الأحد 19 يناير 2025

مقالات

دور أدب الأطفال في إكسابهم قيم التسامح وتقبل الآخر


  • 7-6-2024 | 22:13

عفت بركات

طباعة
  • عفت بركات

الطفل كائن اجتماعي يتأثر بما حوله وبالتالي فإن تشكيل المخزون المعرفي الثقافي له يصير رهانا نسعى لكسبه وسائط تثقيف متعددة بعضها منسجم وإيجابي وبعضها غرضي وسلبي بجانب تطور المعارف وثورة الاتصالات وسهولة إتاحة المعلومات أدى إلى إلقاء مسئوليات كبيرة على أجهزة ثقافة الطفل للاهتمام بنشر الثقافة مع الحفاظ على الهوية الثقافية وتعدد المؤسسات التي تساهم في تكوين ثقافة الطفل منها: الأسرة، المدرسة، الأجهزة التابعة لوزارات الثقافة، الإعلام، الشئون الاجتماعية، الشباب، ومن هنا فالمسئولية جماعية تجاه الاهتمام بثقافة الطفل وبالقدر الذي تتسق فيه جهود هذه الأجهزة وتنسجم في قيمها وأساليبها يصبح التكوين الثقافي للطفل منطلقا لخلق الطاقات الإبداعية وإثراء حياته وحياه مجتمعة، فالحديث عن ثقافة الطفل أمس واليوم يعني تطلعا نحو المستقبل، وصناعة هذا المستقبل تنطلق مع هذه اللحظة الراهنة في ضوء تعدد المتغيرات العالمية، والمجتمعية المعاصرة والتى أصبحت تؤثر تأثيراً بالغاً على التعلم، ونظم التنشئة الاجتماعية بأبعادها المختلفة فيما يختص بإعداد الأطفال إعداداً متينا.

فإن هذا يضاعف من الاهتمام البالغ بثقافة الطفل حيث يواجهه ملامح ثقافة مغايرة لثقافته. وفي مقابل ذلك نجد ترديا واضحاً لطبيعة الخدمات الثقافية التي توجه للطفل على المستويات الجغرافية أو النوعية (ذكرا وأنثى) بحيث ظهر بكل جلاء وجود اختلال واضح في توزيع مثل هذه الخدمات لصالح المناطق الحضرية، والأغنياء، وأصحاب رأس المال الثقافي مع وجود تمايز بين المدن والريف وبين المناطق الراقية والعشوائية . 

 

أدب الطفل وأهميته في تشكيل شخصية الطفل

أولا : يمكن تعريف أدب الطفل بأنه نصوص إبداعية تحمل خبرات لغوية موجهة للأطفال يقصد بها التربية الاجتماعية والنفسية والتربوية والفنية والجمالية، فضلاً عن التنمية العلمية والفكرية واللغوية ومستويات التخيل، وذلك من خلال تقديم خبرة لغوية تتناسب مع عمر الطفل ومستواه الإدراكي بأسلوب جميل ومشوق ومناسب.

ثانيا : يستطيع أدب الطفل أن يشكل شخصية الأطفال من خلال ما يقدمه من قيم: تربوية وأخلاقية ومعرفية واجتماعية ونفسية ولغوية وجمالية و يمكن تلخيصها بالآتي :

تربية الأطفال تربية سليمة وصولاً إلى مجتمع سليم. -

تنمية الذوق الأدبي والفني والجمالي ، تنمية الحاسة النقدية عند الأطفال. -

تقديم قيم لغوية سليمة وتنمية الثروة اللغوية للطفل و تشذيبها. -

تحسين مخارج الحروف عند الأطفال وتعليمهم أسلوب النطق السليم. -

إطلاع الأطفال على البيئة المحيطة بهم وتقديم حزمة من المعارف في التاريخ والجغرافية والعلوم والطبيعة .....إلخ

تقديم المعرفة العلمية على نحو شيق. -

تقديم شخصيات تكون قدوة للطفل. -

تقديم نماذج من التفكير السليم من خلال شخصيات قصصية أو مسرحية. -

تنمية القدرات الإبداعية للأطفال. -

- تهيئة الطفل كي ينهض بدور إيجابي في عالم المستقبل من خلال تشكيل إنسان فعال مفكر ومبدع قادر على التفكير والتخطيط والتطوير واتخاذ القرارات المناسبة في مختلف الميادين

-  تشكيل عادات اجتماعية سليمة.

تنمية قدرة الطفل على معرفة الأشياء من حوله من خلال تنمية قوة ملاحظته. -

تنمية ملكة التحدث والإنشاء والحفظ -

كما أن الأدب وسيلة هامة في علاج بعض الأمراض النفسية كالخجل والعدوانية وغيرها .-

و من أهم فنون الأدب المؤثرة في الطفل  " القصة "  لأنها لا تقدم للطفل الإمتاع والتسلية فقط ، بل هى قادرة على إشباع وتنمية خيال الطفل وقدرته على الابتكار، وتنمية الذوق الفني والحسي لدى الطفل، وإثراء لغته من خلال تزويدها بالمفردات والتراكيب والعبارات الجديدةد ، وإكسابه اتجاهات اجتماعية جيدة  من خلال المشاركة في الألعاب وكيفية التصرف في بعض المواقف، وزيادة خبرات الطفل عن الطبيعة والعالم الخارجي المحيط به .  

فالقصة : تبدو ، في نظر الطفل، لوناً من ألوان اللّهو لا يملّ تكرارها. إنها تبعث في نفسه الهدوء والسكينة، وتصبح متنفساً لطاقاته المتفتحة أو تدريباً لخياله وذهنه وعواطفه وانفعالاته. وهي تدربه على تكوين بعض الصلات الاجتماعية، فتكون جسراً بينه وبين الآخرين. يضاف إلى ذلك أن القصة تلقّن الطفل كثيراً من الكلمات والعبارات تلقيناً سهلاً غير مباشر، مما قد لا يتاح له في حياته العملية.وينبغي تذكّر أن الكبار يُدخلون للصغار، فيما يسردونه عليهم من قصص وأساطير وخرافات، بعض العظات والنصائح الأخلاقية بأسلوب مباشر وغير مباشر، لكي يُغروهم بالسلوك الذي يريدون أن يتبناه الأطفال.والمعروف أن للقصة فكرة ومغزى وأسلوباً وخيالاً ولغة. وأن لكل هذه العوامل أثراً في تكوين الطفل. ومن هنا نشأت ضرورة الاستفادة من القصة في البيت وفي المدرسة، وضرورة انتقاء الصالح منها ومعرفة كيفية عرضه على الطفل. ولما كان الطفل، في السنوات الأولى من عمره وفي روضة الأطفال، غير قادر بعد على القراءة، فإن من واجب الأم والمربية - المعلمة سردها عليه. ففي سرد القصة جمال آخر هو جمال التعبير الذي يسمو بها ويزيد من قيمتها الفنية، ويبعث فيها حياة جديدة، ويشد إليها الطفل. كذلك يمكن طبع بعض الصور على ورق من المقوى الثخين، تمثل الحيوانات والمشاهد المألوفة المسلسلة التي يعبث بها الطفل ويقلّبها، وعن طريق اللعب والسؤال يتعلم منها المفردات والجمل المفيدة.

لذا هناك العديد من المعايير التي يتم في ضوئها اختيار القصص للأطفال:

*لابد أن يكون للقصة التي تحكى للطفل عنوان تعرف به، يشتق من بيئة الطفل، ويكون عنواناً حسياً لا تجريد فيه، يحمل الفرح والمرح والبهجة، لا التخويف والإزعاج.

*الفكرة الجيدة عنصر أساسي لقصة يقبل الأطفال على الاستماع إليها ، وتشكل غاية ينتهي إليها الطفل مستمتعاً ؛ لذا وجب أن تكون للقصة فكرة ترمي إليها ، واضحة لا غموض فيها ، عميقة لا ساذجة ولا سطحية .

*السير في القصة بأسلوب تام متدرج في الأحداث يساعد الطفل على التمكن من مهارة ترتيب الأحداث وتتابعها، ولا داعي لتكرار أجزاء منها، ولا داعي للوازم لغوية تصاحب عرضها، لابد من تنويع الصوت ليتمثل المعنى والتأثيرعلى الطفل المستمع لتشويقه وإفهامه وإثراء خياله.

