الأربعاء 15 مايو 2024

المقومات الثقافية وتفعيلها للنهوض بالمجتمع في الجمهورية الجديدة


أحمد عبد الرازق أبو العلا

مقالات1-5-2024 | 16:09

أحمد عبد الرازق أبو العلا
  • الحديث عن "العدالة الثقافية" يتطلب وعيا من القائمين على تحقيقها؛ باتباع سياسة المساواة  بين أشكال الأعمال الثقافية المتنوعة، بحيث لا يطغى الاهتمام بشكل على حساب شكل آخر
  • استلهم واضعو الدستور ما جعل مواده متصلة اتصالا حقيقيا مع واقعنا ومجتمعنا، بغرض حماية مكتسباتنا والعمل على تنمية الوعي لدى الناس
  • نستطيع وضع تصور لتفعيل المواد التي جاءت في الدستور، لتسهم في بناء مصر الجديدة القادرة على تخطي الأزمات، ومواجهة التحديات على كل المستويات
  • إذا نظرنا إلى مجتمعنا، سنعرف احتياجاته، وسنعرف توجهات الأفراد فيه، وهنا سنستطيع تطوير أدوات الثقافة ذاتها من أجل مواجهة المشكلات التي تحول دون نهوضه

تنص المادة (47) من الدستور المصري الصادر عام 2014 والمعدل في عام 2019 وتحت عنوان (المقومات الثقافية) في الفصل الثالث من الباب الثاني، على التزام الدولة بالحفاظ على الهُوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة. وتؤكد المادة (48) على أن الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة، وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافي أو غير ذلك، وتُولي اهتماما خاصا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا، وتشجع الدولة الترجمة من العربية وإليها، وجاءت المادة (49) لتؤكد أيضا على التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها، ورعاية مناطقها وصيانتها، وترميمها، واسترداد ما استولى عليه منها، وتنظيم التنقيب عنها والإشراف عليها ، ويحظر إهداء أو مبادلة أي شيء منها، والاعتداء عليها والإتجار فيها جريمة لا تسقط بالتقادم، وتنص المادة (50) -الأخيرة في هذا الفصل- على أن (تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة القبطية والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافي المُعاصر المعماري والأدبي والفني بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أي من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون، وتولي الدولة اهتماما خاصا بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية في مصر.                                        
وأضيف إلى كل ما سبق ما جاء في (الباب الثالث) من مواد تتعلق بالحقوق والحريات والواجبات العامة، خاصة المادة (65) التي تؤكد على أن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر، بالإضافة إلى ما جاء في المادة (67) وتنص على "أن حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوي لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية، أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري".


وهذه المواد تحديدا، الممثلة للمقومات الثقافية، والحريات المساندة لها، تُعد هي الأسس التي تحدد مفهوم الثقافة المصرية، المتصلة بتراثنا الحضاري والفكري، وهي نتاج ما قدمه بعض المفكرين المصريين من أفكار من أجل تطوير الثقافة المصرية، ووضع صيغة وتصور لمستقبلها، كما عبر عن ذلك -على سبيل المثال- الدكتور طه حسين في كتابه المهم "مستقبل الثقافة في مصر" ومن قبله ما كتبه وقدمه من رؤى "رفاعة رافع الطهطاوي" في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" فضلا عن كتابات أخرى لعدد من المفكرين المصريين، سعت -كلها- لتأكيد فكرة الهُوية والحريات، وأهمية الحفاظ على تاريخنا وتراثنا.                                       

الاتصال بماضينا الفكري والثقافي

 استلهم واضعو الدستور -من كل هذا- ما جعل مواده متصلة اتصالا مباشرا وحقيقيا مع واقعنا ومجتمعنا، بغرض حماية مكتسباتنا والعمل على تنمية الوعي لدى الناس، بما يساعد على تطوير المجتمع وبنائه على أسس سليمة.                                             
 وفيما يتعلق بالمقومات الثقافية، يتبين لنا أنها جاءت -في هذا الدستور تحديدا- لتؤكد هذا المعنى، علما بأنها لم تكن موجودة في الدساتير السابقة عليه -التي اكتفت بالمقومات السياسية والاقتصادية دون الثقافية- وهذا الأمر تحقق بسبب إحساس القائمين عليه -وبعد استفتاء الشعب- بأنه لابد أن يتوافق مع  طموحات ثورة 30 يونيو 2013 الساعية للحفاظ على المكتسبات الثقافية والحضارية، المتبنية لثقافة التسامح في مواجهة ثقافة التطرف والعنف والإرهاب، تلك التي سيطرت على الواقع المصري فترة طويلة من الزمن؛ أدت إلى تحقيق حلم (الإخوان المسلمين) بالوصول إلى السلطة، وممارسة كل ما من شأنه إذابة الهُوية المصرية، ومحو ثقافتها.                                
  
ومن هنا نستطيع وضع تصور لتفعيل تلك المواد التي جاءت في الدستور، لتسهم في بناء مصر الجديدة القادرة على تخطي الأزمات، ومواجهة التحديات على كل المستويات، وطالما أنني أتحدث  عن الثقافة -في هذا المقال -بوصفها عنصرا مهما ورئيسيا وحقيقيا تتحقق به التنمية المجتمعية التي نسعى جميعا إليها في جمهوريتنا الجديدة، فإنني أتصور -بداية- أن كلمة (الجديدة) تعني المحافظة على ما حققناه في تاريخنا الماضي ببعده الثقافي والحضاري، والعمل على تطوير ما حققناه، ومواجهة كل المحاولات التي يسعى أصحابها  لطمسه وإهالة التراب عليه، بإزاحة كل العقبات التي تحول دون ذلك، استفادة من الماضي، وانطلاقا من الحاضر نحو المستقبل، بخطوات إصلاح حقيقية، بها نبني مصرنا الجديدة، بما يتوافق مع تاريخها وحضارتها وتراثها وثقافتها.                                    
   مع التأكيد على أن الثقافة هي السلاح القوي لمواجهة التخلف بكل أشكاله وصوره، ولا ينبغي أن يكون التخلف قائما مع طموح التغيير والسعي لما هو أفضل، تلك الثقافة التي تتمتع بصفات مميزة أدركها مبكرا د.طه حسين، وحددها في الكتاب المُشار إليه، حين قال (إنها تقوم على وحدتنا الوطنية، وتتصل اتصالا قويا وعميقا بنفوسنا المصرية الحديثة، كما تتصل اتصالا قويا عميقا بنفوسنا المصرية القديمة، أيضا تتصل بوجودنا المصري في حاضره وماضيه، ومن حيث إنها تصور آمالنا ومُثلنا العُليا في الحياة فهي تتصل بمستقبلنا أيضا، بل هي تدفعنا إلى هذا المستقبل دفعا، ولك أن تنظر في أي لون من ألوان العلم والأدب والفن التي تدرس في مصر، والتي ينتج فيها العلماء والأدباء والفنانون المصريون، فسترى أنها مطبوعة بالطابع المصري القوي الذي ليس هو ابتساما خالصا ولا عبوسا خالصا؛ ولكنه شيء بين ذلك، فيه كثير من الابتهاج وفيه قليل من الابتئاس )، ويواصل طرح تصوره محددا أنه إذا أردنا أن نحلل الثقافة المصرية إلى عناصرها الأولى، فهذه العناصر بينة واضحة: هي التراث المصري الفني القديم، وهي التراث العربي الإسلامي، وهي ما كسبته مصر وما تكسبه كل يوم من خير ما أثمرت الحياة الأوروبية الحديثة، هذه هي العناصر المختلفة المتناقضة فيما بينها أشد الاختلاف والتناقض، تلتقي في مصر فيصفي بعضها بعضا، ويُهذب بعضها بعضا، وينفي بعضها من بعض ما لابد من نفيه من الشوائب التي لا تلائم النفس المصرية، ثم يتكون منها هذا المزاج النقي الرائق الذي يورثه الآباء للأبناء وينقله المعلمون إلى المتعلمين).             
وهذا الذي ذكره طه حسين في عام 1938 جاءت المادة (47) من الدستور متوافقة معه تماما، بما يؤكد أن واضعي الدستور، كانوا على وعي كامل بطبيعة ثقافتنا المصرية، وقدرتها على النهوض بمجتمعنا، فإذا كنا قد أهملنا ذلك خلال  فترة السبعينيات، وتحديدا بعد عام 1974 مع انتهاج سياسة الانفتاح الاقتصادي، الذي جاء بلا دراسة، أو استعداد لاستقباله، وما تلا ذلك من تاريخ أوصلنا إلى صعود الإخوان المسلمين، وتمكنهم من السلطة، ثم محاولاتهم  لهدم كل مكتسباتنا، والعمل على تغيير طبيعة ثقافتنا المحتضنة لفكرة التسامح، واستبدالها بثقافة العنف والتطرف.. كل هذا دفعنا، وما زال يدفعنا -في تلك المرحلة من الجمهورية الجديدة- إلى اليقظة، والانتباه، والعمل على تطوير ثقافتنا لنستطيع حماية مجتمعنا، ولن يتحقق هذا إلا أذا أصبحت الثقافة حقا لكل مواطن، تلتزم الدولة بدعمه وإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب دون تمييز، وهذا ما أشارت إليه المادة (48) كما أشرت إلى ذلك من قبل، ومن الأهمية بمكان ألا تظل تلك المادة مجرد سطور داخل كتاب الدستور، وإنما من الضروري العمل على تحقيق فكرة العدالة الثقافية، وتطبيقها على أرض الواقع.     

