السبت 27 ابريل 2024

فلاسفة الإسلام| ابن عربي .. تعزيز وحدة الأديان (6_ 30 )

ابن عربي

ثقافة16-3-2024 | 19:01

إسلام علي

تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمون بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.

ومع بوابة «دار الهلال» نقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنعرض إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وتوضيح كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في  تاريخ الحضارة الإسلامية.

واليوم نلتقي في رحاب الفلسفة الصوفية مع الفيلسوف والمتصوف «ابن عربي» الذي سعى إلى الوحدة بين الأديان

يعد  «ابن عربي» من أشهر المتصوفيين في تاريخ الاسلام، نظرا لأفكاره التي جددت الدين والفلسفة بالإضافة إلى تأثيرها عى الفن والعمارة الإسلامية في زمانه، و اسمه  كاملا محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي " . 

ولد  «ابن عربي» عام 558 هجريا، في مدينة مرسيه بالأندلس (في جنوب شرق إسبانيا حاليا )، ولقب بالشيخ الأكبر نتيجه لغزاره الإنتاج العلمي الخاص به، إذ تعمق في علوم شتى منها الفقة والتفسير بالإضافة إلى التصوف والفلسفة ، فانتج ما يقارب 800 كتاب، فضلا عن أفكاره الجريئة عن الكون والتي تتميز بالاختلاف التام عن من سبقه مما عرضه للنقد الدائم،  فقد انقسم العلماء إلى قسمين الأول يؤيد أفكاره ويعتبرها تثري الفكر الإسلامي، والقسم الثاني كان ينقده وبشده بسبب انحرافه عن الدين الإسلامي على حد قولهم .

واتسم «ابن عربي» بقدرة عالية على الاستيعاب والفهم، وذلك لكثرة رحلات في مختلف البلدان الإسلامية والعربية، فجعله يمتلك ثقافة ومصارد متنوعة، ثانيها وهي الأهم تجاربه الروحية العميقة وكثرت تأمله وعبادته وفتح عين البصيرة لديه كل ذلك جعله مؤهل ليستلم الالهام من الخالق بالإضافة إلى  أن ابن عربي لم يكن يخاف من طرح أفكاره الجريئة بالرغم من أنها تخالف السطحية والنمطية في عصره . 

 نظريات أخرجها ابن عربي إلى النور

نظرية وحدة الوجود  
أسس ابن عربي نظرية جديدة للتصوف الاسلامي التي على أساسها كانت العلاقة بين الله والعالم، وتشير أن كل المستويات الكونية التسعة في عالمنا الواسع هي تجليات لصفات وأسماء الله وأهم ركائز النظرية هي "الأحدية  " والمقصود بها الخالق، ثم  "الظهور"، وهي إخراج  العالم كله إلى الوجود فكان مظهر من مظاهر الله ثم "الفيض"  وهو خلق الله للعالم عن طريق سلسلة من المستويات المتتالية التي تختلف عن بعضها البعض في المادة ثم في الأخير كان خلق الإنسان الذي أبدعه الله ليكون خلاصة الوجود، لأنه يحتوي بداخله على كافة الصفات والأسماء التي وجدت في الكون كله . 

نظرية الفيض الإلهي 

وتشير نظرية «ابن عربي» إلى أساس خلق الأكوان بالكامل التي نعيش بها من مجموعة متنوعة من المستويات فكانت القواعد أوالأسس التي قامت عليه الأكوان من ثلاثة أشياء، فكانت الأولى هي الفيض الإلهي إذ أن الله خرج من ذاته، ثم ظهور صفاته التي نعرفها والتي لا نعرفها لأجل خلق كل عناصر الكون ثم المرحلة الأخيرة كانت ظهور العالم بأكمله كنتيجة للسابق. 
نظرية الإنسان الكامل 

يتفق «ابن عربي» مع الغزالي أن الوصول إلى معرفة الله لن يكون عن طريق العقل فقط بل عن طريق الروح التي وضعها الله في الانسان لكي تكون كأداة يكتشف بها جمال خلقه، ويصل الإنسان إليها عن طريق مراقبة النفس والمشاعر والأفكار ألا تنحرف عن الطريق المستقيم ثم محاسبتها على أفعالها وذلك لأجل تطهير النفس بما فيها من أفكار تضر صاحبها وتعيق تواصله مع خالقه، فضلا عن معرفة صفات النفس وهي ذكاء الإنسان وميوله.


ثم يكتشف أن صفاته وميوله هي انعكاس من صفات الله الوجودية ثم تؤهله معرفه نفسه إلى إدراك السلبيات والإيجابيات التي بها ومحاولة تغيرها لذلك قال "معرفة النفس هي مفتاح المعرفة الحقيقية لله" وقدم نظريات أخرى مثل الحب الإلهي والمعرفة الصوفية والكشف. 

ونجد أن هناك توافقا فكريا بين أبرز المتصوفة المسلمين، ابن عربي، وأشهر الفلاسفة والمتصوفة في التقاليد المسيحية، مثل القديس أوغسطين. هذا التوافق يشكل أساسًا قويًا للوحدة والتلاحم بين الديانتين، حيث تتجلى الوحدة في الأفكار و الاستنتاجات المشتركة بين الديانتين، فيروج ابن عربي إلى الوحدة المطلقة في الكون بين خالقه "الله" والوجود نفسه "مخلوقاته" أي الوحدة بين الجزء والكل وعلى الجانب الآخر، يرتكز «أوغسطين» على أن الله هو الوجود الأولى قبل كل شيء وأن هناك وحدة بين العوالم السماوية والأرضية  واتفق كلا منهم على أن المعرفة تأتي من الإيمان ثم الاتجاه الفلسفي، واتفاقهما حول الحب الإلهي وأنه الطريق إلى معرفة الله.

 

وعن المعرفة و طرق تحصيلها فكانت عن طريق القلب والتجربة الروحية ليس عن طريق العقل وبذلك اتفقوا مع الإمام الغزالي مما يولد وحدة في طرق المعرفة بين الديانتين ، وهذا لا يقلل من دور العقل لدي كليهما إذ أكدوا على أهميته في الوصول إلى المعرفة الحقيقية مع وحدة الأديان . 

ولذلك أسس كلاهما وحدة بين الديانتين ووضعوا الأسس الأولية في الوحدة لتمهيد الطريق لوحدة كلا الديانتين، وعن طريق الفلسفة "أصل العلوم" أنه يوجد علاقة باطنة بين الدين المسيحي والإسلامي وأنهما يتوافققان في الباطن لا في الظاهر سعي إليها ابن عربي والقديس أوغسطين.

رحل «ابن عربي» عام  638 هجريا في مدينة دمشق بسوريا. 

Dr.Randa
Dr.Radwa