المقاتل وتجديد العهد..
الكاتب الصحفي أحمد أيوب
يتفق علماء التحليل السياسى على أنه لا يمكن الحكم على ما أنجزه رئيس أو قائد إلا فى إطار الظروف التى تولى خلالها والإمكانات التى امتلكها والمصاعب والتحديات التى واجهها، وعندما يلجأ البعض إلى تقييم أداء الرئيس - أى رئيس - بعيدًا عن كل هذا فهم يظلمون التجربة ويطلقون أحكامًا مغرضة أو غير موضوعية، وعندما نقف أمام تجربة الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه المسئولية وعلى مدى عشر سنوات ونضع أمامنا كل العوامل السابقة، وخاصة التحديات التى واجهتها الدولة المصرية ووصفها الرئيس نفسه بأنها غير مسبوقة، والصعاب التى مرت بها والأزمات التى حاصرتها طوال السنوات الماضية فى ظل إمكانات دولة كانت شبه منهارة نتيجة لفترة كارثية تحت سيطرة جماعة إرهابية دمرت كل شىء، فإنه يمكن وصف ما تحقق فى مصر خلال السنوات العشر وبدون مبالغة بأنه «إنجاز يصل إلى حد الإعجاز»،
ففى ظل مواجهة إرهاب دولى مدعوم من قوى وأجهزة مخابرات عالمية ومؤامرات متعددة منها ما هو اقتصادى وما هو سياسى وأمنى، وحزام من النار يحيط بنا من كل اتجاه وصراعات وحروب إقليمية ودولية ومخاطر تهدد الأمن القومى على الجبهات الأربع بسبب انهيار بعض الدول المجاورة ووجود أطماع من البعض، وبجانب كل هذا مؤسسات بعضها شبه منهارة وأخرى تحتاج إلى إعادة هيكلة واستعادة ثقة، ورغم كل هذا يصر الرئيس على أن يعيد البناء ويتحدى كل الصعاب متسلحاً بالدعم الشعبى، ولا يستسلم ولا يقبل أن يزايد على أحد بالوضع السيئ الذى تسلم عليه البلاد، بل قرر أن يتعامل مع الأمر كمقاتل يخوض معركة لا بديل فيها عن الانتصار.
هذا هو الفارق وكلمة السر التى عبرت بنا من أزمات لم يكن أحد يتخيل أننا سنعبرها، وأخطرها الأزمات الاقتصادية، وتجاوزت بنا محنًا أسقطت دولًا أخرى مثل الإرهاب ومخططات الفوضى، وحافظت على مصر دولة مستقرة وثابتة، بل وأعادت بناءها من جديد، بناء وسط النار، وتنمية ومشروعات تطوير واستعادة قدرات ونفوذ وتأثير.
كل ما سبق لم يكن يملك أن يحققه رئيس بقدرات عادية، وإنما كان يتطلب قائداً بمعنى الكلمة متفرداً فى شخصيته صاحب رؤية قادراً على اتخاذ القرار والصمود أمام أصعب الظروف، يتحمل أقصى المواجهات يعرف جيدًا حجم التحديات، وكيف يتحرك ويواجه، وكيف يفرض إرادة بلاده على كل المستويات؟.
وعندما نراجع ما حدث طوال السنوات الماضية سنجد الكثير من المحطات مرت بها مصر كانت كفيلة بأن تكون تداعياتها كارثية لو لم يكن هناك رئيس يتسم بصفات القيادة الوطنية والجرأة والقدرة على التحدى التى يمتلكها الرئيس السيسى.
