انتهى مارثون المسلسلات الرمضانية بما لها وما عليها.. لكن بقى منها ملحمة وثائقية ستظل مرجعاً هاماً فيما يخص القضية الفلسطينية وموقف مصر منها،.. وثلاث قضايا اجتماعية تحتاج كل واحدة منهم إلى وقفة،.. ليس لحداثتها لكن لمعالجتها الدرامية التي كسرت القوالب المعتادة وخرجت بصورة مغايرة لتلعب على أوتار المشاعر، وتقدم نماذج ايجابية لما يجب أن تكون عليه العلاقات الإنسانية، الأمر الذي أراه في غاية الأهمية ..
ولنبدأ بالأعمال الاجتماعية ويأتي في مقدمتها مسلسل "مسار إجباري"،.. بما عرضه من شكل مختلف لعلاقة الضراير.. فعلى عكس ما أعتادنا عليه في الدراما أو حتى أرض الواقع من أن تلقى المرأة التهم والقذائف على من فضلها شريك عمرها، حتى أنها تتمنى لو لفت حبل المشنقة حول عنقها وعنق أولاده منها، وكأن الرجل طفل صغير مسلوب الإرادة، يذهب لمن تغريه بالحلوى والشوكولاته !.. جاء موقف بطلتي المسلسل بسمة وصابرين ليحطم القاعدة المعتادة،.. فقد حكمت كليهما العقل وصبت غضبها على الزوج، معتبرة نفسها وضرتها ضحايا لخداعه.. وسرعان ما لملمت كل منهما جراحها، ليصبح همهما الشاغل مصلحة أولادهما بعد أن جمعتهما الظروف في مسار واحد.. هكذا، قدم صناع المسلسل نموذج رائع لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الضراير والأخوات غير الأشقاء..
ثانيها مسلسل "صدفة"،.. تلك الفتاة التي يرفض والدها الاعتراف بها ما أضطر أمها أن تكتبها باسم أهلها، وعلى عكس ما اعتدناه من انتقامات درامية لصاحبات الظروف المماثلة، قدمت ريهام حجاج "صدفة" نموذج مثالي للأخت التي تحمي أخواتها من أبيها، وتدخل نفسها في مشاكل لا تعد ولا تحصى..فقط، لأنها تحبهم ولا تريد أكثر من حضن دافئ يجمعها بهم.. والأجمل موقف أخواتها اللذين قدروا أحاسيسها، ولم يتأثروا بالسموم التي أطلقتها والدتهم من أجل رفضهم لكل ما يقربهم منها..
وثالثها مسلسل "بدون سابق إنذار"،.. وما أثاره من تساؤل عن ماهية مشاعر الأبوة والأمومة،.. وهل تعتمد على الدم أم أن التربية والتنشئة هي الأهم؟.. فرغم اكتشاف الزوجين اللذين قاما بدورهما آسر ياسين و عائشة بن أحمد أن طفلهما ليس من صلبهما إلا أن لهفتهما عليه واستعدادهما للتضحية بالغالي قبل الرخيص لإنقاذه من المرض اللعين لم تتغير ولو قليلاً بل أنتابهما حالة رعب من أن يحرموا منه حال إيجاد أبنهما الحقيقي..
وأخيراً وليس بأخر،.. نأتي لمسك دراما رمضان هذا العام "مليحة"،.. هذا العمل الملحمي الذي يسرد بالأدلة والتواريخ كل تفصيلة عن القضية الفلسطينية، ويؤكد على موقف مصر الداعم لها عبر الأزمنة،.. وقد ظهر ذلك جلياً من خلال حكاوي الشيخ سالم أحد شيوخ قبائل سيناء، لحفيده عن ماهية الصراع العربي الإسرائيلي منذ نشأته وحتى يومنا هذا، مصحوباً بعرض صور وفيديوهات وثائقية، ما ساهم في وصول الرسالة للمشاهد وجعلها محفورة كالوشم في ذاكرة الأجيال الجديدة..
تحية من القلب لكل عمل درامي قدم نموذج إيجابي بأسلوب احترافي، وهو الدور الذي يجب أن يلعبه الفن في تعزيز الوعي.