الإثنين 3 مارس 2025

ثقافة

أمثال شعبية| المتعوس متعوس ولو علقوا برقبته فانوس (30 – 3)

  • 3-3-2025 | 10:54

أمثال شعبيية

طباعة
  • بيمن خليل

تُعدّ الثقافة الشعبية من المداخل الأساسية لدراسة الشعوب، حيث تعكس الجوانب النفسية والعاطفية في حياة المجتمعات، وتعتبر الأمثال الشعبية أحد أبرز عناصر هذه الثقافة، إذ تمثل حجر الزاوية لفهم الشعوب.

والمثل هو حكمة تتجسد في كلمات مسجوعة أو غير مسجوعة، تنطوي على رمز يحمل نقدًا أو علاجًا لأحد جوانب الحياة المتنوعة. والحكمة في جوهرها قديمة، هي نتاج الروح وثمار تجربتها، تتشكل من نعم الحياة وابتلاءاتها، نادرًا ما تخلو أمة أو قبيلة من قول الحكمة في أمثال تتداولها، وقد تتجاوز هذه الأمثال حدودها إلى أمم أخرى، إذ إن النفوس البشرية، رغم اختلاف درجات تطورها، تشترك في العديد من جوانب الحياة، وقد تتسم هذه الحكمة بالرقي، لتصبح جزءًا من ثقافة الأمة ومعرفتها العميقة، ويعكس ذلك مستوى تطور الأمة ونضوجها.

خلال أيام شهر رمضان المبارك، نعرض معًا مجموعة من الأمثال الشعبية المصرية التي تناولت موضوعات حياتية يومية متنوعة.

واليوم نناقش الأمثال التي تدور حول المتعوس متعوس ولو علقوا برقبته فانوس

تروي قصة هذا المثل أنه كان هناك أخوان؛ أحدهما غني والآخر فقير، كان الناس يتساءلون عن سبب عدم مساعدة الأخ الغني لأخيه الفقير (المتعوس) ويعطيه من نعمة الله عليه،و في أحد الأيام، تحدث أحد أصدقاء الأخ الغني معه حول ما يقوله الناس، فأقسم له الأخ الغني أنه يحاول مساعدة أخيه المتعوس، لكنه يرفض ذلك كل مرة. ورغم محاولاته العديدة لمساعدته بطريقة غير مباشرة، كان كل شيء يبوء بالفشل.

لاحظ الأخ الغني أن صديقه لم يصدق ما يقول، فقال له: "سأثبت لك الآن" ثم أعطى صديقه صرة من المال، وطلب منه أن يضعها في طريق أخيه المتعوس، ففعل الصديق، وجلسوا في انتظار قدوم الأخ الفقير، وبعد قليل، دخل عليهم المتعوس، وكانا يتوقعان أن يخبرهما أنه وجد الصرة وأنه سيبحث عن صاحبها، لكنه فاجأهما بأنه راهن على نفسه اليوم أن يسير مغمض العينين، وقد نجح في ذلك، فصاح صديق الأخ الغني قائلًا: "متعوس لو علّقوا في رقبته فانوس!"

ولعلّ من أبرز الأمم التي اهتمت بالحكمة هي الأمة اليونانية، التي غلبت ثقافتها على سائر الأمم، حيث خلدت حكماؤها عبر العصور.

الحكمة هي وحي الروح وسكينتها، و تجردها من أهواء النفس ونزوات الشهوات، إنها عدالة النفس وتقواها.

وقد ظهرت الحكمة في الأمة العربية قبل الإسلام، وكان ذلك على شكل تعبيرات بسيطة وساذجة، تعكس الخيال الواسع للبدو في الصحراء، الذين كانوا يتأملون في النجوم ليلًا وفي وهج الشمس نهارًا، وكانت هذه الحكمة تلامس قلوب هؤلاء البدو، فعبّروا عنها في أشعار موزونة ونثر بليغ، سواء كان مسجوعًا أو مرسلًا.

ثم جاء الإسلام ليجلب الحكمة الكبرى عبر آيات بينات أنزلها جبريل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليعلم بها الناس دينهم ودنياهم، مما رفع الأمة العربية إلى أعلى مراتب العز والرفاهية والعدل.

ومع مرور الوقت، كثُر شعراء الحكمة وكتّابها في الإسلام، وأصبحت أمثالها مشهورة ومتداولة، وخلّد شعرائها وكتّابها عبر الأجيال، فصارت في أعلى مراتب الأدب العربي، وكان المتنبي وأبو العلاء المعري وغيرهما من كبار الحكماء في الشعر العربي، بينما كان بشار بن برد ومروان بن أبي حفصة وغيرهما شعراء غير حكماء.

انتقلت الحكمة إلى شمال إفريقيا بفضل العرب وغيرهم من الأمم التي استقرت في المنطقة، فاستوعبها أهلها وأخذوا يعبرون عنها في أمثال متنوعة، ليشكلوا مزيجًا لغويًا مميزًا.

وكان لمصر نصيب كبير من هذه الأمثال، التي أصبحت تتسم بالذوق الرفيع وتنوع الأسلوب، حتى صارت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الشعبية المصرية، وأصبحت الأمثال المصرية من أهم أجزاء الثقافة الشعبية في الشرق، لاحتوائها على الحكمة والفكاهة في آن واحد. كما أن هذه الأمثال انتشرت في الشرق العربي كله، وتقبلها الناس بشغف، مما يبرز تشابهها بين مختلف الشعوب رغم اختلاف اللهجات الإقليمية.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة