الأربعاء 29 مايو 2024

التغريبة الفلسطنية الجرح الغائر.. «درويش والقاسم» بارود شعر قاوم المحتل بالكلمات

درويش والقاسم

ثقافة14-5-2024 | 17:27

همت مصطفى

عاشت «فلسطين» تلك الأرض المقدسة في العالم ومع الأديان السماوية، رمزا وقوة للمقاومة والنضال، ويظل الشعر معها هو اللون الأدبي  الأكثر قدرة والأجدر في التعبير عن  كل مأساة وأي آلام  وستبقى القضية الفلسطينية تعكس تأثيرها على الشعراء وتدفعهم للتعبير عن آلامهم ومقاومة الظلم من قبل المحتل ويسردون أحلامهم وقصة الشعب الفلسطيني بنزيفه المستمر وصور نضاله التي لا تنضب.

وكانت أصوات الشعراء هي الأقوى تعبيرًا وصدقًا عن ذاك الجرح الغائر الذي لا يندمل، منهم، إبراهيم طوقان فدوى طوقان، معين بسيسو، أمل دنقل، وبمسرحنا المصري نجيب سرور، وغيرهم، في مقدمتهم  شاعر الأرض محمود درويش، وشاعر الثورة والمقاومة سميح القاسم.

مناضل منذ صغره

محمود درويش هو ذاك الصوت الشعري القوي والرائد، كانت قصائده  كالبارود في وجه المحتل منذ صغره وطفولته، حينما قدم أول قصائده بالإذاعة المدرسية، ضد جرائم المحتل، فقام العدو الصهيوني بتهديده بفصل أبيه من عمله حتى يتراجع عن فعلته ولا يكررها، لكن ذاك الطفل الشجاع استكمل طريقه مع مصدر نضاله وهو الكلمة والتي عبر بها إلى كل دول العالم  وملأ العالم بقصائده الشعرية، فعبر عن تهجيره وهو طفل من «البروة» مسقط رأسه ومحوها وكما عبر عن منفاه ورحيله من بلاده  وأوجاع وطنه التي لا تنتهي.

 وكتب «درويش» في ديوانه الثاني «أوراق الزيتون» قصيدة سجل «أنا عربي»

«سجِّل
أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
فهلْ تغضبْ؟
سجل
أنا عربي
صَبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفَوْرةِ الغضبِ
جذوري
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
سجلْ
أنا عربي
ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
ولونُ العينِ.. بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ..
تخمشُ من يلامسَها
..
سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي.. إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ.. حذارِ.. من جوعي
ومن غضبي!!

وفي قصيدة «درويش» عاشق من فلسطين يعكس حبه الكبير للوطن ويتحدث فيها عن المنفى وفقدان الوطن بسبب الهجرة.

«عيونِك شوكةٌ في القلبِ
توجعني... وأعبدُها
وأحميها من الريحِ
وأُغمدها وراء الليل والأوجاع... أُغمدها
فيشعل جُرحُها ضوءَ المصابيحِ
ويجعل حاضري غدُها
أعزَّ عليَّ من روحي
وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعينِ
بأنّا مرة كنّا، وراءَ الباب، اثنين !.

..

فلسطينيةَ العينين والوشمِ
فلسطينية الاسم
فلسطينية الأحلام والهمِّ
فلسطينية المنديل والقدمَين والجسمِ
فلسطينية الكلمات والصمتِ
فلسطينية الصوتِ
فلسطينية الميلاد والموتِ»

 ونقل «درويش» كثيرا من قصائدة للعالم معبرا عن همه وقية وطنه، في الجدراية  والأرض، وغيرهم لتظل عبارة «درويش» الأكثر شهرة  في حب الوطن ودفاعا عن فلسطين «على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ» والتي  تصدرت في قصيدته «ورد أقل» التي نشرت عام 1986، أشهر شعارات الثورة الفلسطينية وأصبحت رمزاً للصمود والتحدي والأمل

سميح القاسم .. صوت الثورة والمقاومة

كان  الشاعر المتفرد سميح القائم،  صوتا قويًا للقضية الفلسطينية والذي ارتبط اسمه ارتباطًا قويًا ووثيقًا بشعر الثورة والمقاومة، وقدم الكثير من قصائده في هذا الاتجاه منها: قصيدته «تقدموا» والتي خاطب فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، «منتصب القامة أمشي» التي لحنها وتغنى بها المطرب والموسيقار اللبناني مارسيل خليفة، ومن أشهر ما كتب«القاسم»   أيضًا قصيدة «الانتفاضة».

و يعد «القاسم» واحدًا من أبرز شعراء  فلسطين عاش طفولته في بلدة الرامة بفلسطين بثلاثينيات القرن الماضي، ودرس بها وفي الناصرة واعتقل عدة مرات وفرضت عليه الإقامة الجبرية من قبل القوات الإسرائيلية بسبب مواقفه.

صوت لن يسكت

وعندما كبر«القاسم»  وحينَ رُوِيَت الحكاية له فيما بعد تركَتْ أثرًا عميقا في نفسه:  وقال«حسنا لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة سأريهم سأتكلّم متى أشاء وفي أيّ وقت وبأعلى صَوت، لنْ يقوى أحدٌ على إسكاتي».

 الهم الأكبر.. الوطن والمحتل 

كان الوطن لسميح القاسم وشعبه الذي عانى من المحتل هو همه الأكبر وكتب فيهم الشعر كثيرًا، وألف العديد من القصائد، وارتكز على تقديم الجانب الحماسي  نتاج ما عايشه وكانت كلماته يغمرها القوة مؤثرة، لتعبر عن أوضاع بلاده ووطنه الصعبة والتي يعرفها الجميع ويعيشها الفلسطينيون لعقود وعقود، فكانت كلماته تهز الفلسطينيين، وتثير الحماسة في شبابها، مما جعله عرضة للسجن لأكثر من مرة.

وتميّزت أعمال «القاسم» بتأثّره بالنكبة والانتفاضة الفلسطينية، ولكن تميزه وشهرته الأكبر كان بمجال الشعر،  وتُرجِمَ «القاسم» عددٌ كبير من قصائده عن القضية والوطن إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى العديدة.

مسرحا للقضية

 وكان من اهتمامات«القاسم»  ويشغله كثيرا إنشاء مسرحٍ فلسطيني يحمل رسالةً فنيةً وثقافيةً عالية، كما يحمل في الوقت نفسه رسالةً سياسيةً قادرةً على التأثير في الرأي العام العالمي فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.

ويتناول«القاسم» في شعره الكفاح والمعاناة الفلسطينيَين، وفي سن الثلاثين من عمره كان قد نشر ست مجموعاتٍ شعرية حازت على شهرةٍ واسعة في العالم العربي

وفي مجال الشعر للقضية  تنوعت أعمال  سميح  القاسم، ما بينَ الشعر، والمجموعةٌ شعرية، وأغاني الدروب، منها  « دمي على كفِّي  ودخان البراكين»  

وقدم « القاسم» مجموعات نثرية من بينها  كتابٌ توثيقي حمل عنوان «الكتاب الأسود، يوم الأرض» ونشر القاسم أيضًا بحثًا توثيقيًّا بعنوان «مطالع من أنثولوجيا الشعر الفلسطيني في ألف عام »  و«الأعمال الناجزة» في سبع مجلدات،  بالإضافة إلى «الراحلون»، وغيرها الكثير..

ويقول «القاسم» في قصيدته «بوابة الدموع»

«أحبابُنا خلفَ الحدودِ

ينتظرونَ حبّةً من قمحهمْ

وقطرةً من زيتِهم... ويسألون

كيفَ حالُ بيتنا التريك

وكيفَ وجهُ الأرضِ... هل يعرفنا إذا نعودُ؟

يا ويلنا..

حطام شعبٍ لاجئ شريدْ

يا ويلنا من عيشةِ العبيد

هل نعود؟ » نعود؟ فهل نعود ؟

 ثالوث القضية  الثاني

شكل  الثنائي محمود درويش وسميح القاسم،  وثالثهم كان توفيق زيّاد  أضلاع ثالوث جديد ما عرف بـ«شعراء المقاومة» في فلسطين؛ ففي الثلاثينيات من القرن الماضي سيطر ثالوث شعري على الحياة الشعرية في فلسطين تكون من إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود وعبدالكريم الكرمي «أبو سلمى»، ولكن في مرحلة الستينيات وما بعد ظهر ثالوث آخر قوامه محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زيّاد .

فلسطين ملهمة كبار الشعراء

وتظل  القضية هي ملهمة لكل الشعراء في الوطن العربي من بينهم الشاعر العراقي مظفر النواب من بينها «القدس عروس عروبتكم»، قالونيا ضد العدو الإسرائيلي،  كما كتب الشاعر السوري  الكبير نزار  قباني الكثير من القصائد  للمقاومة  والحماس ضد المحتل  منها قصيدة «يا تلاميذ غزة»، «يا قدس»،  وغير هؤلاء الكثيرين من الشعراء.