الخميس 21 نوفمبر 2024

مقالات

مشروعات الإسكان القومية من العشوائيات إلى المدن الذكية (4)

  • 27-3-2024 | 02:00
طباعة

نواصل في هذا المقال استعراض رسالة ماجستير تلميذتي الباحثة رؤيات حلمي مطاوع بهجات المدرس المساعد بكلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا في رسالتها للماجستير التي أعدتها تحت إشرافي عن أهم مشروعات الإسكان القوميَّة التي طُرحت على الساحة في الفترة الأخيرة. مقوّمات ملامح المدن الذكيَّة تعتمد "المدن الذكيَّة" بشكلٍ رئيسي على البنية التحتيَّة لتقنيَّة المعلومات والاتصالات، وأكثر ما يميزها هو تركيزها على الإنسان في المقام الأول، ذلك أنَّها تستطيع الاستجابة للظروف الاقتصاديَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة المتغيرة، بخلاف المدن التقليديَّة. يمكن أن تكون المدن الذكيَّة مدناً جديدة صُمِّمَت وأنشئت بطريقة ذكيَّة منذ البداية، أو مدينة تقليديَّة تمَّ تحويلها تدريجيًّا إلى مدينة ذكيَّة بالكامل، وقد أطلقت مدن كثيرة حول العالم مشاريعاً لمدن ذكيَّة، من بينها دبي ونيويورك وطوكيو وشنغهاي وأمستردام، ومن المتوقع خلال العقد المقبل أن تنتشر نماذج المدن الذكيَّة على نطاقٍ واسعٍ، وأن تشكل هذه النماذج قواعد أساسيَّة تستند إليها مخططات تطوير المدن رغم اختلاف أولويات المدن الذكيَّة وأغراضها، فإنَّها جميعًا تشترك في ثلاثة ملامح رئيسة: البنية التحتيَّة لتقنيَّة المعلومات والاتصالات، الإطار الإداري المتكامل المُحدد بعناية للمدينة الذكيَّة، والمستخدمين الأذكياء، فلا بُدَّ أن يتمتَّعَ المستخدمون بالمهارات التقنيَّة المطلوبة التي تتيح لهم التفاعل مع الخدمات الذكيَّة وتحقيق الاستفادة القصوى منها؛ فدور المدن الذكيَّة لا يقتصر فقط على إتاحة استخدام الأجهزة الذكيَّة، بل يمتدُّ ليشمل تدريب قاطنيها على استخدامها كما ينبغي. بعض المدن الذكيَّة حول العالم لم تَعُد المدن الذكيَّة تنتمي إلى عالم الخيال، بل أصبحت واقعاً تعيشه كثير من مدن العالم، ومنها استكهولم بالسويد، أيدلايد في إستراليا، سيول بكوريا الجنوبيَّة، أونتاريو بكندا، تايبي بتايوان، ميتاكا وفوجيساوا، باليابان، جلاسجو بأسكتلندا، نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكيَّة، فيينا في النمسا. ومن المدن العربيَّة الذكيَّة: أبو ظبي ودبي في الإمارات العربيَّة المتحدة، بيروت في لبنان، جدة والرياض في المملكة العربيَّة السعوديَّة، وقد كشف تقرير حديث للأمم المتحدة أنَّ 70 بالمئة من سكان العالم سيقطنون في المناطق الحضريَّة بحلول عام 2050. كما يتوقع أن تصبح أفريقيا أسرع قارات العالم فى النمو الحضرى، وتتجه كل من كينيا، ونيجيريا، وغانا، وجنوب أفريقيا، ورواندا؛ لإنشاء مدن ذكيَّة تستوعب الأزمات المروريَّة والكثافة السكانيَّة وتسعى هذه الدول عبر هذه المدن إلى تقديم العديد من الخدمات التجاريَّة والترفيهيَّة، وإنشاء ناطحات السحاب والمتنزهات والمدارس والمساحات الخضراء والمناطق الإداريَّة، التى تدار بحلول تكنولوجيَّة. ويأتي على رأس المدن الذكيَّة التي تسعى مصر لإنشائها، العاصمة الإداريَّة الجديدة، التي يتمُّ بناؤها بالتعاون