الأحد 16 يونيو 2024

قراءة قانونية حول قرارات الجنائية الدولية.. سيناريوهات توضحها "باحثة" المركز المصري للدراسات الاستراتيجية

الجنائية الدولية

تحقيقات23-5-2024 | 16:18

أماني محمد

جاء طلب المدعي العام للجنائية الدولية باعتقال قادة إسرائيل، وتحديدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاع الاحتلال يوآف جالانت، كإجراء غير مسبوق، أثار العديد من التساؤلات بشأن تداعياته وسيناريوهات تنفيذه.

وفي دراسة للمركز المصرى للدراسات الاستراتيجية، أجرتها الباحثة مريم صلاح، قدمت قراءة قانونية حول طلب الجنائية الدولية، الصادر يوم الإثنين الماضي، وأوضحت الدراسة سيناريوهات إصدار مذكرة اعتقال بحق قادة الاحتلال، والموقف الأمريكي وضغوط واشنطن لوقف المحاكمة أو إلغاء تنفيذ حكم الاعتقال.

سيناريوهات اعتقال قادة إسرائيل

وتوضح مريم صلاح، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، الباحثة التي أجرت الدراسة أنه رفع المدعي العام كريم خان إلى الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية مذكرة تتضمن لائحتي اتهام ضد قادة من حركة حماس وهم السنوار وهنية وضيف، ومن الحكومة الإسرائيلية نتنياهو وجالانت، ويطالب المدعي العام بإصدار مذكرة اعتقال كخطوة أولية ضد هؤلاء القادة على أثر تسببهم في جرائم تصنف على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وذلك وفقًا لنظام روما التأسيسي للمحكمة خاصة المادتين 7، 8، واللتان انتهكتهمها القادة الخمس، وحاليًا من المرتقب إصدار أوامر إيقاف ضدهم. وفي ذلك الإطار من المهم الإشارة إلى السيناريوهات المتوقعة بعد رفح الطلب.

وقالت في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن طلب المدعي العام يعد "الخطوة الأولى" للوصول إلى الهدف الأوسع وهو "محاكمة القادة الخمس"، وإصدار أحكام قضائية تشمل الحبس أو الغرامة أو عقوبات أخرى وفقًا لما يراه قضاة المحكمة. كما يجدر الإشارة إلى أنه لا يجوز للمحكمة الجنائية محاكمة الأفراد غيابياً وفقًا للمادة 1 من نظام روما الأساسي، لذا فإن احتجاز المتهم هو المفتاح لأي ملاحقة قضائية للمضي قدماً في المحاكمة.

وأوضحت أنه بعد تقديم الطلب إلى قضاة المحكمة، فمن المقرر وفقًا لنظام ورما بعد أن يدرس قضاة المحكمة الثلاث في الدائرة التمهيدية الطلب من المقدم من المدعي العام، وإذا ثبت صحته القانونية، بعد الاطلاع على كافة الأدلة والجرائم المذكورة التي ارتكبها كلًا من قادة حماس وإسرائيل، فسيتم إصدار مذكرة اعتقال وفقًا لقناعة الدائرة التمهيدية وتقديرها (المادة 89 من نظام روما).

وأضافت أنه سيتم إرسال مذكرات الاعتقال إلى الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، حيث وفقًا للنظام روما يكون لزامًا على تلك الدول أن تتعاون مع المحكمة لتنفيذ مذكرات الاعتقال، موضحة أنه ستكون الدول الأطراف في نظام روما الأساسي، وعددها 124 دولة، ملزمة بالقبض على المشتبه فيهم وإحالتهم إلى المحكمة في لاهاي في حال قدومهم إلى بلدانهم. لكن من المهم الإشارة إلى أنه لا توجد حدود زمنية، وليس من الممكن القول متى ستتخذ المحكمة قرارها.

وأضافت أنه في حال تم اعتقال أحد القادة الخمس أو القادة جميعهم، تحيل الدائرة التمهيدية القضية إلى الدائرة الابتدائية لمحاكمة هؤلاء المتهمين على التهم التي اعتمدتها.

وأشارت إلى أنه على صعيد تنفيذ مذكرة الاعتقال فسيناريو الضغط السياسي هو الأقرب للواقع، فعلى الرغم من قانونية إصدار حكم وليس فقط اعتقال القادة الإسرائيليين وفقًا لنظام روما الأساسي، ووفقًا لكافة الأدلة التي قدمها المدعي العام للقضاة الدائرة التمهيدية، إلا أنه من ناحية أخرى هناك العديد من الأوراق القانونية والسياسية.

وقالت إنه قانونيًا يمكن أن يستخدم محامو الدفاع خاصة دفاع القادة الإسرائيليين الضغط على المدعي العام من أجل سحب التهم المقدمة ضدهم، وهو من الناحية القانونية إجراء مقبول، ومن ناحية أخرى أيضًا في حال تم إصدار مذكرة اعتقال ولم تنفذها الدول، ورأت الدول الأعضاء أهمية إحالة الدعوى إلى مجلس الامن الدولي، فيمكن أن يتخذ المجلس قرارًا بوقف او تأجيل التحقيق أو المحاكمة لمدة عام، مع إمكان تجديد ذلك إلى أجل غير مسمى، ومن الممكن ان يساعد في تمرير هذا القرار العضو الدائم في المجلس الولايات المتحدة الأمريكية.

وتابعت مريم صلاح: من الناحية السياسية، من المتوقع أيضًا أن يتم فرض عقوبات أمريكية على قضاة الجنائية الدولية في ظل محاولات المحكمة لإصدار مذكرة اعتقال ضد قادة إسرائيل، حيث يجدر الإشارة إلى أن الكونجرس الأمريكي يدرس حاليًا إمكانية إقرار تشريع لفرض عقوبات على المحكمة، وهو أمر قامت به الولايات المتحدة الأمريكية مسبقًا عندما أصدرت عقوبات على مدعية المحكمة الجنائية الدولية السابقة "فاتو بنسودة" اعتراضا على التحقيق المستمر في احتمال ضلوع جنود أمريكيين بجرائم حرب في أفغانستان، ولذلك فإن احتمالية إصدار عقوبات ضد قضاة المحكمة هو أمر ترتفع احتمالية إقراره للغاية من قبل الكونجرس الأمريكي، خاصة في ظل دعم الولايات المتحدة الأمريكية المطلق لإسرائيل.

وأضافت: ولذلك من الممكن أن يواجه تنفيذ مذكرة الاعتقال العديد من العراقيل والضغوطات القانونية والسياسية على المدعي العام وعلى قضاة المحكمة. لكن في السياق ذاته من المتوقع أن يعمل قرار المحكمة بالإضافة إلى التحركات القضائية الدولية الأخرى مثل الدعوى المرفوعة في محكمة العدل الدولية من قبل جنوب أفريقيا، على زعزعة مكانة إسرائيل الدولية، وسيؤثر على الرأي العام ضدها، بعد أصبحت إسرائيل حاليًا دولة منبوذة، وثبت للعالم أنها دولة فصل عنصري، ودولة استعمارية، وتمارس القتل والإبادة.

 

هل تتوقف الحرب على قطاع غزة؟

وبشأن مصير الحرب على غزة، قالت إن الجنائية الدولية تقاضي الأفراد، وليس الجماعات أو الدول، وبالتالي فإن إصدار قرار لوقف الحرب الجارية على قطاع غزة يقع خارج اختصاص المحكمة، ما يعني أن مقاضاتها لقادة سواء من جانب إسرائيل أو حماس لا يضمن وقف الحرب أو إطلاق النار الجاري، فقد رفضت إسرائيل من خلال تصريحات مسئوليها الطلب المرفوع من قبل المدعي العام، وأكدت على استمرارها في الحرب حتى القضاء على حماس نهائيًا، ما يعني أنها ماضية في إبادتها الجماعية لسكان قطاع غزة بغض النظر عن أي قرارات قضائية دولية من قبل أي محكمة دولية.

