السبت 27 ابريل 2024

فلاسفة الإسلام | جماليات الجاحظ: توازن وتناغم في الكون والإنسان (9-30)

صورة تخيلية لابن الجاحظ

ثقافة19-3-2024 | 22:21

إسلام علي

تعد الفلسفة الإسلامية من أرقى أنواع العلوم الإنسانية، حيث تعتبر بوابة لفهم حقائق غير ظاهرة في مختلف الميادين العلمية، ويعتبر الفلاسفة المسلمون «الفلسفة» هي العلم الذي تميز به الأنبياء للوصول إلى مرحلة اليقين في المعرفة الإلهية  وقام علماء الفلسفة المسلمون بتوظيف قوانين الفلسفة في استكشاف حقائق الأمور في جميع ميادين المعرفة.

 و نقدم  خلال 30 يومًا من شهر رمضان 1445 هجرية،  سنعرض إسهامات هؤلاء الفلاسفة في ميدان الفلسفة وتوضيح كيفية ربطها بالعلوم الأخرى، في رحلة مع أبرز علماء الفلسفة في  تاريخ الحضارة الإسلامية.

 

كان الجاحظ عالما وأديبا في العصر العباسي، مطلعًا على مختلف أنواع العلوم والمعارف، واسمه كاملا عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري.

 

وكان أول من ناقش مسألة "خلق القرآن"، فتعرض له أئمة الدين بانتقاد إلى  أن وصفوه بالزندقة، فضلا عن مساهمته في المجالات السياسية، تعرض لبعض رجال الدولة في عهده والملوك بالانتقادات مما عرضه للسجن وتهديده بالقتل.

 

فيلسوف اليوم أثار جدلا واسعًا حول العديد من نظرياته المعتمدة على العقل ونبذ النقل والوحي.

 

نظرية خلق القرآن

 

وكان من أهم أفكاره الفلسفية المثيرة للجدل هي "نظرية خلق القرآن"، رفض الجاحظ القول بأن القرآن مخلوق بحجة أنه مجموعة من صفات الله وصفاته لا تحدد بزمان أو مكان، وأضاف حجة أخرى أن الله لم يخلق شيئًا من العدم، بل إن كل شيء خلق من مادة متواجدة في الكون، واتفق معه ابن خلدون وابن رشد.

 

نظرية المعرفة

ناقش الجاحظ في مؤلفاته "البيانِ والتبيينِ" و"البخلاءِ" نظرية المعرفة، وكان مهتمًا بالمعرفة المتجددة ونبذ النقل عن الآخرين، واعتمد على مصدر التجربة والتحليل مع الاستنتاج واعتبرها الطريقة الوحيدة لإثبات صحة المعلومات، وما لبث أن وجه الفقهاء المتشددون في عصره عدة انتقادات له وكان أهمها أن الاعتماد على العقل في الوصول إلى الله يخالف الشريعة الإسلامية.

 

نظرية الأخلاق

رفض الجاحظ الاعتماد الكلي على الدين في تحديد مفاهيم الخير والشر، مستندًا إلى فكرته بأن الإنسان قادر على تمييز بينهما من خلال عقله وتفكيره الخاص، و أراد الجاحظ بذلك التأكيد على أن الدين قد يتعرض للتحريف والتأويل، وبالتالي لا يمكن الاعتماد الكامل عليه في تحديد مفاهيم الخير والشر.

 

بدلاً من ذلك، بنى جسرًا بين العقل والمنطق والأخلاق لتحديد الأفعال الصالحة والمناسبة، كان ذلك ردًا على التشدد الذي ظهر في عصره من قبل الفقهاء، الذين اعتمدوا بشكل أساسي على النقل من الآخرين في تحديد القواعد الأخلاقية، مما أدى إلى تقييد الاستخدام العقلاني في التفكير والنقد، واعتمد على كلماته العديد من الفلاسفة مثل ابن عربي وابن خلدون فضلا عن ابن رشد.

 

نظرية السياسة

رفض الجاحظ إدماج الدين في السياسة، مؤكدًا على أهمية استخدام العقل في تحقيق العدالة والابتعاد عن الظلم، وذلك بنفس النهج الذي اتبناه في نظريته السابقة في رؤيته للسياسة، أشار في سياق آخر إلى الحاجة الطبيعية للإنسان للعيش ضمن مجتمع منظم، وضرورة وجود حكومة مركزية تضمن تنظيم الحياة الاجتماعية.

 

انتقد الجاحظ الذين يرون أن الحكم ينبغي أن يكون للطبقات الأرستقراطية أو النبلاء، بل أكد على أن الحكم يجب أن يكون للأكفأ والأجدر بالقيادة، مع التأكيد على ضرورة وجود القدرة والخبرة والقدرات العقلية والأخلاقية للحاكم.

 

وتسببت هذه الأفكار في اعتقاله من قبل الخليفة المأمون، بسبب تبنيه لمجموعة من الأفكار التي كانت تعارض السياسة العباسية في ذلك الزمان.

 

نظرية الجمال 

تتميز النظرية الخاصة بالجمال عند الجاحظ بعمقها، حيث يعتبر الجمال في نظره توازنا وتناغما بين الأشياء، لا يقتصر على المظاهر الخارجية والسطحية. بالنظر بعمق، نجد أن الجمال هو رؤية العالم من زاوية تتخطى الشكل الظاهري للأشياء، بل تتعمق في الوجود وتتجاوز الحدود المادية، يؤكد الجاحظ أن الجمال ليس مجرد صفات تجذب الأنظار، بل هو اجتماع التناغم والتفاعل بين العناصر والأشياء، مما يوحد الكون بأكمله.

 

ويعتبر الجاحظ الجمال في النسب الجمالية والقوانين الكونية التي تحكمها، سواء في العلاقات بين الأشياء داخل الكون نفسه أو بين أجزائه المتفاعلة. يرى أيضًا الجمال في الترتيب الهندسي والنظام الذي يسود في الجسد البشري، حيث تتجسد هذه القوانين والتناغم في تركيبته.


وبالفعل، يجب أن نشدد على أهمية استخدام العقل في فهم الجمال الحقيقي، إذ يعتبر العقل المفتاح الوحيد الذي يمكننا من تخطي الحواجز الظاهرية للجمال، فالعقل يمكنه أن يرشدنا نحو فهم عميق للكون وكشف أسرار الجمال التي قد لا يدركها العامة.

 

وباستخدام العقل، يمكننا أن نتجاوز الجمال السطحي الذي يلفت انتباه الجمهور العام، ونتوجه نحو استكشاف الجمال العميق للكون، وكذلك للإنسان، فالعقل يمكنه أن يدرك الترابطات والتناغمات الدقيقة بين العناصر والأشياء، وبذلك يمكنه أن يكتشف الجمال الحقيقي الذي قد يخفيه الواقع عن العيون العادية.

لذا، يجب أن نشجع على استخدام العقل في اكتشاف الجمال، وتعزيز الفهم العميق للعالم من حولنا، حيث يمكن لهذا العقل أن يرشدنا نحو مدى روعة وجمال الحقيقة الكامنة في الوجود.

توفي الجاحظ عام 255 هجريا في البصرة بالعراق عن عمر يناهز ال 92 عاما.

Dr.Randa
Dr.Radwa