                                                   
فكرة العدالة الثقافية

   أرى أن تلك الفكرة كما يطرحها مسؤولو الثقافة الآن، تتعارض مع بعض ما جاء في مواد الدستور التي ذكرتها، فإذا كانت المادة (48) قد أكدت على أهمية دعم الثقافة، عن طريق إتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب دون تمييز، فإن الواقع يسير عكس ذلك، حين نرى ارتفاع سعر الكتاب المطبوع عن طريق وزارة الثقافة نفسها! بزعم بيعه بتكلفته، في حين أن الأمر يتطلب دعم الكتاب، حتى يصل إلى الناس، خاصة الشباب منهم؛ لأنهم رجال المستقبل، ولا ينبغي حرمانهم من اقتناء الكتاب المُدعم؛ لأن الدعم المادي لا يمكن أن يتساوى مع الدعم المعنوي والفكري والثقافي، ولا أهمية من وراء توفير أموال على حساب  إضعاف المقومات الثقافية، بزعم (التقشف) كما يصرح بذلك المسؤول الثقافي!  بل ينبغي العمل على تحقيق فكرة العدالة الثقافية، بإتاحة أدوات الثقافة التي تملكها الوزارة، في هيئاتها المختلفة، خاصة (الثقافة الجماهيرية) لتصبح مجانية تماما، لأن عائدها المادي -إذا تحقق- لا أهمية له في سبيل تحقيق أهداف التنمية بكل أنواعها: الثقافية- البشرية - الإنسانية- المعنوية- الأخلاقية، وهذا لا يقدر بمال.  
  
    والحديث عن (العدالة الثقافية) يتطلب وعيا من القائمين على تحقيقها؛ باتباع سياسة المساواة بين أشكال الأعمال الثقافية المتنوعة، بحيث لا يطغى الاهتمام بشكل على حساب شكل آخر، بمعنى أن يكون الاهتمام بالمسرح والسينما والكتاب، وغير ذلك متساويا، من حيث الإنتاج.                    
    والمادة (48) تؤكد أيضا على الاهتمام بالمناطق النائية، والفئات الأكثر احتياجا.. والسؤال هنا: هل يتحقق هذا مع التفكير القائم على تبني فكرة (التقشف)؟ تلك التي تكون ضرورية لأشكال وأعمال أخرى غير أعمال الثقافة، بينما العكس هو المطلوب، أي زيادة المخصصات التي نستطيع بها دعم أدوات الثقافة، لنحقق الهدف الذي من أجله تعمل. 

   وهذه المادة تحديدا تحسم الجدل -على حد تعبير الكاتب (محمد سلماوي) حين ذكر في مقال نشره بعد صدور الدستور بعامين 2019- كان عضوا في لجنة الخمسين التي وضعته ومتحدثا إعلاميا لها -(إن المادة 48 تحسم بشكل نهائي ذلك الجدل الذي لا يمل البعض من إثارته حول ما إذا كانت الثقافة سلعة تخضع لمعايير الربح والخسارة، أو خدمة يجب على الدولة توفيرها للمواطنين كالتعليم والعمل والملبس والمسكن، ولقد شهدنا في سنوات الانفتاح الاقتصادي بحقبة السبعينيات الدولة تقول: (إن الثقافة سلعة تخضع للعرض والطلب، ولا يجب على الدولة أن تدعمها، وبناء عليه تم بالفعل في السنة الأخيرة من حكم السادات، إلغاء وزارة الثقافة لأول مرة منذ بداية إنشائها بعد ثورة 1952، إلى أن عادت مرة أخرى في بداية عهد الرئيس (حسني مبارك)، لذا فقد نص الدستور بشكل لا لبس فيه على التزام الدولة بكفالة حق المواطن في الثقافة، كما نص أيضا على أن وصول المنتج الثقافي لجميع المواطنين دون تمييز هو أحد التزامات الدولة).                                

  وإذا كنت قد استشهدت بما قاله صاحب  المقترح الذي تقدم به إلى لجنة الخمسين والخاص بأن يضم الدستور بابا جديدا حول المقومات الثقافية للمجتمع أسوة بالمقومات السياسية والاقتصادية التي وردت في دساتيرنا السابقة، ووافقت عليه اللجنة بإجماع الآراء، فإنني أذكره  لأن الأمر على جانب كبير من الأهمية، وينبغي أن نوليه اهتماما في ظل جمهوريتنا الجديدة الساعية نحو التغيير، ونحو تحقيق العدالة الثقافية، التي لا ينبغي أن تصبح شعارا، بقدر ما ينبغي أن تكون ممارسة فعلية على أرض الواقع.                                                            