مع خبراء في إنشاء هذا النوع من المدن كما ذكرنا من قبل، إلى جانب مدينة العلمين الجديدة، والمعلن عن إقامتهما بمناخ رقمي صديق للبيئة، ومحفز للتعلم والإبداع، خلال السنوات الخمس المقبلة. العلمين الجديدة كنموذج للمدن الذكيَّة تُعَدُّ مدينة العلمين الجديدة، أحد النماذج الحضاريَّة، ومقصداً سياحياً وثقافياً عالمياً، وإحدى مدن الجيل الرابع، وتشهد نسبة مشروعات غير مسبوقة، فالمدينة ستغير خريطة الساحل الشمالى بأكمله والمفهوم الذى أنشئ على أساسه، فهى ستكون مدينة سكنيَّة تستقطب المواطنين طوال العام، وليس فصل الصيف فقط كما هو معتاد، وتتكون المرحلة الأولى من قطاعين أساسيين بمساحة نحو 8 آلاف فدان، عبارة عن قطاع ساحلى، ويشمل قطاع المركز السياحى العالمى والقطاع الأثرى، والحضرى. تبلغ المساحة الإجماليَّة للمدينة 48130.82 فداناً ويبلغ عدد السكان المستهدف حوالي 2 مليون نسمة، وتقع المدينة بالساحل الشمالي عند الكيلو 34 غرب الإسكندريَّة حتى الحدود الغربيَّة لجمهوريَّة مصر العربيَّة، يحدها شمالًا البحر الأبيض المتوسط وجنوبًا خط كنتور 200 وتم تخصيص مبلغ 3 مليارات جنيه لتنفيذ المرحلة الأولى من محطة تحلية مياه الشرب بطاقة 100 ألف م3/يوم، وتطوير الطريق الساحلي (إسكندريَّة/مطروح) من الكم 93 حتَّى تقاطعه مع طريق وادي النطرون/العلمين بقيمة 320 مليون جنيه، وكذلك أعمال الطرق الرئيسيَّة والبحيرات الشاطئيَّة، وتطوير مدينة العلمين القائمة وتضمينها ضمن المخطط العام. من المقرر أن تحتوى المدينة على نحو 25 ألف غرفة فندقيَّة، وللمدينة واجهة متميزة على البحر المتوسط تمتد لمسافة أكثر من 14 كم تعادل كورنيش الإسكندريَّة، تتمثَّل فى أن تكون مدينة متوافقة بيئياً، توفر مستويات مرتفعة من جودة الحياة، وتطبق أفضل الممارسات البيئيَّة، وتساهم فى تحقيق التنميَّة الاقتصاديَّة، مع توفير فرص العمل وتحقيق جودة الحياة لسكانها، وتمثل نموذجاً جديداً للمدن الساحليَّة المصريَّة التى تحقق تنمية متكاملة وتوفر أساساً إقتصاديًّا متنوعاً (سياحة، زراعة، صناعة، تجارة، بحث علمى). يُوجَد 4 مراحل لتنمية المدينة (الأولى بمساحة 14300 فدان – الثانية بمساحة 14000 ألف فدان – الثالثة بمساحة 9900 فدان – الرابعة بمساحة 10700 فدان)، ويبلغ عدد السكان بالمرحلة الأولى 400000 ألف نسمة. وتُعتبَر مدينة العلمين أول مدينة "صديقة للبيئة" من "الطراز الرابع"، أحد أهم مخرجات مشروع تخطيط وتنمية الساحل الشمالي الغربى، الذى يهدف إلى استيعاب ما يقرب من مليون مواطن، بهدف تخفيف الضغط على المحافظات المكتظة بالسكان، و يُوجَد بها مقر صيفي لـ"إدارة الدولة"، حيث تمَّ بناء منشآت مصممة لاستضافة بعض الاجتماعات الرئاسيَّة، ورئاسة الحكومة، ووفقًا للمخطط ستصبح مدينة العلمين الجديدة مقرًّا صيفيًا للرئاسة والحكومة المصريَّة؛ حيث تمَّ إنشاء مقرَّات رئاسيَّة وأخرى لرئاسة مجلس الوزراء. بالإضافة إلى ما يتضمنه مخطط المدينة من سلسلة فنادق على أحدث التصميمات، وأبراج سكنيَّة شاهقة، ترتفع إلى أكثر من 38 طابقاً، وتشمل المرحلة الأولى إقامة المناطق السياحيَّة والحضريَّة والأثريَّة والتاريخيَّة، ومن أهم تقسيماتها