الثلاثاء 30 ابريل 2024

كلماتي.. خُبْزٌ وسلاحٌ

مقالات7-3-2024 | 11:54

أنْ يموت طفلٌ بسوء التغذية..فتلك وصمةُ عارٍ تَصِمُ مَنْ حوله: أفراداً ومجتمعاً..أليس ذلك ما صدَّعوا رؤوسَنا به عن حقوق الطفل من فوق منصات الأمم المتحدة تشريعاً واحتفالاتٍ وتأسيساً لمنظمات تُعْنى بالطفولة وحقوق الطفولة ورعايتها..؟!! أليس ذلك ما يجري من مَشاهدَ لهؤلاء المغاوير فرسان الإنسانية أمام شاشات التلفاز،أو في لقاءاتهم الصحفية حيث نراهم خطباءَ منتفخي الأوداج تتدافع الكلماتُ من بين شفاههم كالجمْر الملتهب..!!!، لكنْ أن يُحاصَرَ شعبٌ بنسائه وأطفاله وشيوخه فلا يُسمح بدخول شاحنات المساعدات إلا النزْر اليسير... وياليتهم يكتفون بسلاح التجويع والحرمان من المياه..بل تحصد أرواحَهم آلةُ الحرب العمياءُ ما بين دباباتٍ أو طائراتٍ أو بوارجَ وإذا أفْلتَ أحدُهم من مصايد القتل المنتشرة في كل موضعٍ يجد أحدَ القنَّاصة المُعتَلين أسطح المنازل المهدمة يمارس هوايته في قنْص مَنْ يُطل برأسه من مخبأه..!! كل ذلك يحدث في غزةَ وحدها تحت سمع وبصر العالم..شرقه وغربه..شماله وجنوبه، حيث يرتكبه الصهاينة بدعْمٍ من معظم قادة الغرب، وَدَعْكَ من تصريحاتهم التي تطالب بضبط النفس، وعدم استخدام القوة المفرطة... ياسلام على التلاعب بالألفاظ أي أن الإفراط في استخدام القوة لا يحبذونه..!! أيَّةُ قوةٍ يمكن استخدامها في وجه شعبٍ أعزلَ  يحرمه المحتل من أبسط أسباب الحياة، وكأنه ليس بصاحب أرضٍ..؟!! إنها أشد فصول المأساة قتامةً.

والمُضحِك.."ولكنه ضحكٌ كالبكا بحذف همزة الاسم الممدود أي كالبكاء مثلما قال عمُّنا"أبو الطيب المتنبي"أقول:إن من المضحكات المبكيات أن الهدفَ المُعلَن من إنشاء الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية الحفاظُ على السلْم والأمن الدوليين، وقد كان ذلك بعد الدمار الشامل الذي شهده العالم في أقل من عشرين سنة في حربيهِ العالميتين: الأولى والثانية وأعداد القتلى والجرحى التى تجاوزت الملايين..فأين الأمم المتحدة مما يحدث في فلسطين سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، والأمر لا يحتاج تفصيلاً؛ فوسائل الإعلام العالمية تنقل يوميا بثّاً مباشُراً يحرِّك الحجر، والمظاهرات تجتاح عواصم الدول بطول الأرض وعرٍضها، كلُّ ذلك يراه صناع القرار في الأمم المتحدة..!!ولكن(لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًَاً.. ولكن لا حياةَ لمَنْ تنادي)إنهم لا ينصتون إلا لصوت القوة، ويحترمون أصحابَ اليد الطولَى.. هكذا عيْن الأمم المتحدة العوراءُ التي لا تريد أن ترى..!!، ولو أصدرتْ مليون قرارٍ،فقراراتها لا تساوي ثمن الحبر الذي كُتبتْ به، وكم من قراراتٌ أصدرت وضربت بها إسرائيل عرْض الحائط، لكن  متى رغبت أمريكا وصنائعُها من دول الغرب إنفاذَ إرادتها فإنها لا تنتظر اجتماعاً لمجلس الأمن أو غيره، إنها تنفذ ما تراه وعلى الأمم المتحدة أن تستصدر ما يجعل ما تراه أمريكا قانونياً...!!

(ما دامت لي من أرضي أشبارْ!!/ما دامت لي زيتونةْ.. ليمونةْ..بئرٌ..

وشجيرةُ صبّارْ ..!!/ما دامت لي ذكرى..مكتبةٌ صغرى.. صورةُ جدٍّ مرحومٍ.. وجدارْ..!!)

