الأربعاء 5 يونيو 2024

جحا بين كرم الضيافة واستغلال الآخرين.. حكاية صوفية عن القيم الروحية والمادية

جحا

ثقافة16-5-2024 | 08:28

إسلام علي

تعبر حكايات "نصر الدين" المعروف باسم جحا، عن عمق الطبيعة البشرية واستغلال الناس لبعضهم البعض لتحقيق مصالحهم الشخصية،  فضلا عن اهتمامها على تسليط الضوء على السعي وراء المكاسب المادية وكيف يمكن أن يغفل الناس عن القيم الروحية الأكثر أهمية.

كما تبرز الحكايات اهتمام الناس بالمنافع المادية التي تعزز المصالح الذاتية دون اعتبار للآخرين.

وتتميز حكاية جحا المعروفة باسم "مرقة البط"، في مضمونها بتقسيم الطبيعة البشرية إلى جزئين، كل منهم يتميز بخصائص تختلف عن الأخر، وتسرد القصة، أن أحد الأقارب من مكان ما في أعماق البلاد جاء ليزور الملا نصر الدين "جحا"، وكان هذا الزائر يحمل "بطة" للمللا على سبيل الهدية.

 ابتهج المللا "نصر الدين" أو جحا، وطبخ البطة واقتسمها مع ضيفه، ومع ذلك فسرعان ما أخذ الريفيون يتوافدون الواحد بعد الآخر، وكان كل منهم يقول إنه صديق صديق الرجل الذي أهداك البطة، وفي نفس الوقت لم تعد تصله أي هدايا أخرى.

وأخيراً ضاق المللا نصر الدين، بالأمر ذرعا. وذات يوم ظهر غريب آخر

كي يقول:

- أنا صديق صديق صديق قريبك الذي أحضر لك البطة.

وجلس هذا الغريب مثلما فعل سائر الباقين منتظراً أن يمده المللا بوجبة. ولكن المللا "نصر الدين"، لم يزد عن أن ناوله طبقا معلوماً بماء ساخن

- ما هذا؟

- هذا حساء حساء حساء البطة التي أحضرها قريبك.

تحليل القصة 

ميز جحا، بين نوعين من الناس، كان الأول منهم هو الذي يتمسك بالقيم الروحية، والثاني المتمسك بالقيم المادية، ففي القصة السابقة، قدم جحا فيها كرم الضيافة، حيث استقبل ضيوفه وقدم لهم أفضل ما لديه، حتى ولو كان ذلك على حساب طعامه الخاص.

 مما يعبر عن العطاء والمشاركة التي يتصف بها النوع الأول وهو المتمسك بالقيمة الروحية.

ويمثل الجزء الثاني من الحكاية، استغلال الريفيون لجحا  ولكرمه، حيث ادعوا صداقة وهمية للحصول على الطعام دون مقابل، وهذا يسلط الضوء على النوع الثاني من الناس وهم المتمسكون بالقيم المادية.

 ومن أهم صفاتهم، السعي نحو المكاسب المادية بدون أدنى مقابل منهم، فرمز هؤلاء الريفيون إلى "الذات الأنانية" في النفس البشرية، التي تسعى للنفع الشخصي دون مراعاة حقوق الآخرين.

وتعطينا الهدية التي قدمها صديق جحا له فكرة عن صفات النوع الأول من الناس وهم المحبون للقيم الروحية، فهم دائما ما يتوجهون ناحية الاهتمام بالأمور التي تدعم الروح وتغذيها.

 بينما يمثل الريفيون المتطفلون "الظواهر الدنيوية الزائفة" التي لا تقدم قيمة حقيقية للبشرية، بينما جحا وهو يقدم ما لديه إلى الريفيين، يرمز إلى طبيعة النفس الخيرة، والتي تفيد البشرية بما لديها من معارف وإمكانيات ولكن الماديين يسعون إلى استغلالها بما لا ينفع الناس.

يمثل حساء البطة "الجوهر الحقيقي" للأشياء، بينما تمثّل البطة نفسها "المظهر الخارجي".

وتعلمنا الحكاية السابقة أيضا ، التفرقة بين الجوهر الداخلي للأشياء، والمظهر الخارجي لها، وعدم التعلق بالمظاهر الزائفة، فضلا عن عدم التعلق بالملذات المادية.