلاق الصواريخ من قطاع غزة وجنويب لبنان وسوريا والعراق، تتساءل: هل يمكن القول إن وحدة الساحات قد نجحت في استنزاف إسرائيل فعليا؟. وتقول إن العديد من الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث الإسرائيلية على مدار العام الماضي التي تحسبت أبحاثها لمخاطر التهديدات الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها إسرائيل، منها دراسة صدرت عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في أبريل 2022، ومؤداها أن إسرائيل في طريقها إلى مواجهة "حرب متعددة الجبهات" ووفقا للدراسة، فإن هذه الجبهات المتعددة تؤثر الواحدة منها في الأخرى، وأن هذه الجبهات بعضها داخلي في الضفة وغزة، والبعض الآخر جماعات متحالفة مع إيران في العراق وسوريا ولبنان، وأكدت الدراسة، أن أخطر تلك الجبهات وأهمها هي جبهة الشامل، أي جبهة حزب الله اللبناني؛ نظرا لا تمتلكه تلك الجبهة من ترسانة عسكرية ضخمة ومتجددة. وأكدت تلك الدراسات حينها أن "وحدة" هذه "الجبهات" في التعامل مع إسرائيل من شأنه إحداث تغيير في قواعد الاشتباك المتعارف عليها بين المقاومة الفلسطينية وبين إسرائيل؛ نظرا لدخول عمليات إسناد عملياتية من تلك الجهات لصالح المقاومة الفلسطينية. وإن من شأن هذا التحول نجاح تلك الجبهات في "استنزاف" إسرائيل. لكن كيف تم ذلك في طوفان الأقصى؟.

وتضيف "اتضح بعد مرور أكثر من شهرين على بدء عملية طوفان الأقصى ودوران آلة الانتقام الإسرائيلية الوحشية ضد المدنيين في قطاع غزة إن المقاومة الفلسطينية ظلت صامدة بل وقادرة عىل فرض "معادلات الردع" على الجانب الإسرائيلي، وأن تفعيل "وحدة الساحات" ساهم بدرجة كبيرة في دعم صمود المقاومة على فرض تلك المعادلات، حتى وإن خضعت عمليات "وحدة الساحات" للعديد من قواعد الاشتباك المنضبطة، لا سيما أخطر تلك الجبهات، وهي جبهة الجنوب اللبناني، وإجمالا يمكن القول إن إسرائيل لم تستطع تعديل معادلات الردع التي أقرتها "وحدة الساحات" بين غزة ومحور المقاومة، والتي بدأت في عملية "سيف القدس" عام 2021 وتجلت بوضوح في عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 ْ ، وإن جاءت نتائج "وحدة الساحات" عىل درجة عالية من العمل المنضبط، ووفقا لقواعد اشتباك متوازنة منعا لانزلاق كافة أطراف الجبهات المقاومة في حرب إقليمية شاملة لا ترغبها القوى الكبرى أو الإقليمية على حد سواء".

 

ويؤكد د.حسن أبوطالب في تحليله محددات وركائز الموقف المصري من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أن مصر لن تتخلى عن أمنها القومي أيا كانت تبعاته، وفي ضوء تلك الحقيقة الراسخة يمكن إجمال السياسة المصرية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة في ثلاثة مسارات كبرى: أولها، الإدانة الصريحة، المباشرة والقوية للعدوان الإسرائيلي ولكل من يدعم حكومة الحرب والتطرف في منهج العقاب الجماعي وارتكاب المجازر بدم بارد وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل، وتدمير سبل الحياة، تلبية لرغبة انتقام سادية، ونوايا صراع صفري لقيادات فقدت العقل والتفكير الرشيد، وبما يجعلها عار على جبين الإنسانية كلها. ثانيها، إن الحكمة المصرية التي تمزج بين الهدوء في التصرف والحسم في اتخاذ القرار، في إدارة الأزمة، وما سيأتي بعدها من أزمات أو انفراجات محتملة على أي نحو كان، ستظل الأساس الضامن لاستقرار المنطقة، في مواجهة كل الأفكار والسياسات العبثية والصفرية الفاقدة للمنطق والعقلانية عىل نحو مروع كما جسده العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مصحوبا بأوهام السيطرة وإعادة احتلال القطاع. وثالثها أن القضية الفلسطينية هي أساس الأمن والاستقرار للإقليم ككل، شريطة أن تحل بصورة عادلة ومنصفة لحقوق الفلسطينيين، والعيش بكرامة كما يعيش الآخرون في أوطانهم.

 

ويشير د. محمد السعيد إدريس في تحليله لترتيبات الإقليمية وتوازنات ما بعد طوفان الأقصى إلى أن واقع ما بعد 7 أكتوبر 2023 لن يكون مثلما كان من قبل على الكثير من المستويات، ومن أهمها على مستوى هندسة النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وتساقط مرتكزات مشروع الهيمنة الإقليمية الإسرائيلية الواحد تلو الآخر؛ حيث باتت إسرائيل مقبلة عىل مواجهة تحديات وانقسامات وصراعات داخلية غير مسبوقة، فضلا عن التراجع غير المسبوق في مكونات "الصورة الذهنية" التي عملت إسرائيل على ترسيخها في "العقل العالمي" باعتبارها واحة الديمقراطية وسط أمواج هائلة من التخلف العربي والاستبداد والإرهاب الإسلامي. كما عادت إسرائيل لتكون المصدر الأساسي لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وتداعى إلى غير رجعة مفهوم إسرائيل القادرة على حماية الأصدقاء والشركاء من الدول العربية من "الخطر الإيراني". فضلا عن تساقط أهم قلاع استراتيجية الأمن الأمريكية في استمرار فرض السيطرة على العالم، وانكشاف أكاذيب الصداقة العربية - الأمريكية، بعد أن خذلت واشنطن الدول العربية الصديقة بانحيازها ودعمها المفرط للجرائم الإسرائيلية.

Dr.Randa
Dr.Radwa