أمم كثيرة جدا تعرضت لأخطار وتحديات، بفعل عوامل خارجية وبفعل زمرة باغية من الأشرار في الداخل تارة أخرى، فمنها من تحدى الصعاب والمعيقات فنجا، ومنها من داسته المؤامرات وتلاشت أركانها بلمح البصر، ومنها ما تعرضت لحروب أهلية امتدت لسنوات حصدت مقدرات الشعب وأعادته الى سنين عجاف جرداء، وتبقى "مصر" منفردة ومتفردة بين شعوب الأرض بكثرة ما فَرَض عليها الخصوم من تحديات، فنجت منها جميعا بفضل الله ورحمته وحمايته، وتماسك الصف الداخلي، وتلاحم شعبها وترابطه بقيادته، وخلوه من الخونة - حتى وإن ظهروا في أسوأ الفترات - فإنهم يرسلون إلى "مزابل التاريخ"!..
نعم على الجميع أن يدرس تاريخنا ويتعمق بقرأته جيدا، وأن يستخلص منه العبر والعظات الكافية لنا لكي نتسلح بها لمواجهة الأخطار إن داهمتنا، فالساحة الأردنية تتحول لمقبرة لكل يفكر في ممارسة ألعابه السياسة والقتال عليها، ولعل الأحداث التي تدعم قولي كثيرة، ولا مجال لذكرها وتفصيلها هنا.
أقول ذلك ليس لأنني متعاطف مع وطني وشعبي وقيادتي فحسب تجاه ما يحيق بنا من أخطار وتحديات، بل لأنني قرأت تاريخ رجاله وقادته جيدا، وهو ما فرَض عليّ أن أُذّكر أهلي به, فقد كان الشعب المصري حتى وإن أبدى البعض منه في أوقات الأزمات الداخلية "زعله"، ولكنه سرعان ما يتحد بوجه الأعاصير والعواصف والشدائد لمواجهتها كجسد واحد، وهو ما جعل "مصر" دائمًا وأبدا محمية من الضياع عكس غيرها من الأمم والشعوب!..
كما أن قادته منذ أن بدأ يكتب تاريخ الدنيا كلها لم يهربوا يومًا من ساحة قتال، ولم يتخلوا عن مسؤولياتهم حال مداهمة الوطن للأخطار، ولعلكم تذكرون في اكثر من تحد تعرض له مصر، كانت قيادته في قلب الإعصار "تقاتل"..
فلقد كان الترابط والتلاحم والتعاضد بين الشعب والقيادة منذ قدم التاريخ وحتى الآن، تشكل مصادر قلق ورعب للقوى المتأمرة التي سخّرت مخالبها بواسطة عملائها من الداخل والخارج من أصحاب المصالح الذين يتلونون تبعا لمكتسباتهم ومنافعهم الشخصية، وخاصة ممن يحملون في قلوبهم الحقد الدفين على مصر وشعبه، ويمنون النفس بالقضاء عليه اليوم قبل الغد.
وليعلم أعداء مصر أن فرسان جيشه وأمنه وُشهب الحق فيه، يمتلكون مدعومين بقوى الشعب استجابة من نوع فريد، عندما تشتد حولهم الأخطار وتحدق بهم المحن، فشكل ذلك إحدى قسمات وميزات "الشخصية المصرية" التي على أعدائه دراستها قبل الخوض والرقص على حبال التأمر، بل حتى مجرد التفكير في محاولة إشاعة الفوضى فيه.
فالشعب المصري يمتلك ميزة فريدة، لا يشابهه بها احد من الشعوب، وهي أن ليس للخيانة مكان في قاموس رجاله ونسائه وشبابه، كما انه لم يتلون ولم يتغير مهما كانت الأحداث منذ عرفت الدنيا اسم "مصر" ولغاية الآن , وفي يقيني الراسخ انهم لن يتغيروا الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذا لطالما شّكل عائقًا وتحديا أمام من يريد بث الفوضى في صفوفنا لغايات في نفس يعقوب.
فالارتباط العضوي بين "شعب مصر".. ومؤسساتنا بقائد الوطن، هو ذات الارتباط بين الشعب والقيادة، حتى بات الجيش هو الشعب والشعب هو الجيش، واللذان سيقاتلان ويتصديان للعدوان أيا كان مصدره ومشربه ومنبعه فرضا للسلام والحفاظ على الأمن والأمان، ومن هنا فعلى المتأمرين الذهاب بعيدًا عن ساحتنا، والبحث لهم عن ساحة أخرى لإفراغ سمومهم فيها، فلقد تجرعنا السم في مناسبات عديدة خلت ولم يعد السم ذا تأثير على أجسادنا.
كما أن هناك ميزة فريدة أخرى تخصنا دون غيرنا، حيث يستغيث الكل بنا ويلجأوا بعد إلينا.
فالشعب المصري الواعي بات اليوم مدركًا اكثر من أي وقت مضى، أن نعمة الأمن والأمان هي اهم ما خلق الله في الوجود بعد نعمة التنفس، ونعمة القيادة التي لا يعرفها ألا تلك الشعوب التي عانت من ظلم حكامها واستبدادهم وتهورهم, وهذه النعم بحاجة الى رص الصفوف ونبذ الخلافات وتوحيد الجهود وتعميق التلاحم الفطري مع القيادة لإبقاء أعدائنا محتارين بأمرنا، وهذا يفرض علينا أن نواجه كل من يقف خلف زعزعة أمننا بما يستحق من قوة وجدية.