الإثنين 29 ابريل 2024

«العمل فى دولة المدينة 4» المرأة شريك فى العمل والتجارة

صورة أرشيفية

8-4-2024 | 17:47

بقلـم: د.على عثمان منصور
لا شك أن النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد هجرته إلى المدينة أراد بناء مجتمع قوى متماسك، يؤدى كل فرد فيه مهامه حسب قدرته وحسب ما يُحسنه من أعمال، وحركة العمل والتجارة التى خاض غمارها الرجال فى الأساس لم تكن بعيدة عن مجتمع النساء اللواتى برعن فى أعمال وتجارات يُحسِنَّ إنتاجها وبيعها وتوفرها داخل المجتمع. ومن السمات البارزة للموقع الجغرافى للمدينة المنورة وقوعها على بعد ثلاثمائة ميل إلى الشمال من مكة، وأنها تبعد عن (ينبع) -ميناءها على البحر الأحمر- مائة وثلاثين ميلا، وقد اشْتُهرت المدينة بالخصب والنماء، حيث كان من أوديتها (وادى العقيق) الذى تصب فيه مياه عذبة، وكانت المزارع تحيط بالمدينة من جهات كثيرة» (انظر: النساء التاجرات فى مكة والمدينة فى صدر الإسلام، محمد شمس الدين كريم، ص: 98 بتصرف واختصار، موقع: دار المنظومة 2024م). ولا شك أن هذه الطبيعة الجغرافية والمكانية للمدينة المنورة أهلت المجتمع بصفة عامة، والنساء بصفة خاصة للقيام ببعض الأعمال والمهام التى ساعدهم عليها هذا الموقع وهذه المكانة، والتى كان منها المتاجرة فى بعض المنتجات ذات الأسواق الرائجة فى المدينة آنذاك، وكانت بعض نساء المدينة تقمن بهذه الأعمال، إلى جانب عملهن فى الزراعة، فقد روى الشيخان عن أسماء بنت أبى بكر (رضى الله عنهما) قالت: تزوجنى الزبير وماله فى الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شىء غير ناضح [الناضح وهو الجمل الذى يستقى عليه] وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، واستقى الماء، وأخرز غربه... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسى، وهى منى على ثلثى فرسخ..» (متفق عليه). والسيدة أسماء هنا تقوم بكثير من الأعمال لتساعد زوجها وتقوم بواجبها نحوه ونحو مجتمعها، ثم يأتى حديث جابر بن عبد الله (رضى الله عنهما) حيث قال: طُلِقت خالتى، فأرادت أن تجد نخلها [أى تقطع ثمره] فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال: «بلى فجدى نخلك، فإنك عسى أن تصدّقى أو تفعلى معروفًا» (رواه مسلم). وقد زجرها هذا الرجل لأنها كانت مطلقة وفى العدة، ولكن النبى (صلى الله عليه وسلم) بيّن لها أن ذلك جائز لها. وكانت رائطة امرأة عبد الله بن مسعود أم ولده، امرأة صناعا، فسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو وهى فقالت: يا رسول الله إنى امرأة ولى صنعة فأبيع منها، وليس لى ولا لزوجى ولا لولدى شيء، وشغلونى فلا أتصدق، فهل لى فى النفقة عليهم من أجر؟ فقال: «لك فى ذلك أجر ما أنفقت عليهم فأنفقى عليهم» (صحيح ابن حبان). وكان أيضا من سيدات عصر الرسالة منْ كن يُدِرن خيمة لمداواة المرضى، قال ابن حجر فى فتح البارى كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جعل سعدا فى خيمة (رفيدة) عند مسجده، وكانت امرأة تداوى الجرحى، فقال: اجعلوه فى خيمتها لأعوده من قريب». وقال ابن حجر: «وكانت زينب [يعني: بنت جحش رضى الله عنها] امرأة صناعة باليد، وكانت تدبغ وتخرز [تخيط الجلد] وتصدق فى سبيل الله. وكذلك فى الخبر عن المرأة التى كانت تنسج بيدها، وأن مما نسجته بردة، جاءت بها للنبى (صلى الله عليه وسلم) وقالت: يا رسول الله إنى نسجت هذه بيدى أكسوكها، فأخذها رسول الله محتاجا إليها، فخرج إلينا وإنها لإزاره...» وفى رواية قال: أنه حسنها، أى وصفها بالحسن (صحيح البخاري) وكانت (مُليكة) أم السائب ابن الأقرع الثقفية، تبيع العطور وتتاجر فيها، وأنها دخلت تبيع العطر مِنَ النَّبِى (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالَ لها: يا مليكة، ألك حاجة؟ قالت: نعم قال: فكلمينى فيها أقضها لك. فقالت: لا والله إلا أن تدعو لابني- وهو معها، وهو غلام- فأتاه فمسح برأسه، ودعا له» (انظر: أسد الغابة، لابن الأثير). وهنا فى هذا الخبر أنها كانت تبيع العطور، ولا شك أن هذه العطور منتجات تحتاج إلى تمويل ومهارة فى جلبها وكيفية تصريفها وبيعها، ثم وضع هامش للربح يغطى هذه التكاليف، فكانت السيدة (مليكة رضى الله عنها) معروفة بهذا الأمر ومتقنة له. وفى نفس الإطار أيضاً، وفى نفس العمل (تجارة العطور) عُرفت السيدة: حولاء بنت تويت الأسدي، التى اشتهرت بــ (الحولاء العطارة) رضى الله عنها، وأنها كانت بالمدينة تأتى بيت رسول الله ويشترون منها. وعلى هذا فإن دور المرأة فى العمل والتجارة فى مجتمع المدينة فى عصر النبوة كان بارزا فى كثير من الأعمال التى كان يُظن أنها حكر على الرجال، وأحسنت المرأة فيها، كما استحسن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمل حائكة البرد وتاجرة العطور على ما مر بيانه فى هذه المقالة. وصلى الله وسلم وبارك على خاتم رسله وأنبيائه أجمعين