المنطقة الشاطئيَّة، وإنشاء شاطئ عام، ومنطقة ألعاب، وعدد من الكباري، بتكلفة 100 مليون جنيه، ومجموعة من الفنادق العالميَّة، ومدّ لشبكات المياه والصرف الصحى بالمدينة، بالإضافة إلى شبكات أخرى لتصريف مياه الأمطار، وشبكات للرى وللكهرباء، بتكلفة مليار و30 مليون جنيه. كذلك تشمل المدينة إقامة 3 مشروعات كبرى بها، عبارة عن إنشاء المنطقة السياحيَّة، ومنطقة جنوب الطريق الساحلى بالسكة الحديد، والقطاع الحضرى، وذلك بإجمالى مساحة 12 ألف فدان، ويشمل القطاع السياحى إنشاء 15 ألف غرفة سياحيَّة، ومنتجعاً صحياً، ومسجداً، بينما تشمل منطقة "الداون تاون" إنشاء 12 عمارة و8 أبراج سكنيَّة، كما يشمل مشروع "إسكان مصر" إنشاء 5 آلاف وحدة سكنيَّة، وتم الانتهاء من الأعمال الخرسانيَّة لعدد 2000 وحدة، وتبلغ مساحة القطاع السياحى 3000 فدان، كما سيتمُّ إنشاء منطقة تاريخيَّة وثقافيَّة، تضم مكتبة عامة تماثل مكتبة الإسكندريَّة. تُعتبَر مدينة العلمين الجديدة ملاصقة لمدينة العلمين القائمة حالياً، وممتدة حتى حدود قرية "سيدى عبدالرحمن" غرباً، وحتى امتداد "ترعة الحمام جنوباً، ويحدها البحر المتوسط من الشمال ويمتد عمق منطقة الدراسة لها فى حدود 70 كيلومتراً حتى "منخفض القطارة"، وتنقسم إلى قطعتين رئيسيتين؛ الأولى مساحتها نحو 7 آلاف فدان، وتسمى القطعة الشاطئيَّة، وهى محصورة بين الطريق الدولى "مطروح - الإسكندريَّة"، وشاطئ البحر المتوسط، وحدودها قرية "مارينا" شرقاً، وحتى ميناء "الحمراء" فى "سيدى عبدالرحمن" غرباً، أمَّا القطعة الجنوبيَّة فتقع إلى الجنوب من الطريق الدولى، وتبلغ مساحتها نحو 41 ألف فدان، لتكون بذلك عاصمة للساحل الشمالي. يلقى الجانب الثقافى اهتماماً كبيراً فى مدينة العلمين الجديدة وأعلن الرئيس السيسى عن إنشاء مكتبة عالميَّة ستكون "توأمة لمكتبة الإسكندريَّة" حيث تقوم هيئة التنميَّة العمرانيَّة التي تشرف على مدينة العلمين الجديدة، بوضع مخطط تفصيلي كامل لإنشاء مكتبة العلمين توأم مكتبة الإسكندريَّة،، ومن المقرر أن تشمل دار أوبرا ومسرحًا ومراكز تراث ومتحفًا وورش إبداع، فضلاً عن المكتبة، ثم مخططًا تنفيذيًا يتضمن المساحة وإجمالي التكلفة والطراز المعماري وجدول مراحل التنفيذ، وذلك بالتنسيق مع كل من الجهات المعنيَّة. ويعطي إنشاء المكتبة بالعلمين طابعًا ثقافيًّا وحضاريًّا وتاريخيًّا للمدينة الجديدة خاصة بما تزخر به من مقومات تاريخيَّة، حيث كانت مسرحًا للحرب العالميَّة الثانية وبها مقابر العلمين، وبها من المقومات التاريخيَّة لتكون مركزًا جديدًا للثقافة بمصر، هذا الفكر الراقي والبناء المستقبلي سيجعل مدينة العلمين مدينة متكاملة تمتلك جميع الخدمات ونموذجًا للمدن الحديثة. فمدينة العلمين الجديدة ستعيد الثقل والتوزان للمنطقة بأكملها وستكون منطقة جذب لكافة الفئات حيث تُعَدُّ مجتمعاً متكاملاً يقوم على فكرة الاستمراريَّة، ويجدر الإشارة أنَّ إنشاء وتطور المجتمعات العمرانيَّة يُمثِّل أساساً لمعالجة معظم مشاكل المجتمعات الإنسانيَّة وتحسين جودة الحياة بها. ونستكمل عرض هذه الدراسة الأسبوع القادم بإذن الله.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة