الثلاثاء 30 ابريل 2024

الراسبون كِثار

مقالات14-3-2024 | 20:08

ولم تزل"فلسطين"نشيدَ الحرية الباقي على فم الإنسانيةِ المنادي بالحرية والكرامة لكل بني البشر..!! لم تزل فلسطين تحلم بالنهار الحقيقي؛ حيث تتنفَّس فيه الصعداء بعد عقودٍ طوالٍ من البطش والتنكيل بأبنائها ودورِها وأشجارِها وجبالِها ووديانِها، فلم ينعم كل ما فيها ومن فيها بإغفاءةِ العين أو بسكِينةِ الروح أو بحلول الأحلام التي كثيرًا ما تزور البشر عندما يهجعون..!!، وأنَّى لفلسطين -شعبًا وجمادًا وشجرًا-أن تنام أو يزورها الحلمُ، وهي ليس مسموحاً لها أن تنام، وهي لا تفتح عينيها إلا على مجزرةٍ، ولا تُغمض عينيها إلا على سيل الدماء الطاهرة.لم تزل-فلسطين الوطن والشعب- الوحيدةَ في الكرة الأرضية المحرومةَ من نسمات الحرية.. ألم يَحِن الوقت لـ"فلسطين" أن تسترد حقًا إلهيًا اُغتُصِب منها...؟!! أم أن مصطلحاتِ الحرية والعدالة الإنسانية وحقوق البشر لافتاتٌ ترفعها الدول الكبرى لتمرير مصالحها وتنفيذ سياساتها وبسْط سطوتها على ما يحقق نفوذها...؟!!!، لقد عاب الخليفة الراشد الفاروق "عمر بن الخطاب"على والي مصر"عمرو بن العاص" ما ارتكبه ابنه بالشاب المصري بعدما سبقه في سباق، حيث ضربه بالسوط قائلًا: أتسبقُني وأنا ابن الأكرمين؟!!؛ ليرسل الفاروق في طلب الوالي وابنه إثْر شكوى المصري ويصرُّ على القصاص من المعتدي بيد المصري صاحب الحق؛ حيث ناوله سوطًا وأمره أن يقتص لنفسه من ابن"عمرو بن العاص"؛ فضربه حتى رأى أنه قد استوفى حقه وشفى ما في نفسه؛ ثم قال له أمير المؤمنين: "لو ضربت"عمرو بن العاص" مامنعتُك؛ لأن الغلام إنما ضربَك لسلطان أبيه"، ثم التفت إلى"عمرو بن العاص"قائلاً: متى استعبدتم الناس وقد ولدتْهم أمهاتْهم أحرارًا؟!! يرسلُها عاليةَ الصوت واضحةَ الحرف والمعنى قبلما تنصُّ عليها مواثيقُ أو تطنطن بها زعاماتٌ

(ووقفتِ وحدكِ..مرةً أخرى

كأنكِ اخرُ القول...كأنكِ أولُ العناد...كأنكِ المعنى الوحيد لمفردات العزِّ في اللغة الكريمةْ..!!لا يستريح الذلُّ فوق جبينك العالي

ولا تُغمِضُ عيناك على ليل الهزيمةْ…!!)

و"غزة"وجه"فلسطين"

الضاحك رغم انهمار الدمع، و"غزة" العزة وجهُ "فلسطين" الذي تنشقُّ عنه الأرض رغم قذائفهم الهوجاء وصواريخهم المدمرة، تنشقّ عنه الأرضُ ليخرج المارد الفلسطيني وسط أنقاض البيوت وركام الحجارة إنها الحقيقة الوحيدة التي يؤمن بها كلًُ عربيٍّ وإن طال انتظارها.

وشاعرُنا اليوم الفلسطيني

"وليد الهليس" شاعر ومترجم، هُجِّرتْ عائلتُه من بلدة "ترشيحا"عام ثمانيةٍ وأربعين بسبب النكبة إلى"قطاع غزة"؛حيث وُلِد بها عام اثنين وخمسين،وأصلُ تسمية

"تَرْشِيحا"بفتْح أولِه وسكونِ ثانيه وكسْرِ ثالثه وياءٍ وحاءٍ وألفٍ أنها تتألف من جزئين:"تر"تحريف "طور"أي الجبل و"شيحا" من «شيح» وهو نباتٌ عطريٌّ شجيريٌّ، فيكون معناها:"جبل الشيح" أقول وُلِد "وليد الهليس" في "غزة" ثم ينتقل إلى"مصر" للدراسة ليحصل على شهادة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية؛ليعود إلى"غزة" فيكابد اضطهاد المحتل إذْ اعتقله من عام تسعةٍ وستين إلى عام أربعةٍ وسبعين؛ليستقر به المقامُ منذ الثمانينات في"السويد"،وقد تناول شعرَه الكثيرُ من الباحثين أمثال "حنان ميخائيل عشراوي" و"فريال جبوري غزول" وغيرهما إذ يَرَوْن في شعره إسهاماً بارزاً في الأدب الفلسطيني..

