قال مسؤولون حكوميون وخبراء اليوم الخميس إن إقامة كوريا الجنوبية للعلاقات الدبلوماسية مع كوبا تمثل نقطة تحول في دبلوماسية كوريا الجنوبية، وفرصة لتوسيع وجودها في أمريكا اللاتينية.
ولكن في الوقت نفسه، يمثل الأمر ضربة شديدة بالنسبة لكوريا الشمالية، حيث اختارت "كوبا" التي طالما روجت كوريا الشمالية "للعلاقات الأخوية" معها، تحسين العلاقات مع كوريا الجنوبية التي تصفها بيونج يانج بأنها "العدو الرئيسي".
ويقول الخبراء إن هذا قد يمثل انتكاسة للشمال في الوقت الذي تسعى فيه لإرساء علاقات أوثق مع حلفائها التقليديين مثل روسيا والصين، ويزيد من عزلتها عن المجتمع الدولي.
يشير الإعلان المفاجئ من نيويورك في وقت متأخر من مساء الأربعاء إلى الجهود السرية للغاية التي بذلتها الدولتان لإقامة العلاقات الدبلوماسية، على ما يبدو لمنع كوريا الشمالية من التدخل.
اعترفت كوبا بحكومة كوريا الجنوبية في عام 1949، لكن لم تكن هناك علاقات دبلوماسية رسمية بينهما. وقُطعت العلاقات في عام 1959 بعد الثورة الكوبية التي استولى فيها فيدل كاسترو على السلطة.
ولكن تغيرت الأجواء في 1999 بعدما صوتت كوريا الجنوبية لصالح قرر أممي لرفع الحصار التجاري على كوبا، وحافظت الدولتان على التبادلات الاقتصادية والثقافية دون إقامة علاقات دبلوماسية رسمية.
منذ أوائل الألفية الحالية، اقترحت كوريا الجنوبية إقامة علاقات دبلوماسية مع كوبا، حيث زار وزير الخارجية آنذاك يون بيونج-سيه كوبا في 2016، في أول زيارة من قبل دبلوماسي كوري رفيع المستوى، على الرغم من أن الجانبين لم يتمكنا من إحراز تقدم كبير بعد ذلك.
اكتسبت المجهودات ذات الصلة زخما تحت إدارة الرئيس يون سيوك-يول في نطاق رؤية توسيع الآفاق الدبلوماسية لكوريا الجنوبية باعتبارها "دولة محورية عالمية".
وقال مسؤول بوزارة الخارجية طلب عدم الكشف عن هويته إن سيول وهافانا عملتا بشكل سري من خلال قنواتهما الدبلوماسية في نيويورك والمكسيك.
كما أعربت كوريا الجنوبية للجانب الكوبي عن عزمها على إقامة علاقات دبلوماسية في مختلف المناسبات المتعددة الأطراف، مثل قمة رابطة دول الكاريبي التي عقدت في غواتيمالا في مايو من العام الماضي.
وقالت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية في بيان لإعلان الخبر: "إقامة علاقات دبلوماسية مع كوبا، الدولة الوحيدة في منطقة البحر الكاريبي بأمريكا الوسطى والجنوبية والتي لم تكن لنا علاقات رسمية معها، تعد نقطة تحول مهمة في تعزيز الدبلوماسية في تلك المنطقة".
وقالت الوزارة: "سيساهم هذا في توسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين ودعم تقدم الشركات الكورية، ونتوقع أن يساهم في توسيع التعاون الموضوعي، وتمكيننا من تقديم المساعدة القنصلية المناسبة لمواطنينا".
ومن المتوقع أن تساهم إقامة العلاقات الدبلوماسية في تعزيز التبادلات الاقتصادية وعلى مستوى الأفراد بين البلدين.
تمتلك كوريا الجنوبية مكتبا تجاريا في هافانا تديره الوكالة الكورية للترويج للتجارة والاستثمار "كوترا" منذ 2005، بعدما وقعت اتفاقا أوليا مع الحكومة الكوبية بشأن الاستثمار التجاري.
وقبل تفشي كورونا، زار نحو 14 ألف كوري جنوبي كوبا كل عام، وهناك نحو 1,100 كوبي من أصول كورية، انتقلوا لها من المكسيك خلال الحكم الاستعماري الياباني لشبه الجزيرة الكورية في أوائل عشرينات القرن الماضي، وفقا للبيانات الحكومية.
وقد صرح مسؤول بوزارة الخارجية بأنه "من المفيد أننا عززنا موطئ قدم دبلوماسي جديد لنا في منطقة أمريكا الوسطى والجنوبية".
ومن ناحية أخرى، يرى الخبراء أن إقامة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا قد تمثل ضربة صادمة لكوريا الشمالية، التي يسعى نظامها إلى تعميق العلاقات مع الدول التي تشاركه نفس الأيديولوجية والعداء تجاه الولايات المتحدة.
وبالنسبة لبيونجيانج، فإن إقامة صديقتها القديمة علاقات مع شقيقتها الجنوبية قد تسبب لها المزيد من العزلة، في الوقت الذي وصف فيه زعيمها كيم جونج-أون سيول بـ "العدو الأساسي الثابت" وصرح بأن العلاقات بين الكوريتين علاقات دولتين "معاديتين لبعضهما".
وقال بارك وون-جون، الأستاذ في جامعة "إيهوا" النسائية: "يحاول كيم جونج-أون بناء هيكل حرب باردة جديد، وكتلة مناهضة للولايات المتحدة من الدول التي تشاركه النهج نفسه، ولكن تأسيس كوريا الجنوبية للعلاقات مع كوبا يحبط هذه الحركة".
يمكن تفسير ما حدث على أن كوريا الجنوبية نجحت في هدفها الدبلوماسي المتمثل في إرسال رسالة واضحة إلى الشمال بأن سلوكه الاستفزازي لن ينجح، وكذلك من أجل دعوته لتحرير نفسه من عزلته، "إذا رغب في أن يُعامل كـ "دولة طبيعية"، وفقا لـ "بارك"... وأضاف: "من المؤكد أن الإعلان سيحبط الشمال ويؤدي إلى رد فعل قوي للغاية من جانبه".
أقامت كوبا وكوريا الشمالية العلاقات الدبلوماسية في عام 1960، وحافظتا على علاقات وثيقة باعتبارهما من الدول الاشتراكية القليلة. كما عانت الدولتان أيضًا من العقوبات الاقتصادية الطويلة التي فرضتها الأمم المتحدة والولايات المتحدة عليهما.