الثلاثاء 18 يونيو 2024

أشرف غريب يكتب: عادل إمام بين اليسار واليمين فى لعبة السياسة

عادل إمام

فن16-5-2024 | 12:29

أشرف غريب

فى سنوات تكوين الفنان عادل إمام المبكرة  تقلب ذلك الشاب المفتون بالتجربة والأحلام العريضة على العديد من الاتجاهات الراديكالية فى وقت كانت تعيش فيه مصر حراكا سياسيا وفكريا مضطربا ، حيث قادته قدماه وهو فى السادسة عشرة من عمره إلى الانضمام إلى حزب العمال والفلاحين الشيوعيين الذى كان يرأسه سيف يوسف ، وذلك عن طريق صديق له اسمه عادل بسيونى ، ويحكى عادل أنه حضر اجتماعا واحدا فى هذا الحزب ، ووجدهم يعطونه مجموعة من الكتب الضخمة لقراءتها ، لكن ذلك الشاب المراهق الذى كان يسمع كثيرًا عن الحركات اليسارية فوجئ أنهم لم يمنحوه اسمًا حركيا كما كان يتخيل،  أو أنهم أعطوه اسمًا حركيا هو "عادل" تمامًا كاسمه الأصلي، فظن أنهم يسخرون منه أو من صغر سنه، فقرر مغادرة الحزب وعدم حضور اجتماعاته بعد ذلك.

وأضاف أن جميع أفراد هذا الحزب تم القبض عليهم فيما بعد، ويذكر عادل أيضا عن تلك الفترة أنه في غمرة صدام حكومة الثورة مع تيار اليسار دخل والده إلى غرفته وجمع كل الكتب القديمة التي وجدها عن كارل ماركس وستالين والثورة الصينية وقام بحرقها بعد أن أوسع ابنه ضربا وتعنيفا وانتزع منه وعدا بالابتعاد عن هذه الأفكار، وبالفعل لم يبق لعادل في ذلك الوقت من فكر هذا التيار سوى الجموح إلى التمرد والمشاركة في المظاهرات التي مارسها فعليا وهو في المدرسة المرقسية بالإسكندرية احتجاجًا على الرئيس العراقى عبد الكريم قاسم الذي كان في خصومة علنية مع الرئيس عبد الناصر.

وفى مرحلة اضطرابه الفكرى والسياسى وقلقه على الوطن حاول عادل أن يجرب الانتماء إلى كل التيارات الراديكالية ، فمن حزب العمال والفلاحين الشيوعيين فى أقصى اليسار إلى جماعة الأخوان المسلمين فى أقصى اليمين وقت أن كان التدين لا يعنى التطرف ، كان عملا وطنيا وكفاحًا مسلحًا ضد الاستعمار ، كان الكفاح من أجل مصر وليس ضدها على حد تعبير عادل أمام نفسه الذى لم يطق هذا الفكر المنغلق ، مكتشفًا عدم توافقه مع نظرية الطاعة العمياء ورفضه التنازل التام عن حريته لصالح المرشد ومعترضًا على مبدأ الغاية والوسيلة حتى لو كان العنف هو السبيل لتحقيق أهداف الجماعة ، فنأى بنفسه سريعًا عن تلك الجماعة ، لكنه ومن منطلق دينى راح ينتمى إلى إحدى الطرق الصوفية.

 ويحكى عادل عن تجربته هذه حين قال للكاتب الدكتور عمرو عبد السميع فى كتابه "حوارات فى الحب والفن والحرية": "أذكر أن أسرتي كانت تنظر إلى أحد أخوالي على أنه عربيد، إلا أن الرجل تاب فجأة وتصوف ودخل طريقة صوفية، وضمني إليها، وكنت حينها في عز المراهقة، ولكنني كنت ما زلت لا أعترف بالمسلمات وأحب أن أناقش وأفهم، ووجدتهم يقبلون يد شيخ الطريقة السمين ذى اللحية ، وكانت يده المدكوكة الساخنة تبدو كرغيف ساخن طالع من الفرن ، فلم يعجبنى ذلك ، وكان الجميع يقبلون يده حتى خالى ، أما أنا فرفضت لأن الوحيد الذى أعترف بتقبيل يده هو أبى ، ورحت أسأل عن جدوى كل شىء ومعنى كل شىء وسبب كل شىء حتى بدا الشيخ السمين يرمقنى بنظرة عدم ارتياح وزهق ويستثقل دمى ويتربص بى ، وهنا خرجت من أسر هذه الطريقة الصوفية إلى تفكير أوسع لا تحده حدود لا أفهمها ولا تجيب عن تساؤلاتى".

هذه النظرة الضيقة للدين في فكر الجماعات والطرق والتي خبرها عادل إمام منذ شبابه الباكر هي التي قادته بعد ذلك للتعبير عنها في أفلامه التي تعرضت لظاهرة التطرف الديني ربما كان أوضحها في مشهد فيلم "الإرهابي" حينما قال له الفنان أحمد راتب "لا تجادل ولا تناقش يا أخ على وإلا وقعت في المحظور" على أية حال فإن ما بقى مستقرًا في عقل ووجدان عادل إمام من بعد كل تلك التقلبات الأيدلوجية هو ميله لفكر الرئيس عبد الناصر وانتصاره لطبقة الكادحين والبسطاء الذين عبر عنهم كثيرًا في أفلامه، وكذلك المد القومى العروبي الذي عاش في ظله، وبقى مخلصًا لمبادئه حتى اليوم ومعبرًا عنه في مواقفه السياسية حيال قضايا أمته العربية.