السبت 27 ابريل 2024

فلاسفة الإسلام| ابن سينا.. ورحلة استكشاف الحقائق الوجودية (3ـ 30)

صورة تخيلية لابن سينا

ثقافة13-3-2024 | 20:14

إسلام علي

تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمون بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.
 

ومع بوابة «دار الهلال» نقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنعرض إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وتوضيح كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في  تاريخ الحضارة الإسلامية.


واليوم سوف نذهب في رحلة مختلفة مع عالم ساهم في كل انغواع العلوم في زمانه .

 

وُلد أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا في قرية "أفشنة" بالقرب من مدينة بخاري في أوزبكستان عام 370 هجريا، من أب من مدينة بلخ وأم قروية.

 

وما يزال اسمه محفورا في تاريخ الإنسانية بفضل إسهاماته البارزة في ميدان العلوم الطبية والفلسفة ويلقب ب «ابن سينا». برز «بن سينا » بفضل مساهماته في علم الطب الصدارة دون غيرها من العلوم، حيث تميزت مؤلفاته  واعتمدت  بها لمدة تزيد عن أربع قرون في العالم الغربي، ومن بين إنجازاته الطبية البارزة، اكتشافه للدورة الدموية الصغرى، وقد قدم شرحا دقيقا لوظائف أعضاء الجسم البشري، بالإضافة إلى تحديد أعراض الكثير من الأمراض ووصف طرق علاجها.

 

 

وفي المجال الفلسفي، اشتهر ابن سينا بتعددية إبداعاته، إذ تنوعت مؤلفاته لتشمل مختلف فروع الفلسفة، منها الفلسفة الميتافيزيقية، والفلسفة الطبيعية، والمنطقية، والسياسية، بالإضافة إلى الفلسفة الأخلاقية، ترك إرثا كبيرا يتجاوز الزمن. 

 

وفي ميدان الفلسفة الميتافيزيقية، سوف نقدم أهم إسهامات «ابن سينا»، حيث قدم نظريات مميزة تركزت على فحص عميق للوجود والصفات الإلهية، وكان إحداها هي نظرية الوجود، وكانت  أبرز انجازاته  التركيز على فهم الله تعالى كوجود واجب لذاته، حيث أكد على أنه موجود لنفسه بلا شريك في سلطانه. 

 

وأوضح «ابن سينا»إلى أن الإله أفعاله وصفاته واجبة النفاذ، مع تأكيده على أنه الأول في الأزل، ليس قبله شيء آخر، أوضح أن الوجود ذاته واجب بفضل وجود الله، وفي ذلك اتفق مع نظريات المفكر والفيسلوف الإمام «الغزالي» حول وحدة الوجود، و انخرط في مناقشة حول أصل الوجود، مردفا إلى أنه في حالة العدم، لو لم يخلق الله، فإن الوجود لن يكون.

 

 

وفيما يخص النظرية الثانية حول الصفات الإلهية، أبرز ابن سينا تفسيره حيث ربط بين صفات الله وخلق كل نقطة في الكون الواسع. 


و أوضح أنه يمكن تجريد كل مظهر من مظاهر الوجود من الكائنات المختلفة من خلال صفات الله، مع إشارته إلى أن الله تعالى ترك العالم ولم يتدخل في قوانينه، إذ فوض العالم إلى أسبابه الطبيعية والقوانين المتعددة التي انبثقت من صفاته وبذلك، أظهر ابن سينا اتساقاً فلسفيا وعمقا في تحليله للعلاقة بين الله والكون. 

 

وفيما يخص نظرياته الأخرى، وهي نظرية المعرفة، تحدث عن المعرفة الحسية والعقلية، بالنسبة للأولى فإنها تأتي من الحواس مثل البصر والسمع، وهي غير يقينية في استكشاف امور الخلق والموجود، بينما المعرفة العقلية هي المعرفة الحقيقية التي يتحصل عليها الإنسان عبر استخدام عقله مع القلب، وتكون ثابتة ويقينية و تتضمن هذه المعرفة دراسة جوانب الموضوع من كل زاوية.

 


وعلى جانب آخر، وهو الفلسفة الأخلاقية، تناول «ابن سينا»فيها قضية السعادة و وضع أسسًا لنظرياته. واقترح أن السعادة تنقسم إلى سعادة حقيقية، يتم الوصول إليها عبر الروح والنفس العليا وهي الصفات التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث تسعى إلى معرفة صفات الله وتسعى لتحقيق الكمال الإنساني والاتصال الكامل بالخالق والوصول إلى الجنات العلى وعلى الجانب الآخر ،  ركز قال إن السعادة الدنيوية لا تمنح الإنسان سعادته الحقيقية، لأنها مادية زائلة .

 

وفي الفلسفة السياسية، استعرض ابن سينا نظريات حول الدولة والحكم، حيث ركز على أهمية العدل وحماية الدين والإنسان في بناء الدولة  بالإضافة إلى حديثة عن الحكم الملكي والحاكم ذو الصفات الذكية والشجاعة والكرم، وأكد على أن هذه الصفات تتبع الروح والنفس العليا، وفضل الله الحكام على العامة لتجنبهم طغيان نفوسهم الدنيوية والشهوات المرتبطة بالنفس والجسد. 

 

وختم ببيان أن هناك علاقة تتجلى بين الحاكم والمحكوم، حيث يجب على الحاكم الالتزام بتحقيق الخير العام لشعبه وعلى المحكومين الطاعة، مع التركيز على مفهوم المشاركة السياسية والأخلاق السياسية في نظرياته.

 

في فلسفة المنطق، ركز ابن سينا على دور المنطق في التمييز بين الحق والباطل، وبين المعرفة الحقيقية والمادية الباطلة. وقسم المنطق إلى أنواع مختلفة، بدءًا من المنطق التصوري الذي يدرس المفاهيم والتصورات، وصولاً إلى المنطق التصديقي الذي يتناول الأحكام والقياسات على الأشياء، وقد ذكر أيضا المنطق البرهاني الذي يستند إلى البراهين والدلائل.

 

وجدير بالذكر، أن الحلقات السابقة عرضنا فيها، برحلة «الغزالي» و«الفارابي» واليوم كان ابن سينا، وكان بينهم وجه تشابه كبير وهو محاولتهم للتوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة اليونانية، حيث تأثروا بأفكار أرسطو و أفلاطون، وتحدثوا عن المعرفة العقلية و الحسية، أكدوا جميعًا على أهمية العقل في الوصول إلى المعرفة، وختموا بتأكيد نظرية النفس وخلودها بعد الموت، حيث تُعتبر النفس المفتاح الوحيد للحصول على المعرفة الحقيقية، المعروفة في الدين بمفهوم الجنة.

 

ومع ذلك، كان هناك اختلاف في الآراء بين ابن سينا والفارابي والغزالي، حيث رأى ابن سينا والفارابي أن الوصول إلى المعرفة يتم عن طريق العقل فقط، بينما نفي الغزالي ذلك كما تحدثنا في الحلقات السابقة وأكد أن الوصول إلى المعرفة يكون عن طريق التصوف الذي يجمع بين القلب والعقل، مؤكدًا على أهمية التوازن بين العقل والروح للوصول إلى المعرفة.

 

ورحل العالم والمفكر والفيسلوف المتميز مع تاريخ الحضارة الإسلامية ابن سينا عام 428 هجريا عن عمر يناهز 57 عاما .

 

Dr.Randa
Dr.Radwa