وقد ينخدع البعض بحملات التشويه المتعمدة التى تديرها على مدار السنوات الماضية ميليشيات الجماعة الإرهابية والإعلام الموجه ضد الدولة المصرية وقيادتها، بدعوى أن ما تم لا يستحق كل هذا أو أنه لم يكن له مبرر أو أولوية، هناك بالفعل من وصل بهم الحال إلى ترديد نفس الأكاذيب دون وعى أو إدراك لقيمة ما تم من بناء وإصلاح على أرض مصر، بعضهم متأثراً بالظروف الاقتصادية الصعبة التى مررنا بها خلال السنوات الأربع الماضية ووصلت تداعياتها إلى مراحل غير مسبوقة، وبعضهم تحركهم المصالح وأجنداتهم الشخصية والمكاسب التى يسعون لتحقيقها على حساب البلد، وفريق ثالث مدفوع من الخارج كطابور خامس لإثارة الفتن والفوضى، وفريق رابع مهووس بـ«السوشيال ميديا» وترديد كل ما يسمع أو يقرأ دون تمييز، وكل هؤلاء يجمع بينهم أنهم يظلمون التجربة ويشوهون ما حدث ويهيلون التراب على منجز ضخم وغير مسبوق بالمعايير البشرية.
ولا يمكن إنكار أن جزءًا من وصول هؤلاء بأكاذيبهم وادعاءاتهم إلى الناس، كان بسبب عدم قدرة وسائل الإعلام الوطنية فى البداية على التصدى لهم وكشف مآربهم وتوضيح الحقائق أمام الناس، فى أحيان كثيرة كنت أستشعر أن الرئيس يعمل فى ساحة كلها عقبات ومصاعب وأعداء وليس هناك من يسانده أو يعاونه أو يرد عنه سيل الاتهامات والإساءات وحملات الاستهداف الموجهة إليه بشكل مباشر، لكنه رغم كل ذلك كان صامدًا، لأنه امتلك قوة المقاتل والعقيدة والإيمان بالوطن والإصرار على التحدى، مرات كثيرة سمعت من مسئولين ووزراء أنهم اقترحوا على الرئيس تأجيل قرارات أو التراجع عن إجراءات إصلاحية؛ حفاظًا على شعبيته وعدم إغضاب المواطن، لكنه كان يرفض ليقينه بأهمية هذه القرارات لإنقاذ البلد، وكان يرد عليهم بجملة حاسمة «البلد أهم من الشعبية»، وبسبب هذه القناعة الثابتة عند الرئيس لم يترك مجالا إلا واقتحمه وقرارات لصالح الوطن إلا واتخذها مهما كان تأثيرها عليه شخصياً.
لم يعتمد الرئيس فى عمله على أسلوب الشعارات أو مجرد كلام لترضية المواطنين أو مغازلة مشاعرهم، بل دائما يتحدث برؤية وقناعة ناتجة عن حلم حقيقى لديه بأن تكون مصر بلدًا كما يستحق وتناسب مكانتها، وأن يعيش المواطن حياة كريمة تليق به كمصرى.
تحرك الرئيس بكل السبل من أجل تحقيق ذلك، منذ أول يوم أطلق العنان لكل الطاقات التى تبنى، أخرج كل المشروعات المعلقة من الأدراج، فتح الباب أمام كل فكرة جديدة وصالحة وقابلة للنجاح، لم ينظر تحت قدميه ولم ينشغل بتأمين موقعه كرئيس، وإنما انشغل بتأمين حياة الناس وتحقيق الاستقرار الاجتماعى للبلد، اعتبر إعادة بناء مصر مشروعه الوطنى الأكبر والأهم والذى يبدأ من عودة مؤسسات الدولة متماسكة قوية قادرة على أداء مهامها بكفاءة، ولذلك ساند الرئيس كافة المؤسسات الوطنية كى تستعيد قوتها، لم يسمح لأى سبب أن يعطله عن تنفيذ حلمه فى البناء، شخص حالة البلد بشكل واضح وكامل ليبدأ البناء على أسس صحيحة، فى الزراعة أطلق مشروعه الضخم لاستزراع الـ 4.5 مليون فدان، وفى الطرق نفذ أكبر مشروع قومى للطرق، وفى الإسكان الاجتماعى أقام مليون وحدة سكنية بجانب المدن الجديدة، 30 مدينة جديدة ذكية، وفى الصحة أطلق 18 مبادرة تخدم نحو 90 مليون مصرى ومشروعاً عملاقاً للتأمين الصحى الشامل، وفى التعليم، وضع خطة شاملة للارتقاء بالمستوى التعليمى لأبناء مصر وتخريج أجيال تمتلك القدرة على المنافسة فى سوق العمل.
