الأربعاء 15 مايو 2024

الثقافة والهُوية في الجمهورية الجديدة


سارة عبدالخالق

مقالات1-5-2024 | 13:02

د. سارة عبدالخالق محرم

سارت مصر في عهد الرئيس السيسي بخطوات واثقة فى ملف التمكين الثقافى للمصريين واستطاعت أن تنجز الكثير، فظهرت إلى النور مدن ثقافية عملاقة فى العاصمة الإدارية والعلمين والمدن الجديدة  الهوية المصرية هى الأساس الحقيقى الثابت الذى يمكنه أن يحفظ لمشروع الجمهورية الجديدة ثباته وقوته بل مشروعيته المجتمعية أيضًا مع كل محنة كانت تمر بها مصر فى عصورها المختلفة كان التراكم الثقافى هو طوق النجاة للمحافظة على الهوية وتحديد بوصلة العمل إزاء المحن وإبداع حلول لها.

وفى وقتنا الحاضر وعندما بدا أن مصر على وشك أن تتعرض لتجريف شخصيتها وهويتها الفريدة التى تتميز بها كانت ثقافة المصرى حاضرة بقوة فى المشهد وقادت حراكاً قوياً ومؤثراً وجارفاً للمخاطر التى ظهرت مع وصول الجماعة الإرهابية للحكم فى 2012.

انطلقت ثورة يونيو 2013 من تراكم ثقافى كبير داخل الشخصية المصرية التى تكونت عبر مئات القرون وشكلت وعياً وفهماً لطبيعة ودور المصرى عبر العصور، وفى كل مرحلة من مراحل هذه الأمة المصرية كان البناء الثقافى يزيد المصريين وعياً وفهماً بالهوية المصرية التى تميزت عن غيرها من شخصيات الأمم المجاورة لمصر. إن ما حدث فى 2013 بدوره الثقافى زاد من الوعى بأهمية تطوير العمل الثقافى وتكريس الوعى والفهم لكل ما يكتنف الأمة المصرية من مخاطر تتغير وتتطور بتطور أطماع المتربصين على اختلاف تنوعهم وتوجهاتهم. قال الدكتور هيثم الحاج علي، الرئيس السابق للهيئة المصرية العامة للكتاب:

إن "الثقافة هي أساس من أسس بناء الجمهورية الجديدة، فهي التي أثارت ثورة 30 يونيو، التي تجذر من خلالها فكرة الجمهورية الجديدة، وذلك الأمر لا يشمل مباني جديدة فقط بل هي جمهورية مواطن واع بهويته ونفسه في الأساس، والرئيس عبدالفتاح السيسي يتحدث عن ذلك الأمر دائما" فمنذ أن تم الإعلان عن رؤية مصر 2030 كان للثقافة مكانها الواضح كركن من أركان هذه الرؤية، من منطلق أن بناء الإنسان يتوازى إن لم يتقدم على مشروعات التنمية، وهو الأمر الذي يكون في أقصى معدلات فائدته إن تم على وجهه الكامل في الحفاظ على مكتسبات التنمية، فبدون وعي للمواطنين لن تجد مردودا حقيقيا للمشروعات التنموية بل بالعكس يمكن للوعي الناقص أن يكون معوقا تنمويا كبيرا. فكرة الجمهورية الجديدة قائمة على فكرة الوعي.

ولا يمكن أبدا تنمية مكتسبات المشروعات الموجودة على الأرض دون وعي، ولا يمكن جذب المواطن لهذه الدولة واستعادته الثقة بشخصيته الجمعية دون وعيه الكامل بمدى قدرته، لذلك، الثقافة ستكون جزءا أساسيا في الجمهورية الجديدة وتعاملات مصر على المستوى الخارجى، ويجب الإشارة إلى أن "البريكس" ليس تجمعا اقتصاديا فقط، وإنما يمكن لعب دور ثقافي محوري من خلاله، وستصبح الثقافة عنصرا بناءً للغاية، وليس عنصرا شكليا أو هامشيا، ولكنه سيبني الجمهورية الجديدة، إذ عملت الثقافة المصرية على الوعي بالهوية المصرية على وجه التحديد، كما أن دور النخبة المثقفة في الجمهورية الجديدة مهم للغاية؛ لأنها النخبة المنوط بها إنتاج الأفكار، ومن المفترض أن تحلم هذه النخبة لهذا المجتمع ومستقبل هذا البلد".

إن قطاع الثقافة يمكن أن يكون قاطرة اقتصادية وإعادة بناء الصناعات الصغيرة ذات الاتجاه الإبداعي. "إن محور الثقافة في الجمهورية الجديدة مكون أساسي لبناء الإنسان وتشكيل وعيه للنهوض بالمجتمع وخلق أجيال قادرة على الإبداع. فمصر تواجه حروبا شرسة تستهدف في الأساس جذرها التاريخي، هي نفسها الحروب التي تحاول محو أي قوميات لتحل محلها أنماط الإنسان العالمي المهيأ لاستهلاك ما تنتجه الشركات المتعدية للجنسيات، وهو الأمر الذي يصعب على تلك الشركات إذا كان للمواطن جذر حضاري يتمسك به، وهو الأمر الذي استهدفته رؤية مصر بالتركيز على الهوية المصرية بكل درجاتها وطبقاتها. أن الانطلاق نحو بناء مصر الحديثة من خلال الجمهورية الجديدة التى وضعت نصب أعينها استعادة مكانة مصر ووضعها فى مكانها الصحيح بين الأمم القوية المعتزة بمبادئها وإنجازاتها وبقيمها ودورها الحضارى يحتاج وعياً وثقافة مختلفة أكثر تفاعلاً وفهماً بأدوات المستقبل ومرتكزة على أصول ثابتة تمتد جذورها إلى عصور نشأة الحضارة المصرية القديمة. من هنا لم تكن أحداث مثل موكب المومياوات ولا افتتاح طريق الكباش وغيرها، لم تكن مجرد احتفاليات ظاهرية أو حتى المستهدف منها سياحي فقط.

ولم يكن الإعداد لافتتاح المتحف المصري الكبير مجرد حدث دعائي مصري، بل إن كل هذه الأحداث وغيرها تذهب بنا إلى المدى الأبعد، ألا وهو تنمية الشعور بالانتماء لحضارة الوطن وجذره التاريخي وهي أمور لا تقف عند حد الكلمات الرنانة لكنها قادرة على إنبات روح جديدة غير تلك التي حاولت بقايا الاستعمارية زرعها، حين أقنعت نفسها وأقنعتنا لبعض الوقت بأن هناك أفضلية لجنس غربي هو الأحق بقيادة العالم. ولذلك فإن دور المدارس مهم في زيادة وعي الأبناء بالهوية الوطنية..

فلقد شاهدنا خلال السنوات الماضية أبناء لا يقدرون قيمة الوطن. وهذا بسبب غياب الدور التربوي للمدارس في مصر. لذلك يجب تفعيل الدور التربوي للمدارس لوعي الشباب بهوية الوطنية والانتماء للوطن. إن الثقافة تدخل في كل المسارات والمحاور. خاصة أنها العمود الفقري للمجتمع وتتداخل في السياسة والاقتصاد وكل مناحي الحياة. فلابد من تعميق الدور الثقافي والهوية الوطنية وآليات تحقيق ذلك على أرض الواقع. ويمكننا النظر إلى القضية بتشابكاتها القومية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية لكن يبقى أن هناك تحرك واضح قد بدأ من الدولة المصرية لاستشعار قوة الانتماء واستثماره من خلال أحداث وبرامج تمت على مدار السنوات العشر الماضية، وهو الأمر الذي يحتاج إلى كثير من العمل عليه لبلوغ ثمار هذا الاستثمار أن مصر شهدت خلال العقد المنصرم -منذ بيان الثالث من يونيو الذي كان بمثابة طوق الإنقاذ للوطن- مجموعة هائلة من التحديات غير المسبوقة، والتي استطاعت الدولة اجتيازها باقتدار، مُحققة سلسلة من النجاحات المتفردة على جميع الأصعدة، في ظل القيادة السياسية الحكيمة التي أدركت جيدًا ما كان يهدد هوية الوطن وقوته الناعمة. فجهود الدولة المصرية، خلال العشر سنوات متتالية من الإنجازات، شهدتها الجمهورية الجديدة، بمجال الثقافة، في عهد فخامة الرئيس، عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية.

