تهنئة قلبية لأمهات العالم شرقا وغربا، وتحية تقدير واحترام وامتنان لكل أم تعبت وسهرت وكافحت لتربية أبنائها وتعليمهم، وصنعت منهم رجال المستقبل، وصنعت زعماء ومفكرين وعلماء وأبطال يدافعون عن الأوطان وعباقرة يخدمون الإنسانية، وربت فتيات متفتحات كالورود الندية يتعلمن وينافسن ويتحدين الصعاب لتحقيق طموحاتهن.
في كل يوم تشرق به الشمس هناك من يقرأ ويتعلم ويعمل وينجز ويبني، وكل هؤلاء ربتهم امرأة، وتعبت من أجلهم امرأة، وسهرت على مرضهم امرأة، وزرعت الطموح في دروبهم امرأة، وأصرت على نجاحهم امرأة، وخافت عليهم من نسمة الهواء امرأة.
وفي كل إنجاز وعمل تحقق هو بالأصل مردود لهذه المرأة وهي الأم، ففي كل يوم نعايدك ونقول لك.
إليك يا رمز الكفاح والصبر والقدرة على مواجهة الأزمات، ويامن تحملت مسؤولية الأسرة، وسرت بالسفينة إلى شاطئ النجاة، لمعاني التبجيل والتقدير، ورد الجميل إليك بالتعبير البسيط عن العرفان بفضلك.
وإن كان هناك نساء كثيرات لم ينجبن أو أنجبن، لكنهن أدين دور الأمومة على أكمل وجه، أكانت عمة أو خالة أم كانت معلمة أو مديرة مدرسة أو دار أيتام، واعتبرت أن كل طفل هو ابنها ومسؤول منها، وسهرت وكافحت حتى تخرج أبناء أسوياء صالحين ومتفوقين في الحياة بعاطفة الحنان الفطري في المرأة الذي يغزو قلوب الصغار.
فالأمومة هي أعلى قيمة إنسانية في الحياة، وليست كل من أنجبت تولت رعاية صغارها بالحنان والدفء والرعاية الصحية والتعليمية والنفسية، إنما الأم هي من أدركت معنى الأمومة في العطاء والبذل والتضحية بوقتها وصحتها ومالها، وكل شيء لرعاية أبنائها وتربيتهم تربية سلمية يستطيعون بها مواجهة تحديات الحياة بأمان.
وهناك الكثير من الأمهات في العالم ربت أجيالا كاملة بفضل ما يتفجر من قلبها من بحور الحنان والرحمة والإنسانية، فهناك من أنشأت المدارس المجانية لتعليم الأطفال، وأخريات فتحن دورا لرعاية الأيتام، وهناك من كتب القصص للأطفال لتغذية عقولهم وخيالهم وتثقيفهم وتعليمهم وتنمية أذواقهم.
والمعلمات والممرضات والراهبات اللواتي ربين أجيالا متعاقبة على القيم الأخلاقية والروحية والعلمية، والبعض الآخر من النساء وضعن مناهج تعليمية لأجيال عديدة، ناهيك عن النساء اللواتي ابتكرن اللقاحات لحماية الأطفال من الأوبئة والأمراض المختلفة. والتاريخ الإنساني يشهد على نماذج نسائية كان لهن تأثير كبير على آلاف الأطفال ربوهم ورعوا تعليمهم، واهتموا بصحتهم وحموهم من الحروب في بعض الأحيان مثل اللواتي يعملن في الهلال الأحمر والصليب الأحمر.
وكم من كاتبة قصص للأطفال كانت. أما لآلاف الأطفال يقرأون لها وتعلمهم، وتثقفهم وتشكل وعيهم.
وهناك الكثير من مذيعات الإذاعة والتلفاز اللواتي ربين أجيال على برامجهن مثل أبلة فضيلة بإذاعة البرنامج العام المصر، ونجوى إبراهيم في برنامجها التليفزيوني ماما نجوى وغيرهن كثيراً.
وماريا مونتيسوري، وهي أول امرأة تحصل على لقب الطب في إيطاليا، وهي بنظري أم لآلاف الأطفال المعاقين ذهنيا، وضعت منهج مونتيسوري التعليمي لتعليم الأطفال وتنميتهم روحيًا وفكريًا وحركيًا، وتطوير قدراتهم عن طريق أنشطة تجمع بين التفاعل مع البيئة والتعلم، واتبعت مونتيسوري الطريقة العلمية لمراقبة النظام البيولوجي لنمو الأطفال في تصميم منهج تعليمي يراعي الإمكانيات والخصوصيات الفردية لكل طفل، شريطة أن تكون وسائل التربية الذاتية في بيئة الطفل قادرة على إثارة اهتمامه.
وهو نظام بسيط من التعليم يبتعد عن تراكم المعلومات والتلقين والحفظ، ويعتمد على تعرف الطفل على العالم من حوله من خلال حواسه.
والعالم كله يشهد للأم تريز التي كرست حياتها للعناية بالأطفال المشردين والعجزة والمهملين، وساعدت آلاف الأطفال ببيروت خلال حرب 1982.
وماجي جبران أو الأم ماجي والملقبة بالأم تريز المصرية التي تفرغت للعمل الخيري بعد انقضاء عملها بالجامعة الأمريكية، ونذرت نفسها لخدمة أطفال العشوائيات الأكثر فقرا، وتولت من خلال جمعية مسيحية رعاية الأطفال المسلمين والمسيحين، ووفرت لهم الطعام والملابس والتعليم، وساهمت في تحسين الأوضاع الاقتصادية لأكثر من 30 ألف أسرة فقيرة مضحية بمالها ووقتها لهذه الخدمة الإنسانية.
هؤلاء الأمهات اللواتي ربون أجيالا عديدة يستحقون منا ألف ألف تحية وتقدير وتعظيم سلام.
لأنه أمر عظيم أن تربي طفلاً، أو تنجب خمسة أطفال إما أنك ترعى وتربي آلاف الأطفال إنه عمل أسمى بكثير.
خاصة أنهم ليسوا أطفالك فالأمومة بمنظورها الأوسع والأشمل كانت حصنا ليس لبيت واحد، بل لبيوت ومجتمعات وآلاف من البشر، ولم يقتصر دورها على بيتها الخاص فحسب، بل أعطت من لا يمتون لها بصلة دم أو قرابة، وأعطت من ليس واجباً عليها إعطاؤهم، فعملت على تربية شعوب بأكملها وخلق جيل، واع بأن مثقف وحمته من الأخطار.