الخميس 21 نوفمبر 2024

ثقافة

إبداعات الهلال| «ظِلُّ الماضي» قصة قصيرة لـ فيفيان سمير

  • 24-4-2024 | 13:46

فيفيان سمير

طباعة
  • دار الهلال

تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "ظل الماضي" للكاتبة فيفيان سمير، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

قصة «ظِلُّ الماضي»

أغلق الهاتف بعد مكالمة طويلة، لم ينطق خلالها، سوى بضع كلمات قليلة مبعثرة، غير مصدق ما جاء بها، جلس ذاهلًا أمام هذا الزلزال المدمر، الذي يهدد حياته كلها، استقرار بيته وأسرته، زوجته التي يعشقها، ولم تجرحه يومًا، ابنتيه الصبيتين الجميلتين، اللتين تقفان على أعتاب الشباب، سمعته كأستاذ جامعي، مؤتمن على أجيال، يتربى وعيها وضميرها على يديه، عالمه كله ينهار، وقع في بئر بلا قاع، يكاد يختنق، أنفاسه تخرج بصعوبة، وكأن الغرفة امتلأت فجأة، بغاز سام يقتله ببطء، مر أمام عينيه، ذكرى بعيدة، عمرها اثنتا عشرة سنة، حين سافر كأستاذ زائر، بإحدى الدول الأوروبية.

استضافه صديق والده وزوجته، المقيمان بهذه الدولة، مدة عمله بها، التي لم تتجاوز الثلاثة شهور، سارت الأيام رتيبة مملة، إلى أن فاجأته آلام الزائدة، وأسرع ينقله مضيفه إلى المستشفى، استدعى ابنة صديقة زوجته، الطبيبة الشابة، التي تعمل بالمستشفى لترافقهما، تم إجراء جراحة سريعة له، اضطر بعدها، للبقاء بالمستشفى ثلاثة أيام، لازمته خلالها الطبيبة المرحة، رغم ملامحها الحزينة، التي لا يخفيها جمالها الهادئ، روى لها عن زوجته وطفلتيه، اللاتي يعشقهن ويفتقدهن، وبلده الجميلة التي لا يطيق صبرًا للعودة إليها، كذلك روت له عن حياتها، والحزن الساكن بعينيها، بسبب فقد والديها، في حادث طريق منذ بضعة شهور، فبرحيلهما خلت دنياها، فهي ابنتهما الوحيدة.

تكررت لقاءاتهما، زاد تقاربهما، كانت رقيقة، وحيدة، جذابة، تعلقت بالأستاذ الشاب، الذي كان وحيدًا مثلها، بعيدًا عن أسرته ووطنه؛ فضعف أمام رقتها وحزنها وحبها، الذي لم تخفه عنه، لحظة ضعف مر عليها سنوات، سقطت من ذاكرته، ومضى في طريقه، دون أن يلتفت إليها، أو يحاول حتى استرجاعها، ولو في خياله، لكنها أثمرت طفلًا، عمره الآن إحدى عشرة سنة، رحلت والدته منذ أيام، وقبل رحيلها، أخبرت صديق والده، بحقيقة أبوته للطفل، التي احتفظت بها لنفسها، ولم تشأ أن تخبره عنه، حتى لا تفسد حياته، لكنه الآن ليس له أحد غيره، جلس ساهمًا أمام زوجته، لا يعرف من أين يبدأ، دموعه تسبق كلماته، التي خرجت متعثرة صادمة وموجعة، سقط على ركبتيه أمامها معتذرًا، يطلب صفحها وغفرانها، معللًا ما حدث، أنه مجرد سقطة عابرة، بدليل أنه لم يعرف نتيجتها إلا اليوم،  حاول أن يمسك بيديها، فابتعدت عنه، طالبها أن تتكلم، تنهره، تثور، تصرخ، لكنها ظلت صامتة، لا تجد صوتًا لصراخ قلبها، ولا كلمات لنزيف مشاعرها، حتى الدموع، أبت أن تسيل من عينيها، نهضت من أمامه، دخلت غرفتها، وأغلقتها عليها، وسط دهشة ابنتيهما وحيرتهما، اللتين لم تراهما، مفترقتين من قبل، ولا تعرفان سببًا لما يحدث.

في صباح اليوم التالي، فتحت باب حجرتها، ملامحها تنطق بما مرت به، من سهد وحزن وبكاء، صراع حاد بين قلبها، الذي انغلق في وجه زوجها، مع كل كلمة نطق بها، وتجرع المرار، وهي تراه بعين خيالها مع غيرها، والعداء الذي اشتعل داخلها، تجاه سيدة لا تعرفها، لم يعد لها وجود، لكن جزءًا منها باق، يربطها بزوجها إلى الأبد، وبين مشاعرها المضطربة، تجاه طفل، لا ذنب له في وجوده، أو خطأ والديه، بل هو اليوم وحيد، عيناه الدامعتان، تبحثان عن الحضن، الذي لم يعرف سواه، منذ مولده، فلا تجداه، جسده الصغير يرتجف، فقد رحل عنه الأمان، غريب بين أغراب، يعتصره الألم، يسكنه الحزن والخوف والحيرة؛ فتسيل دموعها، ويضعف قلبها، تجاه هذا الصغير، الذي هو في النهاية أخو ابنتيها، لا تعرف، ترثي لحاله وترفق به، أم ترفضه وتكرهُه؟، فهو الصورة المتجسدة لخيانة زوجها، والجزء الحي من الأخرى، كيف تقبل وجوده؟، وبين عقلها الحريص على ابنتيها، واستقرار حياتهما، أما الصفح والغفران، فليس لها القدرة عليهما الآن، فهذه الغريبة الراحلة، حالت بينها وبين زوجها، تحجبه عنها، ولا تدري متى ترحل من عينيها، وجمرة نارها بمقلتيها، سمحت لزوجها بالدخول، ولم تزد في القول، عن جملة واحدة، "أنه ابنك، مكانه معك، وبين أختيه".

أخبار الساعة

الاكثر قراءة