الأحد 12 مايو 2024

جماعات القتل للقتل.. 10 نقاط جمعت حسن الصباح وحسن البنا

الكاتب الصحفي حلمي النمنم

1-4-2024 | 00:53

بقلـم: حلمى النمنم
«ولهم دعوة فى كل زمان ومقالة جديدة بكل لسان»؛ هكذا خلص «الشهرستانى» فى كتابه «الملل والنحل» وهو يتحدث عن جماعات الإرهاب والقتل غيلة، فى مسار الفرق والتاريخ الإسلامي؛ فى عصر كان اسمهم القرامطة وفى عصر آخر صار اسمهم الباطنية أو جماعة حسن الصباح.. شيخ الجبل كما كان يطلق عليه أو الباطنى الزعيم لدى البعض الآخر. فى زماننا نحن وعصرنا الحاضر، ثم استنساخ حسن الصباح وجماعته، ليصبح حسن البنا وجماعته أو فرقة الإخوان، التى تناسلت منها أسماء وتنظيمات أخرى، مثل التكفير والهجرة.. الجهاد.. القاعدة.. داعش.. نصرة الإسلام وغيرها. صحيح أن حسن البنا ليس نسخة كربونية من حسن الصباح، لكن الملامح الأساسية واحدة لدى كل منهما، وكذلك لدى الفرقتين أو الجماعتين.. وقد تناقل بعض مريدى المفكر الموسوعى عباس العقاد أنه هو أول من أطلق على حسن البنا، اسم «حسن الصباح»، حدث ذلك فى ندوته الأسبوعية التى كانت تعقد كل يوم جمعة، وأطلق عليها أنيس منصور «صالون العقاد» لكن الذى ردد تلك التسمية خارج الصالون وبصوت عال كان سيد قطب، وقت أن كان قطب يحاول التشبه بالعقاد، ونقلا عن سيد قطب، رددها الكثيرون سنوات الأربعينيات وما بعدها. كان «محمد عبدالكريم الشهرستانى» عميقا بالمعنى التاريخى والإنسانى حين لاحظ تشكل تلك الجماعات فى كل زمان وأن لهم مقالة بكل لسان، أما العقاد، فقد وفر علينا الكثير من جهد البحث عن أوجه الاختلاف أو التشابه، حين كتب فى مقال له بجريدة الأخبار عدد 19 أغسطس 1957 – «الباطنية» ليست بالمذهب الذى يدين به أحد ويقول عن نفسه إذا سئل أنه من الباطنيين.. إنما العقائد الباطنية مجموعة من الآراء والشعائر يتهم بها أناس من أبناء الفرق المختلفة. كان حسن الصباح شيعيا إسماعيليا، ثم انشق على ذلك المذهب وعلى الدولة الفاطمية، مؤسسا فرقته هى «النزارية» انحيازا إلى الأمير نزار ابن الخليفة الفاطمى المستنصر بالله انشق على المذهب وعلى الدولة احتجاجًا على تولى الخلافة المستعلى بالله، وهكذا كانت حركته انشقاقًا على الدولة الفاطمية وعداء للدولة السلجوقية (السنية) معتبرا أنها دولة الظلم والبغى، وعداء كذلك للخلافة العباسية – الخلافة الرسمية والمعتمدة، التى اعتبرها جديرة بالإزالة والتدمير الأبدى. وقد يبدو غريبًا للبعض أن حسن البنا، الذى ولد فى محافظة البحيرة سنة 1906 وعاش فى القاهرة، مقر الإسلام السنى فى العالم يتبع خطى جماعة باطنية، تنتمنى من حيث المذهب إلى الشيعة الإسماعيلية. هنا نجد أن حسن البنا سطا على مفاهيم الباطنية وحاول صياغتها بعبارات تتماشى مع المجتمع المصري، لكن جوهر جماعة الصباح والبنا واحد، ويكمن أن نرصده فى عشر نقاط على النحو التالى. أولا.. السعى إلى هدم الدول القائمة، بغض النظر عن الانتماء المذهبى، فى وجود الباطنية، لا يصح أن تبقى دولة قوية، وهكذا كان عداء الصباح لكل الدول المعاصرة والعمل على هدمها، الواحدة تلو الأخرى، ولم يعدم أن يجد مبررا لمعاداة كل دولة، ونحن نعرف أن المعانى والقيم السياسية، مفتوحة ولا نهاية لها، فضلا عن نسبية التطبيق، وهكذا وجدنا من اغتال عمر بن الخطاب مبررا ذلك بأن هناك ظلما وقع عليه، رغم أن أمير المؤمنين كان لقبه العادل، وكان يتحرى العدل إلى أقصى حد إنسانى، كان حسن الصباح يتحرك على هذا النحو، وهكذا أيضا حسن البنا وجماعته، العداء لكل الحكومات وكل الأنظمة، النظام الملكى مثل النظام الجمهورى، وكذلك نظم الحكم خارج مصر، فقد أمر البنا أتباعه بقتل إمام اليمن سنة 1948، أمر باغتيال اثنين من رؤساء وزراء مصر، وهكذا. ثانيا: ولما كان حسن الصباح يدرك أنه لا يمكنه مواجهة الدولة السلجوقية أو العباسية مباشرة، فقد تصور أن هدم الدولة يتحقق باغتيال رموزها، اغتالوا اثنين من الخلفاء العباسيين واغتالوا وزير الدولة السلجوقى «نظام الملك» وحاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبى أكثر من مرة، وعلى هذا الطريق سار حسن البنا وجماعته حرفيا، فى مصر الملكية حاولوا اغتيال الملك فاروق وكشفت المحاولة بالمصادفة، واغتالوا اثنين من رؤساء الوزراء، هما أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى، والمستشار الخازندار هؤلاء الثلاثة ثم اغتيالهم بتكليف مباشر من حسن البنا، ثم حاولوا اغتيال جمال عبدالناصر فى المنشية سنة 1954 وأشرف على المحاولة عبدالقادر عودة وكيل الجماعة بنفسه، ثم نجحوا فى اغتيال الرئيس السادات وعدد آخر من كبار المسئولين، مثل د. رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب زمن الرئيس السابق مبارك. ثالثا: فى استهداف رموز الدولة كان الصباح يركز على كبار المسئولين، وتحديدا فقط رجال الأمن وقادة الجيوش، وكذلك العلماء والفقهاء، وهكذا فعل حسن البنا وجماعته، استهدف وزراء الداخلية ورجالها ورجال الجيش، ثم العلماء والصحفيين والكتاب.. هنا نضع أسماء مثل الشيخ محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف السابق، أستاذ التفسير بجامعة الأزهر الذى تم اختطافه وقتله صيف سنة 1977، لأنه أصدر كتيبًا يفند فيه أفكارهم ومحاولة اغتيال د. على جمعة المفتى السابق، عضو هيئة دار العلماء، والتخطيط لاغتيال الشيخ محمد سيد طنطاوى حين كان مفتيا للجمهورية، ومن الكتاب د.فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، وقبلها محاولة اغتيال مكرم محمد أحمد رئيس تحرير «المصور» أما من رجال الشرطة فقد اغتالوا اللواء سليم زكى حكمدار العاصمة فى العهد الملكى، ثم حاولوا اغتيال عدد كبير من وزراء الداخلية مثل اللواء حسن أبو باشا، اللواء زكى بدر، اللواء حسن الألفى، اللواء محمد عبدالحليم موسى ونبوى إسماعيل ثم اللواء محمد إبراهيم، ربما لم يسلم وزير داخلية فى مصر من محاولة اغتيال فضلا عن رجال القضاء، مثل النائب العام السابق هشام بركات وآخرين. أما عداؤهم للجيش المصرى فهو واضح. للجميع، يكفى ما جرى فى سيناء عبر سنوات، خطف عدد من الجنود سنة 2012 وهم يفطرون فى شهر رمضان، وغير ذلك كثير.. كثير. رابعا: إلى جوار الاغتيال والتصفيات الجسدية، هناك ما يمكن أن نسميه التصفية المعنوية، أو ما يعرف فى عصرنا باسم الحرب النفسية «أو حروب الجيل الخامس « اختلاق وقائع وحكايات لم تحدث، فبركة أخبار، تزوير الحقائق والكذب فى التاريخ، هكذا برع حسن الصباح وتفوق عليه حسن البنا وجماعته إلى يومنا هذا.. إلى حد أن تم رصد أكثر من 90 ألف شائعة أطلقتها جماعة البنا، خلال مدة زمنية وجيزة، شهر فقط. خامسا: جماعة حسن الصباح كانت «باطنية» وتظهر عكس ما تبطن، وهذا أتاح لعناصرها اختراق العديد من المواقع الحساسة فى الدولة وقتها والقيام بعمليات الاغتيالات ورسائل التهديد، ولكن فى عصرنا صارت «الباطنية» كلمة مدانة ومشبوهة، فى مصر خاصة باتت تشير إلى الحارة التى كانت وكرا لتجار المخدرات وتقع خلف الجامع الأزهر، حولها دارت عدة أعمال درامية، لذا استعملت جماعة حسن البنا نفس الحيلة، ولكن تحت مسمى الخلايا النائمة، زرعوها فى كل مكان، وقد قاموا بإشعال الحرائق فى عدد من مؤسسات الدولة، أثناء أحداث يناير 2011 وعقب ثورة 30 يونيو 2013، الأصل فى الخلايا النائمة وكذلك الباطنية هو فكرة «التقية» لدى المذهب الشيعي، مع فارق أن «التقية» ظهرت تاريخيًا تجنبًا للاضطهاد وتجنبا للظلم، ولكن جماعة البنا استعملتها للتخريب والتجسس والفوضى والإرهاب. سادسا: اتفق الصباح والبنا على توظيف الدين واختزاله ليس فى مشروع سياسي، بل فى مشروع صغير جدًا اسمه القفز إلى السلطة. المشروع السياسى يكمن أن تكون به عدة قيم لبناء الدولة والنهوض بها، مثل تحقيق العدالة وتوفير الحرية والقيام بعملية تنمية حقيقية والحفاظ على السيادة الوطنية وغير ذلك، لكن القفز على السلطة فقط، لا تتم إلا بأعمال تناقض كل ما سبق، لا حرية ولا عدالة، بل خوف وترهيب وإرهاب حقيقى. توظيف الدين ليس للهدف السلطوى فقط، بل كذلك لاستباحة كل شيء بما فيها المشاعر الإنسانية البسيطة، حسن الصباح خان العهد مع ولى نعمته وصديقه نظام الملك، وبرر ذلك أن لا عهد مع الظلمة، وهنا التساؤل.. ولماذا تعاهدت من البداية وهكذا فى كل شيء؟ حسن البنا فعل ما هو أبشع، فى سنة 1947 يقود بنفسه مظاهرة لمناصرة محمود فهمى النقراشى، ضد الوفد، وهو نفسه الذى خطط وأمر باغتياله بعد ذلك.. ولما كشفت الخلية التى نفذت العملية تبرأ منهم وقال «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين». سابعا: وفى سبيل ذلك، قام كل منهما بفصل الدين عن منابعه الأولى، من كتاب الله وسيرة نبيه عليه الصلاة والسلام ثم سير الأولين، هم تجاهلوا كل ذلك، صار الدين يبدأ وينتهى عند الباطنية بالإمام صاحب مفتاح الجنة وعند الإخوان بالمرشد العام أيًا كان اسمه. عند الباطنية فإن الإمام يستمد أقواله وأفعاله وحيًا من الله سبحانه وتعالى مباشرة، ولذا فإن كلام الإمام مقدس لديهم، أما لدى جماعة حسن البنا، فإن ما يقوله المرشد هو القول الفصل فى كل شيء، يتعلق بالدين أو الدنيا، لذا وجدنا جماعة البنا، يطبعون كتيبات توزع على الصبيان والفتيات بعنوان، مأثورات الإمام الشهيد يطلب من كل عضو حفظها وترديدها عدة مرات يوميًا والعمل بها، وسوف تلاحظ أنهم أطلقوا على البنا، مصطلح الإمام، رغم أنه يفتقد شروط الإمامة جميعها سواء من العلم والتفقه فى الدين والتقوى فى العمل أو الانتماء إلى الدوحة النبوية بكل حمولة هذا المصطلح من معان سياسية ودلالة الخضوع العام.. وجدنا فى العام الذى وصل فيه الإخوان إلى الحكم، كان رئيس الجمهورية الإخوانى د. محمد مرسى، يتجاهل تقارير الأجهزة ونصائح المستشارين ويجلس فى انتظار تعليمات مكتب الإرشاد، فما بالنا بتعليمات المرشد؟! ثامنا: بإزاء ذلك لم يكن غريبا أن تعتمد جماعة حسن الصباح على الحشيش كمخدر لأعضائها ويستعينون بالجوارى، ويقومون بإسكار العضو ونقله إلى عزلة مع جارية يستمتع بها إلى الصباح، ولما يفيق يقال له لقد كنت فى الجنة، وعلى هذا النحو وجدنا الجماعة التى ترفع شعار الإسلام هو الحل هى نفسها التى تبرر سرقة أموال المواطنين باسم لعبة توظيف الأموال، والاتجار فى العملة، أما فى الجوانب الأخرى، يكفى ظاهرة «جهاد النكاح»، التى كانت موجودة فى بؤرة رابعة العدوية الإرهابية، صيف سنة 2013. تاسعا: ولكى تحقق مثل هذه الجماعات أهدافها وتكتسب الأنصار، فإنهم يراهنون على الفقراء والمحتاجين وأولئك الممتعضين من الحكم القائم، بالنسبة للفقراء يمنونهم بالثراء والنعيم، ويتعمدون خلق حالة من الغضب لديهم، غضب مصحوب بأفكار عدوانية والرغبة فى الانتقام، ثم إنهم يدفعون هذا الغضب إلى النهاية، ويكون الأمر بحاجة إلى لحظة الانفجار فقط وعندها تدب الفوضى ويعم الانتقام وتسود الدماء، نجح حسن الصباح، فى ذلك وهو يواجه وزير الدولة نظام الملك، واستطاعت جماعة حسن البنا توظيف هذه الحالة، يوم 28 يناير 2011 وما بعدها ومثل هذه الجماعات تسود مع الفوضى وتتراجع مع الهدوء والاستقرار، لذا يتفانون فى خلق مقومات العنف والفوضى، وأهمها جمهور متعطش للدماء، يشعر بالغبن والظلم ويتطلع نحو جنة الدنيا. عاشرا: لاحظ المؤرخون أن الباطنية كانوا يبتعدون عن المدن ويذهبون إلى القلاع البعيدة، المحصنة وبعيدا عن العمران فى الجبال، كما كان حال قلعة «آل موت» التى انتزعها حسن الصباح من أميرها، وسوف نلاحظ أن جماعة حسن البنا، ركزت وتكثفت كذلك فى المناطق العشوائية وفى المجتمعات الجديدة، مثل مدينة نصر حين تأسيسها والقاهرة الجديدة، فضلا عن الأحياء الهامشية فى المدن الصغرى بالدولة. حيث يتصورون أن رقابة الدولة والأجهزة ضعيفة هناك فى القاهرة الكبرى ركزوا على منشية ناصر فى وقت من الأوقات وعلى كرداسة فى الجيزة ومدينة السلام والعبور وغيرها. معنى هذا كله أن العقلية متقاربة، عقلية التآمر والاغتيال، بواسطة فهم بعيد للنصوص الدينية، ولو دققنا بعض الشىء فقد نجد بعض المفردات مشتركة بينهم جميعا، بدءا بتكفير المختلف معهم، والتكفير عندهم يرتبط تلقائيا بالقتل والتصفية أو الاستباحة الكاملة، استباحة المال والسمعة والعرض، وصولا إلى استباحة حياة الخصوم. هذا التشابه ليس هو كل ما يجمع تلك الجماعات، هناك أمور أخرى.. وأهمها الظروف ومآلات كل جماعة، تحديدا جماعة حسن الصباح وجماعة حسن البنا.