الإثنين 17 يونيو 2024

ديوان العرب.. إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها.. قصيدة أعشى باهلة

أعشى باهلة

ثقافة27-5-2024 | 09:44

فاطمة الزهراء حمدي

تعد قصيدة «إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها» للشاعر أعشى باهلة، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينهم.
ويعرف "أعشى باهلة" بأنه أحد أبرز الشعراء في العصر الجاهلي الذين كتبوا قصائد تميزت بالوصف والإنسانية وقوة التشبيه، وعلى رأسها قصيدة «إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها».
تعتبر قصيدة «إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها»، من أجمل ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 36 بيتًا، كتب الأعشى تلك القصيدة ليرثي بها أخاه لأمه "المنتشر بن وهب الباهلي". 
وإليكم القصيدة:
إنّي أَتَتني لِسانٌ مَا أُسَرُّ بها
من عُلوَ لا عَجَبق فِيهَا ولا سَخَرُ
جَاءَتْ مُرَجِّمَةً قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُها
لو كانَ يَنْفَعُني الإِشْفَاقُ والحَذَرُ
تَأْتِي على النّاسِ لا تُلوي على أَحَدٍ
حتى أَتَتْنَا وَكَانَتْ دُونَنَا مُضَرُ
إذا يُعَادُ لها ذِكْرٌ أُكَذِّبُهُ
حتى أتَتْني بِهَا الأنْبَاءُ وَالخَبَرُ
فَبِتُّ مُكْتَئِباً حَيْرَانَ أَنْدُبُهُ
وَلَسْتُ أَدْفَعُ ما يَأْتِي بِهِ القدَرُ
فَجَاشَتِ النّفْسُ لَمّا جَاءَ جَمْعُهُمُ
وَرَاكبٌ جَاءَ مِنْ تَثْلِيثَ مُعْتَمِرُ
إنَّ الذي جِئْتَ مْنْ تَثْلِيثَ تَنْدُبُهُ
مِنْهُ السّمَاحُ وَمِنْهُ الجودُ وَالغِيَرُ
تَنَعَى امرأً لاَ تَغُبَّ الحيَّ جَفْنَتُهُ
إذا الكَوَاكِبُ خَوّى نَوْأَها المَطَرُ
وَرَاحَتِ الشَّوْلُ مُغْبَرّاً مَنَاكِبُها
شُعْثاً تَغَيّرَ مِنْهَا النَّيُّ وَالوَبَرُ
وَأَجْحَرَ الكَلْبَ مُبْيَضُّ الصَّقِيعِ بِهِ
وَضَمّت الحيَّ مِنْ صُرّادِهِ الحُجَرُ
عَلَيْهِ أَوّلُ زَادِ القَوْمِ قَدْ عَلِموا
ثُمَّ المَطيَّ إذا ما أَرْمَلوا جَزَرُوا
لا تَأْمَنُ البازلُ الكوماءُ ضَرْبَتَهُ
بِالمَشْرَفيّ إذا ما اخْرَوّطَ السّفَرُ
قَدْ تَكْظِمُ البُزْلُ مِنْهُ حِينَ يَفْجؤها
حَتّى تَقَطَّعَ في أَعْنَاقِها الجِرَرُ
أَخُو رَغَائِبَ يُعْطِيهَا وَيَسْأَلُها