الثقافة والمجتمع
    تلك المقومات الثقافية التي أكد عليها الدستور، جاءت من أجل تنظيم العلاقة بين الأفراد والدولة، وبينهما وبين ركائزها  والمجتمع (الحفاظ على الهوية -الثقافة حق لكل مواطن- إلزام الدولة بدعم الثقافة -حماية الآثار والحفاظ عليها- التزام الدولة بالحفاظ على تراث مصر الحضاري والثقافي -حرية الفكر والتعبير- حرية الإبداع الفني والأدبي).                                         
  وحتى نتمكن من تطوير حياتنا، والنهوض بمجتمعنا، ينبغي أن نفهم أولا معنى كلمة(المجتمع) حتى نستطيع معرفة معنى الثقافة المرتبطة به، ببعدها الاجتماعي.                                           
 ومفهوم المجتمع -كما حدده معظم علماء علم الاجتماع- (يشير إلى مجموعة من الناس تعيش سوية في شكل منظّم وضمن جماعة منظمة. والمجتمعات أساس ترتكز عليه دراسة علوم الاجتماعيات. وهو مجموعة من الأفراد تعيش في موقع معين ترتبط فيما بينها بعلاقات ثقافية واجتماعية، يسعى كل واحد منهم لتحقيق المصالح والاحتياجات).                                  
  وإذا كانت الثقافة من وجهة نظر عالم الاجتماع الشهير (روبرت  بيرستد) الذي ظهر في أوائل الستينيات قد عرفها بأنها "ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه، أو نقوم بعمله، أو نتملكه كأعضاء في مجتمع "فإنه -بهذا التعريف- يؤكد على بُعدها الاجتماعي، ويربط بينها وبين نمط الحياة لمجتمع ما، فإذا نظرنا إلى مجتمعنا، سنعرف احتياجاته، وسنعرف توجهات الأفراد فيه، وهنا سنستطيع تطوير أدوات الثقافة ذاتها من أجل مواجهة المشكلات التي تحول دون نهوضه.. وعلى سبيل المثال: في فترة حكم السادات انحازت السلطة للتيارات الدينية واستخدمتها لخدمة أغراضها، في محاولة منه لمواجهة اليسار باليمين الديني، لشعوره بأن اليسار لا يتفق مع سياساته ويعارضه، وعندما تولى (محمد عثمان إسماعيل) أمين عام الاتحاد الاشتراكي -في ذلك الوقت- منصب محافظ أسيوط في عام 1972 أشرف بنفسه وبأوامر من (السادات) على فض اعتصام طلاب اليسار في جامعة أسيوط وكان للرجل نظرية مفادها: أنه إذا حصل الإسلاميون على التمويل اللازم لأنشطتهم فإنهم سيحلون محل الطلاب اليساريين المعارضين للسادات، ولذلك أنشأ مكتبا بالمحافظة كانت وظيفته إعداد الكوادر للتصدي للطلاب اليساريين، وإجهاض قوتهم داخل الجامعة، وكانت تلك هي البداية التي ساعدت على ظهور عدد من التنظيمات المتطرفة المتسترة  بالدين -الإخوان المسلمين- وأجنحتها المُسلحة: جماعة الجهاد والتكفير والهجرة، والجماعة الإسلامية، واستمر هذا حتى تم اغتيال (السادات) على أيدي هؤلاء. هذا الذي حدث يكشف أن المجتمع المصري أصبحت فيه فئة تتبني فكر التطرف، وتمارس الإرهاب دفاعا عن هذا الفكر، الأمر الذي أدى إلى أحداث كثيرة، لم يعهدها مجتمعنا من قبل، واستمر هذا الوضع إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011 واستطاع أصحاب هذا الفكر الوصول إلى الحكم، فمارسوا كل أساليب العنف والإرهاب، وأصبح المجتمع على حافة الهاوية، ولم ينقذه سوى ثورة الذين آمنوا بفكر التسامح، والإيمان بأن الوطن، لن يكون وطنا حقيقيا إلا إذا ابتعد هؤلاء عن السلطة، لأن أغراضهم تسعى لتحقيق هدف لا يتقبله المجتمع المصري بتاريخه الحضاري ونسيجه الثقافي، الذي يقوم على الوحدة الوطنية، والمتصل -على حد تعبير د. طه حسين- اتصالا قويا عميقا بنفوسنا المصرية الحديثة، كما تتصل اتصالا قويا عميقا بنفوسنا المصرية القديمة أيضا.

وهذا الذي حدث يتنافى تماما مع طبيعة هذا المجتمع، وهو ما ساعد على رفض تلك الجماعة، لتعود مصر مرة أخرى دولة مدنية، لا تخضع لسيطرة أي متطرف يحاول النيل من ثقافتها القائمة على التسامح.