لقد أدرك شعراء المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتهم "سميح القاسم"أن مَنْ لا يمشى حاملاً مشاعل شعره ينير طريقَ  الحقيقة فحتْماً ستطارده ظلماتُ الباطل أينما سار، يسكن سوادُها وقتامتها زوايا نفسه وكلماته، وتملك عليه أركانَ كِيانه، ولن يجد في يديه سوى حصاد الهشيم مصيراً لما خطَّتْه يدُه، لماذا..؟!! لأن المقاومة تُلْزمُه الانتصار لما يراه ويوقن أنه الحقُّ الجليُّ الذي لا يشوبه شكٌّ،وهو طوال مسيرته لا يخضع لما يسقط فيه الكثيرون من المناورات أو التلوُّن رغبةً في تحقيق مصالحَ شخصيةٍ، مدركاً أنه الوقودُ الذي يمنح الفجرَ القدرةَ على اختراق الليل ولو استبعدت العيونُ إشراقَه!! أو يئست النفوسُ من بزوغه!! إن"سميح القاسم" تستطيع عينُه التقاطَ اللحظة الشعرية الكامنةِ وسْط طلقات المدافع أو أزيز الطائرات أو وسْط أدخنة الحرائق موظِّفا إياه بحرفيةٍ رائعةٍ في كتابة نصٍ تمتزج فيه مشاعره الإنسانية بألفاظه الدالة على تجذُّر الفلسطيني في أرضه يعزِّز هذا التجذُّرَ مفرداتٌ غاية في الجمال دونما ضجيجٍ مثل صورة الجدِّ واصفا إياه بـ 'المرحوم' فما الذي جعله شديد الثقة بوصفه بتلك الصفة، وهي من الغيبيات ألأنه مات شهيداً..؟!!أم لأنه أورثه حب الوطن والدفاع عنه؟!! جائز ذلك كله؛فالكفاح ممتدٌ، والراية يتسلمها الأحفاد من الأجداد، ويستمر في عدِّ مفرداته الهامسة مثل المكتبة والزيتونة والبئر وبضعةِ أشبارٍ من وطنه وفوق ذلك شجيرةُ صبَّارٍ والذكاء في تصغيرها لعله أراد تحليتها مذاقاً ومنظراً...!!! فهي ما يقتاته طيلة كفاحه صبرًا على ما يكابد..!!!

(ما دامت في بلدي كلماتٌ عربيةْ/وأغانٍ شعبيةْ...!!/ ما دامت لي عينايْ/ ما دامت لي شفتايْ..ويدايْ..!!/ ما دامت لي..نفسي).

وتلتقط عيْنُ"سميح القاسم"ما يؤكد الانتماء وحرية القرار، فالانتماء يبرز في اللغة العربية والموروث الشعبي الحاضِّ على المقاومة والمُشعِل جذوتها في النفوس، وحرية القرار تبرز في التأكيد على استقلالية حواسه من عينين وشفتين ويدين ثم يُجْمل الباقي في تركيبة بسيطة" مادامت لي.. نفسي"ولعل"سميح القاسم"في ذِكْر هذه الحواس مفصَّلةً منفردةً عن باقي جسمه ما يؤكد أنه يري طريق التحرير واضحاً لا لَبْسَ فيه ولا غموضَ،ويملك وسائل الدفاع عن الحق قولاً وعملاً،ويعينه في ذلك أعضاءُ جسده، ولعلك تتساءل معي أيها القارئ الكريم بعد كل ما سبق ذكره من ممتلكات "سميح القاسم" ماديةً كانت أو معنويةً..!! موروثةً كانت أو مُكتسَبةً...أكانت هذه الاحصاءات للمباهاة..؟!! كلاَّ إنها الخاتمة التي كأنها اللظى المستعرة؛ إذْ ينقلب الهمسُ البادئ إيقاعَ النص الملتقطُ المفرداتِ الدفيئةَ كأنها منمنماتٌ بديعةٌ تَصُفُّها أناملُ فنانٍ إلى إيقاع دفوف الحرب تثير الهمم..!!وإذا بوجْه المقاتل دون هوادة يبرز في الخاتمة...!! فإلى ختام قصيدة (ما دامت لي من أرضي..أشبارْ!!) والمقاوِم"سميح القاسم.

أعلنها في وجْه الأعداءْ.

أعلنها.. حرباً شعواءْ باسم الأحرار الشرفاءْ عمّالاً..طلّاباً.. شعراءْ.

أعلنها..ما زالت لي نفسي.

وستبقى لي نفسي.

وستبقى كلماتي خُبزًا وسلاحًا..في أيدي الثوّارْ!!.

Dr.Randa
Dr.Radwa