واختتمت: على أرض الواقع، يواصل الاحتلال الإسرائيلي لليوم 229 حربه التدميرية على قطاع غزة، وسط قصف جوي ومدفعي متواصل، وارتكاب مجازر دامية ومروعة ضد العائلات، في شمال ووسط وجنوب القطاع، ووفقًا لإحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية بغزة أمس وصل عدد ضحايا الاحتلال إلى 35709 شهيدًا 79990 إصابةً منذ السابع من أكتوبر، وارتكب الاحتلال 6 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل منها للمستشفيات 62 شهيد و138 إصابة خلال أمس فقط، مما يعكس ان الاحتلال الإسرائيلي ربما يواجه ضغوطًا دولية سياسية وقضائية، لكنه ماضي في حربه ومستمر في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.

 

هل تلتزم المحكمة بالتنفيذ؟

ووفقا لما ذكرته الدراسة القانونية فيما يتعلق بمدى إلزامية تطبيق القرار الصادر عن الجنائية الدولية باعتقال القادة الخمس، أوضحت أن المحكمة لا تمتلك أداة تنفيذية لقراراتها فليس لدليها قوة شرطة خاصة بها، ولذلك فهي تعتمد على الدول في تنفيذ أوامر الاعتقال التي تصدرها أو على المشتبه بهم أن يقدموا أنفسهم إلى المحكمة طواعية.

وقالت إنه من الناحية القانونية، فإن الدول الأعضاء ملزمة بتسليم من صدر بحقهم أوامر اعتقال، وذلك وفقًا للمادة 86 من نظام روما الأساسي، ولكن رغم ذلك فلا يوجد عقوبات مفروضة على تلك الدول في حال لم تنفذ القرارات، حيث يترك الأمر إلى الدولة.

ولفتت إلى أنه لا يزال 17 شخص صدرت بحقهم أوامر اعتقال من قبل الجنائية الدولية أحرار، ويتنقلون بين الدول دون أن يتم القبض عليهم، موضحة أنه في الحالات السابقة التي تجاهلت فيها دولة ما التزامها باعتقال فرد يواجه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، كان أقصى ما واجهته هذه الدولة هو التوبيخ.

وأشارت الدراسة إلى حالات استثنائية للغاية، يجوز الاستعانة بمجلس الأمن الدولي والذي يمتلك آلية تنفيذيه لقراراته من أجل إصدار أمر باعتقال القادة الخمسة، لكن وبالنظر إلى موقف مجلس الأمن منذ بداية الحرب الجارية على قطاع غزة، لم يستطيع حتى اليوم أن يصدر قرارًا بوقف إطلاق النار على القطاع ووضع حد للإبادة الجماعية بسبب استخدام الولايات المتحدة الامريكية حق النقض “الفيتو” ضد أيًا من مشروعات القرارات الرامية لذلك.

وتابعت أنه لا يتوقع أن يساند مجلس الأمن في تنفيذ أمر اعتقال صادر عن الجنائية الدولية.

وقالت إنه تسمح قواعد الجنائية الدولية لمجلس الأمن الدولي بتبني قرار يوقف أو يؤجل التحقيق أو المحاكمة لمدة عام، مع إمكان تجديد ذلك إلى أجل غير مسمى، وهو ورقة قانونية يمكن ان تستخدم من قبل المتهمين خاصة إسرائيلي على أعضاء مجلس الأمن على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.

 

مذكرات اعتقال سابقة

وتطرقت الدراسة لأبرز مذكرات الاعتقال التي صُدرت ضد زعماء وقادة وما آلت إليه، وكان آخرها مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مارس 2023، بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن لم يتم اعتقاله، وكذلك مذكرة اعتقال بحق عمر البشير في السودان، وهما مذكرتي اعتقال بحق البشير الأولى في مارس 2009، وفي والثانية في يوليو 2010 متهمة إياه بالتدبير للإبادة الجماعية وارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في إقليم دارفور في السودان، ولكن سُجن البشير وبعض حلفائه في السودان بعد الانتفاضة الشعبية التي شهدتها البلاد في عام 2019 لكنهم لم يرسلوا إلى لاهاي.