السبت 1 يونيو 2024

أشرف غريب يكتب: اللحظة التى بكى فيها عادل إمام دون أن يراه أحد

عادل إمام

فن16-5-2024 | 18:46

أشرف غريب

في كل المرات التي تحدث فيها عادل إمام عن والدته كان يغلف حديثه بقدر هائل من الاحترام والتقدير الممزوج بالشجن والافتقاد حتى كأنك تخال أنها رحلت عنه بالأمس، هذه السيدة التي لم تأخذ حظها من التعليم، لكنها تمتعت بذكاء فطري خارق وعقل متقد وميزان حساس في تقدير الأمور وتحديد ردود الأفعال.

يقول عادل إمام عن والدته: "إنني أفتقدها كثيرًا، وأبكيها كلما تذكرتها، وأحس كم كنت مخطئًا جدا في حقها حينما أتذكر كيف كانت تتعامل معى وأنا أتشاجر معها في المنزل على أتفه الأشياء مثل نوع الأكل أو زرار قميص أو صديق ألعب معه، وهى ترى أن أخلاقه أو طباعه لا تناسب طريقة تربيتي، أشعر كم كنت سيئا تجاه هذه السيدة، وأحس أنني فقدت الحنان والعطف والاحتواء، فقدت حبا لا يمكن أن يعوضني إياه أحد، كانت سيدة بسيطة لكنها ذكية جدًا، وعندما كنت أقع في خطأ ما كانت تتوقعه وتستوعبه على الفور، فكانت تقول لي أنها لن تخبر أبى، وتتفق مع أبى على ألا يقول لي أنه عرف بما حدث، وتدبر هذه الشبكة المعقدة لتعديل سلوكي، فإذا لم يعتدل تعطى أبى الضوء الأخضر، فيكون جزاءي علقة ساخنة.. أمي كانت تتمتع بشخصية قوية جدا لدرجة أن أقربائنا من البلد كانوا يقومون لها احترامًا إذا دخلت عليهم مجلسهم".

ويحكى عادل عن المرة التي عنفته ففيها أمه بل وضربته كانت بسبب حبه للفن،  فقد كان يمشى معها ذات يوم في أحد شوارع منطقة الحلمية، فجذبه أفيش سينما وهبي، فأصر على دخوله السينما ومشاهدة الفيلم المعروض لكنها رفضت، وأمام عناد الطفل الصغير وإصراره على دخول السينما وانفلات أعصابه وارتفاع صوته في الشارع كان من الضروري تعامل الأم بصورة عنيفة وحازمة مع هذا السلوك الطفولي الذي كان يجب تقويمه دون انتظار رد فعل الوالد الذي فعل مثلها عندما علم بالأمر.

ويذكر عادل عن أمه أنها كانت تبارك له كل خطوة فنية يخطوها، وأن دعواتها كانت تصاحبه في كل نجاح حيث كانت تدعو له بدعائها الشهير "يا رب يحبب فيك خلقه"، وأنها كانت مكمن سره حينما كبر وأخذ يستقل بحياته، وأنها هي أول من باركت زواجه، ويؤكد كذلك أنها كانت طباخة ماهرة، وأنه لم يكن يحب أن يأكل إلا من يدها، وبعد زواجه اكتشف أن زوجته لا تجيد الطهي، فسلمها إلى والدته – على حد تعبيره - التي أعطتها دروسا مكثفة في فنون الطهي حتى أصبح لا يأكل إلا من يد أمه وزوجته.. حتى وهو يعبر عن وطنيته كان يقرن بين مصر وأمه، فهو الذي قال ذات مرة : مصر هي أمي، وأنا بحب أمي جدا وبحب مصر جدا، وكانت أمه قد أصيبت بالمرض اللعين وعانت كثيرًا في أشهرها الأخيرة في الفترة التي كان يمثل فيها مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" لدرجة أن عادل تمنى لها أن تستريح من آلامها، ويوم أن توفاها الله أبلغته إدارة المستشفى بالخبر الحزين، فهرع إلى هناك على الفور وصلى لها ركعتين لله كاتما دموعه.

يقول عادل عن والدته: "أمي شقيت معانا جدا، كانت تتنقل مع والدي بحكم عمله من مكان إلى مكان، وتحملت من أجلنا الكثير، والذي خفف عنى فراقها أنها ماتت وهى راضية عنى والحمد لله، وأيضا ماتت وهى تدعو لهالة زوجتي، لأن زوجتي لم تتركها في كل أزماتها الصحية وبقيت بجوارها حتى مثواها الأخير، وبعد شهر ونصف وكنت في منطقة وسط البلد وجدتني أركن  سيارتي في فجر أحد الأيام، وأخذت أبكى بحرقة على أمي دون أن يراني أحد، يومها شعرت أنني فقدت أغلى شيء في حياتي، فقدت الحب الذي لا يمكن تعويضه".