الخميس 2 مايو 2024

لن يتوقفوا عن التآمر!

الكاتب الصحفي عبد القادر شهيب

1-4-2024 | 00:35

بقلم: عبد القادر شهيب
ليست المرة الأولى التى تخرج فيها مطبوعة أمريكية أو غربية تردد وتروج لأكذوبة أن مصر تحت ضغط الأزمة الاقتصادية. التى تمر بها يمكن أن تقبل توطين أهالى غزة فى مساحة من سيناء مقابل الحصول على مبالغ ضخمة.. فقد تكرر ذلك عدة مرات منذ اندلاع حرب غزة بغض النظر عن اختلاف هذه المطبوعات فى تقدير وحساب قيمة هذا المقابل المالى! والمثير للدهشة أن الذين يرددون ويروجون لهذه الأكذوبة يتجاهلون الرفض الرسمى شبه اليومى لتهجير وتوطين أهالى غزة فى سيناء؛ كما يتطلع قطاع من الإسرائيليين ويسعون لتحقيقه، وهو الرفض الذى يكرره كل المسئولين المصريين وعلى رأسهم رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة فى كل لقاء يجمعه مع مسئول أمريكى أو غربى، وفى كل اتصال تليفونى له مع مسئولين أمريكيين وأوربيين .. ولو كانت مصر تفكر، مجرد تفكير، فى توطين فلسطينى غزة فى سيناء لما كرروا هذا الرفض الرسمى وبإلحاح لذلك، حتى بعد أن اضطرت إسرائيل لأن تنكر أنها تسعى لتوطين أهالى غزة فى سيناء.. أيضا لما كانت مصر الرسمية قد رفضت بحسم سيطرة القوات الإسرائيلية على محور فيلادلفيا لإحكام حصارها لقطاع غزة بالكامل من كل الاتجاهات.. لكن يبدو أن من رددوا وروجوا لهذه الأكذوبة يعرفون أن نشرها وإقناع الناس بها مرهون بالإلحاح عليها بشكل متواصل أكثر من مصداقيتها أساسا .. فإذا أراد أحد ترويج أكذوبة عليه فى تكرارها وبإلحاح حتى لا يجد من يسمعها سبيلا غير القبول بها والمساهمة فى ترويجها ونشرها بين الناس. كما أن هؤلاء الذين يروّجون هذه الأكذوبة يتجاهلون أن مصر الرسمية إن اضطرت إلى اللجوء إلى صندوق النقد الأجنبى لعقد اتفاق جديد معه يتضمن عددا من الالتزامات عليها والأعباء على مواطنيها مقابل الحصول على قرض منه لا يساوى إلا نسبة صغيرة من الأموال الضخمة التى يدعون أنها ثمن القبول بتوطين أهل غزة فى سيناء.. ولا تزيد هذه النسبة كثيرا إذا أضفنا التسهيلات المالية الأخرى التى سوف تحصل عليها مصر سواء من الاتحاد الأوربى والبنك الدولى، وهى كلها بمثابة ديون علينا سدادها مستقبلا، على عكس ما يدعونه من أموال ضخمة معروضة علينا مقابل التوطين لأهالي غزة فى سيناء! والمثير أيضا أن هؤلاء الذين يروّجون لهذه الأكذوبة يتجاهلون أيضا التداعيات السلبية التى سوف تتحملها مصر إذا تم توطين أهالى غزة فى سيناء، وأخطرها هى تشكيل مجموعات مسلحة فيها خارجة عن سيطرة الدولة المصرية، وحدوث صدام مسلح بين مصر وإسرائيل،َ وهو ما أشار إليه بوضوح من قبل الرئيس السيسى.. وإذا كانت مصر قد أنفقت الكثير من الجهد والعمل والأموال والدماء لإحكام سيطرتها على سيناء فكيف تفرط فيها ولو كان مقابل كنز قارون.. كما إذا كانت مصر قد سارت طريقا وعرا وصعبا للتوصل إلى علاقات طبيعية مع إسرائيل فكيف تلقى بذلك وراء ظهرها بتوطين لفلسطيني غزة، وتعود إلى حالة الصدام العسكرى معها هكذا؟!.. إن مصر حرصت عقودا على ألا تلقى بنفسها فى مغامرات عسكرية، وحتى عندما شاركت فى حرب تحرير الكويت رفضت أن تتجاوز قواتها المشاركةَ فى الحرب الحدود العراقية مع الكويت.. وقبل سنوات رفضت مشاركة قواتها البرية فى مغامرة يمينية. غير أن الأكثر إثارة فيما تلح فى ترديده وترويجه مطبوعات أمريكية وغربية هو ما يتعلق بمن سيدفع ثمن هذا التوطين.. فهو ثمن باهظ وكبير وضخم.. والأمريكان لا يدفعون لأحد إلا بقدر، وهم لا يعرف عنهم الكرم الحاتمي.. وذات الشىء ينطبق على الأوربيين أيضا.. صحيح أن توطين أهل غزة فى سيناء هو الخطوة الأساسية الأولى فى تصفية القضية الفلسطينية وهو ما تبغيه إسرائيل ويشاركهم فيه بعض الأمريكيين الذين لا يحبذون حل الدولتين مثلما هو حال قطاع من الجمهوريين.. ولكن مع ذلك لن يبادر الأمريكان والغرب بدفع هذا الثمن الضخم الذى تتحدث عنه بعض المطبوعات الأمريكية والغربية.. فهل يلمحون إلى أن الذى سوف يتكفل بالدفع هم عرب الخليج؟!.. ربما يكون ذلك فى تقدير البعض الأرجح بالطبع نظرا لأن واشنطن سعت من قبل على تحميل عرب الخليج تكلفة مشاريعها المختلفة د، على غرار ما تضمنه مشروع القرن الذى روج له ترامب فى المنطقة، ومثلما حدث أيضا فى مشروع بايدن لإقامةَ طريق جديد ليواجه طريق الحرير الصينى.. ولكن عرب الخليج ليسوا على استعداد الآن للدفع بلا ضمانات تحقق مصالحها اشترطوا لكى يتحملوا تكاليف إعادة بناء قطاع غزة فى إطار تنفيذ حل الدولتين إلا يعود الإسرائيليون إلى تدميره مجددا كما حدث عدة مرات منذ أن سيطرت حماس على القطاع، واشترطوا أن يكون ذلك فى إطار تنفيذ عملى لحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية.. ولكن لأن الأمر لا يتعلق بخبر وإنما ينصرف إلى أكذوبة يبغون بالإلحاح عليها ترويجها لتشويه الموقف المصرى.. فمن يروج لأكذوبة لا يتوقف كثيرا أمام عناصر مصداقيتها.. أى لا يكترثون لما نطلق عليه كذب!.. لذلك سوف نسمع مستقبلا هذه الأكذوبة مجددا، بأشكال مختلفة وبأرقام مختلفة أيضا.. فالذين يتآمرون لن يتوقفوا عن التآمر!