يَخْشَى الظُّلامَةَ مِنْهُ النَّوْفَلُ الزَّفَرُ
مَنْ لَيْسَ في خَيْرِهِ مَنٌّ يُكَدّرُهُ
عَلَى الصَّدِيقِ وَلاَ في صَفْوِهِ كَدَرُ
يَمْشي بِبَيْدَاءَ لا يَمْشي بِهَا أَحَدٌ
وَلاَ يُحَسُّ خَلاَ الخافي بِهَا أَثَرُ
كَأَنّهُ بَعْدَ صِدْقِ القَوْمِ أَنْفُسَهم
بِالبأسِ يَلْمَعُ مِنْ أَقْدَامِهِ الشّرَرُ
وَلَيْسَ فِيهِ إذا اسْتَنْظَرْتَهُ عَجَلٌ
وَلَيْسَ فيهِ إذا ياسَرْتَهُ عُسُرُ
إمّا يُصِبْهُ عَدوٌّ في مُنَاوَأةٍ
يَوْماً فَقَدْ كَانَ يَسْتَعلي وَيَنْتَصِرُ
أَخُو حُروبٍ وَمِكْسَابٌ إذا عَدَمُوا
وفي المَخَافَةِ مِنْهُ الجِدُّ والحَذَرُ
مِردَى حُروبٍ شِهابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ
كَمَا أَضَاءَ سَوَادَ الصَّخْيَةِ القَمَرُ
مُهَفْهَفٌ أَهْضَمُ الكَشْحَينِ مُنْخَرِقٌ
عَنْهُ القَمِيصُ لِسَيْرِ اللّيْلِ مُحْتَقِرُ
ضَخْمُ الدّسِيعَةِ متلافٌ أَخُو ثِقةٍ
حَامِي الحَقِيقةِ مِنْهُ الجُودُ والفَخَرُ
طاوي المَصِيرِ على العَزّاءِ مُنْجَرِدٌ
بِالقَوْمِ لَيْلَةَ لا ماءٌ ولا شَجَرُ
لاَ يَتَأرّى لِمَأ في القِدْرِ يَرْقبُهُ
ولا يَعَضّ على شُرسُوفِهِ الصَّفَرُ
تَكْفِيهِ فِلْذَةُ لَحْمٍ إنْ أَلمّ بِهَا
مِنَ الشِّواءِ وَيَروي شُرْبَهُ الغَمَرُ
لاَ يَأْمَن النّاسُ مُمْسَاهُ وَمُصْبَحَهُ
في كلّ فَجٍ وإنْ لَمْ يَغزُ يُنْتَظَرُ
المُعَجّلُ القَوْمِ أَنْ تَغلي مَرَاجِلُهُمْ
قَبْلَ الصَّبَاحِ وَلَمّا يُمْسَحِ البَصَرُ
لاَ يَغْمِزُ السّاقَ مِنْ أَيْنٍ ولا نَصَبٍ
وَلاَ يَزَالُ أَمَامَ القَوْمِ يَغْتَفِرُ
عِشْنَا بِهِ بُرْهَةً دَهْراً فَوَدّعَنا
كَذَلِكَ الرِّمْحُ ذُو النّصْلَيْنِ يَنْكَسِرُ
فَنِعْمَ مَا أَنْتَ عِنْدَ الخَيْرِ تَسْأَلُهُ
وَنِعْمَ مَا أَنْتَ عِنْدَ البأسِ تَحْتَضِرُ
أَصَبْتَ في حُرُمٍ مِنّا أَخَأ ثِقَةٍ
هِنْدَ بْنَ سَلْمَى فَلاَ يَهْنَا لَكَ الظَّفَرُ
فإنْ جَزَعْنَا فإنّ الشّرّ أَجْزَعَنَا
وَإنْ صَبَرْنَا فَإنَّا مَعْشَرٌ صُبُرُ
لَوْ لَمْ يخُنْهُ نَفِيلٌ لاسْتَمَرّ بِهِ
وِردٌ يُلِمَ بِهَذَا النّاسِ أَوْ صَدَرُ
إنْ تَقْتُلُوهُ فَقَدْ تُسْبَى نِسَاؤُكُمُ
وَقَدْ تَكُونُ لَهُ  المُعْلاَةُ وَالخَطَرُ
فإنْ سَلَكْتَ سَبيلاً كُنْتَ سَالِكَها
فَاذْهَبْ فَلاَ يُبْعِدَنْكَ اللَّهُ مُنْتَشِرُ