ويوجد العديد من جهود وزارة الثقافة في عهد الدكتورة نيفين الكيلاني في تفعيل استراتيجية الدولة المصرية لبناء الإنسان المصري والتأكيد على هويته، وحرصت دائما على إرساء مبدأ تحقيق العدالة الثقافية بكل المحافظات، والدور الفعال لاستثمار مفردات القوى الناعمة في الحفاظ على هويتنا الثقافية، وصون مقدرات الوطن الحضارية، فضلاً عن حرص وزارة الثقافة على مواكبة التطورات التكنولوجية واستثمارها في تحقيق مستهدفاتها في الحفاظ على الهوية الثقافية المصرية. أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى رؤية مصر 2030 وكان محور بناء الإنسان المصرى في الجمهورية الجديدة أهم محاورها، ولم يسند هذا الملف الخطير لمؤسسات وزارة الثقافة المصرية وحدها بل ضمت إليها وزارات ومؤسسات مهمة مثل الشباب والرياضة والتربية والتعليم والتعليم العالى والبحث العلمى والأوقاف والسياحة والآثار والتضامن الاجتماعى والأزهر والكنيسة المصرية. فهناك اهتماما غير مسبوق في تاريخ مصر بملف الشباب والثقافة والفنون من منطلق استكمال برنامج الرئيس السيسي في بناء الإنسان.

إن اهتمام الدولة بالهوية المصرية على مدار السنوات العشر الأخيرة يرجع إلى الاهتمام الواضح بالهوية المصرية بمختلف جوانبها، وهذا يتضح على الصعيد الداخلى من جانب، وفى العلاقات المصرية بالخارج من جانب آخر وعلى مدار العشر سنوات الأخيرة هناك حالة من ترقية العمل الثقافى، وذلك يرجع إلى أننا من بعد ثورة 30 يونيو صرنا على وعى كامل بالهوية الوطنية، ونعمل على تقويتها من مختلف جوانبها، ولدينا من القرن التاسع عشر رفاعة الطهطاوى، وفى القرن العشرين طه حسين والدكتور حسين فوزى، الذين تحدثوا عن البُعد الثقافى والبعد المتوسطى فى هويتنا، وقد تحقّق منذ عام 2014 مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مقاليد الحكم فى مصر

ومع توسّع الرئيس السيسى فى إنشاء الجامعات، سواء الأهلية أو الحكومية، بدأت الجامعات فى الاهتمام بالبُعد الثقافى وبالتخصّصات الثقافية، سارت مصر في عهد الرئيس السيسي بخطوات واثقة فى ملف التمكين الثقافى للمصريين واستطاعت أن تنجز الكثير، فظهرت إلى النور مدن ثقافية عملاقة فى العاصمة الإدارية والعلمين والمدن الجديدة وفى أقصى جنوب مصر وأوسطها وشمالها، إلا أن أحلام المصريين الثقافية فى الجمهورية الجديدة أكبر وأكثر وأعمق ولا تقف عند ما تم إنجازه فأحلام المصريين تتخطى عنان السماء.

إن الهوية المصرية الأساس الحقيقى الثابت الذى يمكنه أن يحفظ لمشروع الجمهورية الجديدة ثباته وقوته بل مشروعيته المجتمعية أيضًا، مع ضرورة عدم الإخلال بأى من مكونات هذه الهوية، إنها الرابط الحقيقى لكل هذه العناصر المتناغمة، وهى الضامن الأصلى لتحقيق تلك الرؤية التى قدمت مصر نفسها بها، ويجب ألا نفوت فرصتنا لدعمها وتطويرها، والاعتداد بها، والاعتماد عليها، والتعبير عن انتمائنا لها، ذلك الذى يضمن لنا -بوصفنا مصريين- وجودنا الفاعل، كما يضمن لمجتمعنا أن ينبنى على أسسه الواضحة التى ضمنت له سلامته واستقراره على مدار التاريخ، كما ستضمن له تحقيق رؤاه الواضحة فى بناء مستقبل قوى قادر على مواجهة تقلبات الزمن.