وفى الصناعة أقام مدناً صناعية وطرح مبادرات لتوطين الصناعة المحلية، مشروعات الطاقة وحدها قصة تستحق أن تروى فى مجلدات لتستوعب ما تحقق فيها من إنجازات، مثلما تحتاج مبادرة «حياة كريمة» العملاقة إلى كتب ترصد ما فعلته من تغيير فى الريف المصرى وتحسين لأحوال أهله الذين عانوا لعقود طويلة.
مشروعات على كل شبر فى أرض مصر، أحلام كانت مؤجلة وبعضها مستحيل، لكنها تحققت أو فى طريقها للتحقق، لم ينظر الرئيس خلفه ولم ينشغل بمن يستهدفون الهدم، وإنما ركز على البناء، كيف يعيد مصر العظيمة، ومن أجل حماية هذا المشروع كان تحديث قدرات جيش مصر بما جعله رقمًا ضخمًا فى المعادلة الإقليمية بل والدولية بما يمتلكه من قوة وقدرة على الردع فرضت على الجميع احترام خطوط مصر الحمراء من سيناء إلى الحدود الغربية والجنوبية ومصالحنا الاستراتيجية فى البحر المتوسط، ولتحقيق الاستقرار الداخلى كان الارتقاء بقدرات وإمكانات الشرطة المدنية لتمارس دورها فى حماية الأمن الداخلى.
ولأنه رئيس صاحب رؤية ويمتلك حلمًا لبلده لم يغفل الملف السياسى والذى شهد خلال السنوات الماضية ما يمكن وصفه بالخطوات التاريخية، إلغاء حالة الطوارئ نفسها كانت خطوة تكشف معنى أن يكون الرئيس لديه قناعة بالحرية والديمقراطية وفتح المجال العام، ثم كانت خطوة إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لتكون مصر أول دولة تلزم نفسها بإجراءات تنفذها خلال خمس سنوات، أما ما شهدته السياسة العقابية من تغيير فهذا عنوان كبير لبلد يتغير فعليًا، ثم جاء الحوار الوطنى الذى لم يستثنِ أحدًا إلا من تلوثت أيديهم بالدماء وتورطوا فى الإرهاب وخرجوا عن ثوابت الوطن، وما اتسم به الحوار الوطنى من شفافية وصراحة هو تأكيد واضح على وجود إرادة سياسية حقيقية للإصلاح السياسى تجسدت فعليًا فى الاستجابة الرئاسية السريعة لتوصيات الحوار، وكذلك فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى شهدت منافسة مع ثلاثة رؤساء أحزاب كانت لهم حرية التحرك والدعاية والحشد مثلما تجسدت قبل ذلك فى وجود نحو 25 حزبًا داخل مجلس النواب مع تمكين غير مسبوق للمرأة والشباب، وكذلك إقرار وتفعيل لدولة المواطنة التى لمسها كل المصريين فى القرارات والإجراءات التى اتخذتها الدولة.
هذا غيض من فيض شهدته مصر خلال السنوات العشر الماضية، لأن رصد كل ما حدث يحتاج الكثير من الحديث، يكفى أن نذكر أن تكلفة المشروعات القومية وبناء الدولة تجاوزت العشرة تريليونات جنيه وهو رقم ضخم يعنى الكثير، وحتى لا تضيع الحقائق ولا يترك المواطن نهبًا لحملات التشويه والتضليل الإعلامى كان الاهتمام بملف الإعلام وإعادة هيكلته واعتباره ملفًا غاية فى الأهمية للتصدى لكل محاولات إثارة الفتن والتشكيك ومخططات الفوضى وتغييب العقول.
طوال العشر سنوات الماضية كل خطوة اتخذتها القيادة كانت محسوبة ولها قيمتها وتكلفتها أيضًا، ولأن إرادة البناء موجودة لم يتم تأجيل مشروع ولم يتم التراجع عن فكرة بناء، ورغم أن التحديات كانت وما زالت صعبة وكافية لأن يقال إن الظروف لا تسمح، إلا أن الرئيس رفض هذا تمامًا، رفض أن يعتبر مكافحة الإرهاب مبررًا لتأجيل البناء والمشروعات القومية، كما رفض أن يستسلم لتحديات غير مسبوقة مثل تداعيات «كورونا» وتأثيرات الحرب الروسية- الأوكرانية، وكذلك مخاطر الحرب على غزة، بل واجه كل هذه التداعيات واستطاع أن يحمى الأمن القومى المصرى ويفرض الثوابت المصرية، وفى الوقت نفسه يواصل البناء داخليًا من أجل المواطن الذى يعتبره الرئيس هو الأولوية الأولى له وأن من حقه أن يعيش حياة كريمة.
أمس - والرئيس يؤدى اليمين الدستورية - أعلن مجدداً أنه على العهد مع شعبه، وأنه سيواصل طريقه من أجل استكمال مسيرة البناء وتحقيق تطلعات الأمة وفى سبيل هذا حدد سبعة أولويات سيتم العمل عليها خلال الفترة المقبلة.
سبعة ملفات أو أولويات كلها تصب فى تقوية بنيان الدولة المصرية والعبور بها إلى مكانتها التى تليق بها.
سبعة ملفات من السياسة الخارجية والتى فى مقدمتها حماية وصون الأمن القومى وإقامة علاقات متوازنة مع جميع الأطراف من أجل ترسيخ الاستقرار والسلام، والملف السياسى الداخلى باستكمال الحوار الوطنى وتعميقه وتنفيذ ما يتم التوافق عليه من توصيات من أجل دعم المشاركة السياسية والديمقراطية وكذلك تبنى استراتيجيات تعظم من قدرات مصر الاقتصادية وتعزز صلابة اقتصادنا ومرونته فى مواجهة الأزمات.
وتحقيق الأمن الغذائى وجذب المزيد من الاستثمارات، وتوفير فرص العمل وتبنى الإصلاح المؤسسى الشامل وتحويل مصر إلى مركز إقليمى للنقل وتجارة الترانزيت ومساندة الفئات الأكثر احتياجاً من خلال دعم شبكات الأمان الاجتماعى وزيادة نسبة الإنفاق ومخصصات تكافل وكرامة وإنجاز المبادرة الأهم «حياة كريمة» لتغيير حياة أبناء الريف واستمرار مخطط التنمية العمرانية.
التزامات واضحة حددها الرئيس، مؤكداً أنه سيسعى لتنفيذها خلال السنوات القادمة من أجل أن ينعم الشعب بالحياة الكريمة.
هذه الالتزامات جاءت كجزء من تجديد الرئيس لعهده مع الشعب المصرى، الذى وثق ومازال يثق فيه واختاره ليكمل معه مسيرة البناء لدولة حديثة ديمقراطية متقدمة فى العلوم والصناعة والعمران والزراعة والآداب والفنون.
بناء بعزيمة وإصرار.. من أجل مصر القوية التى تؤكد السنوات العشر الماضية أن الرئيس السيسى لن يتخلى عنها بل يقاتل من أجلها ومن أجل جعلها واقعاً، بالعزيمة والرؤية فى إطار جمهورية جديدة تمتلك عناصر القوة الشاملة وتضمن لمواطنيها حياة تليق بهم.