(ووقفْتِ وحدكِ..مرةً أخرى

وظلُّكِ في البلادْ/أطفالُكِ انتشروا على تمُّوز أزهاراً تنازعها المواسمُ والفصولُ بلا حدادْ/هل غادر الشهداءُ من متردمِ..هل غادر الشهداءْ/دمهم فصيحُ القولِ دون تلعثمِ..في اللحظة الخرساءْ..!!)

وقصيدة"غزة"للشاعر الفلسطيني"وليد الهليس" هي شهادةٌ حيةٌ من قلب "طوفان الأقصى"حيث اقتاد الحنين شاعرنا ليزور مسقط رأسه، وموضع لهوه وملعب صباه ورفاق عمره؛ليعود هذا العام أثناء "طوفان الأقصى" احتفالاً بأعياد الميلاد في"غزة" ليرى ما لا يتخيله عقل ولا تصدقه نفس...!! إنه يرى الآلاف من أكداس الجثث والأشلاء المتطايرة في كل موضع..لا طعام ولا ماء ولا دواء ولاأمان وحيث تتحرك قدماك لا ترى إلا الدم الذي يصيبك بالقشعريرة إنها الوحشية في أوضح مشاهدها، والبربرية في أفظع سلوكياتها،إن آلة التدمير الإسرائيلية لا تجهد نفسها في البحث عن أهدافها؛فالأهداف كثيرة جداً ولا تحتاج انتقاء أو تفضيلا ولا تحتاج إلى تطبيق قواعد"التنشين"من إغماض عين والتركيز بعين على هدف ما...لا إن الأهداف أكثر من أن تحصرها نظرةٌ،وأوضح من أن يتتبعها قنَّاصٌ..!!، إنها الحربُ المستبيحةُ كلَّ القيم والمبادئ والأعراف المنتهكةُ قدْس الأخلاق ليهتف الشاعر" وليد الهليس":(هل غادر الشهداء من متردَمِ...دمهم فصيح القول دون تلعثُم..!!) لقد عايش الشاعر الكثير من أحداث الصراع العربي الصهيوني..لكن هذه المرة تختلف كمًّا وكيفاً،إنه رآها واكتوى بنارها إذ أُصيب في غارة جوية إسرائيلية أثناء زيارته للقطاع، واستشهد فيها مجموعةٌ من أفراد أسرته،لقد نجا ليُكمل المأساةَ رؤيةً على البعد في وسائل الإعلام مثلما عايشها في بؤرة المذبحة..!

(طوبى لأجلكِ يا مدينتنا التي تأبى..وطوبى للنساء وللرجال طوبى لهم!!/فوق الرمال وتحت ردم البيت...طوبى للقتيل وللغريقْ/ طوبى لأطفالٍ تطاير لحمُهم/ليدل من ضلَّ الطريقَ الى الطريقْ/طوبى لمنزلنا المهدَّمِ مرةً أخرى..لشارعنا المحاصَرِ مرة أخرى،لقيد العزِّ لم يكسر لنا عَيْناً..ولا قلباً وللموت النبيلْ)

 إن ما حدث أو يحدث الآن أو سيحدث غداً في"غزة"هو الامتحان الحقيقي الذي رسب فيه الجميع...،إنها اللطمةُ المخزيةُ والضربةُ القاضيةُ التي ستظل قروناً تطارد الإنسانية يقظةً ومناماً... إذا قُدِّر لها أن تنعم بالنوم على أَسَرَّتِها المحترقة، إن صور الشهداء وأنَّات الحزانى والثكالى وآلام الجرحى وبكاء الجياع سيطارد الراسبين في امتحان "غزة" أجيالاً وأجيالاً.!! ليكون الختام مع"وليد الهليس"في قصيدة "غزة" ختاماً مُفعَماً بالأمل رغم المجازر....!!

(طوبى لأجلكِ يا مدينتَنا التي تأبى..وطوبى لدمٍ هجر العروقَ إلى الترابْ/

ستعلِّمين الصخرَ كيف يكون لحناً للإرادةِ..تغزلين الفجرَ من خيْط العذابْ/

وستقبضين على قرون المستحيلْ!!).

Dr.Randa
Dr.Radwa