*التناول السريع الذي لا يعني بالتفصيل في عرض الأحداث والأماكن والشخصيات يتفق وطبيعة الطفل في اكتساب دقة الملاحظة والانتباه  والتركيز ، كما يساعده في اكتساب مفردات لغوية، وصفات تثري معجمه اللغوي، وتكسبه القدرة على الوصف والتعبير .

*الاهتمام بالجوانب العلمية أمر ضروري في القصة، وتشمل الجوانب العلمية المفاهيم والمعلومات والحقائق والثقافة العلمية السليمة والحديثة والوظيفية، حتى تكون لديه اتجاه موجب نحو العلم والعلماء .

*إكساب الطفل اتجاهات مصاحبة بطريقة غير مباشرة أمر ضروري أثناء قراءة القصة أو حكاياتها للطفل، وتشمل هذه الاتجاهات المصاحبة احترام آراء غيره، ونسبية الحقائق، واستخدام الأسلوب العلمي في حل  المشكلات.

*الحوار هو الأحاديث المختلفة التي تتبادلها شخصيات القصة، وهو عامل مهم في نجاح القصة، لأنه عنصر رئيسي من عناصر البناء الفني في  القصة، وهو يساعد في الإحساس بالمتعة، ولذا وجب أن نخفف من عنصر السرد، ونترك للحوارات فرصة واسعة عند حكاية القصص للأطفال .

*الصراع في القصة المقدمة للطفل غالباً ما يكون بين الحيوانات والقوى المادية والقوى الروحية، والصراع هو شكل من أشكال النضال والمقاومة يدور بين الخير والشر، وينتصر فيه الخير ، ويأخذ شكلاً واحداً في القصة، ولابد من تأكيد انتصار الخير وتحبيذه لدى الأطفال .

*الشخصيات في القصة التي تقدم للأطفال  - الطفولة المبكرة - هي الحيوانات والطيور ، أو الأطفال ، أو قوى غير منظورة ، ويجب أن تتسم بالوضوح في تصرفاتها وملامحها ، لا تناقض في سلوكها النامي ، ويجب الاهتمام بالشخصيات المحورية والثانوية على حد سواء، لأن الطفل يتوحد معها في أغلب الأحيان.

*النهاية هي الشكل الفني الذي يختتم به القصة، والطفل يجب أن يستمع إلى نهاية سارة سعيدة مبهجة مرحة، فلا تؤذي مشاعره وأحاسيسه بنهاية مؤلمة أو غير سارة، ويمكن أن تترك القصة دون أن تقدم  حلاً جاهزاً، بل تتركه يفكر ويستنتج بنفسه، ويعمل عقله ومشاعره في الوصول إلى النهاية المناسبة.

*الجو العام للقصة المقدمة للطفل هو ما يثيره في انطباعات وانفعالات سارة، وما تقدمه من مشاعر مثيرة للحب والتفاؤل والبهجة لدى الطفل ، فلا داعي لحكاية قصة تترك انطباعاً غير سار ، أولا تترك انطباعاً في نفوس الأطفال . بالنسبة لبناء القصة وهو واحد من أهم محكات الاختيار ، فيفضل اختيار القصص ذات البدايات القوية المؤثرة، لجذب انتباه جمهور الأطفال عن المستمعين .

*ويراعى أن يكون عدد شخصيات القصة محدوداً ، يتراوح بين ثلاثة أو أربع شخصيات، حتى يتمكن الطفل من متابعتها، ومتابعة مسار الحرف بها دون أي تشويش .

شخصيات القصة

تلعب الشخصية دورا مهما بالنسبة للطفل، حيث يتوحد معها ويتمثل كثيراً من قيمها وسلوكها، ولذلك يجب أن تراعى بشكل كبير أبعاد هذه الشخصيات عند اختيار القصة لتقديمها للطفل.

وأهم المعايير المرتبطة بالشخصية هي:

* أن تكون الشخصيات مألوفة لعالم الطفل بحيث يتعايش معها ، مثل أن تكون من عالم الأسرة، الحيوانات، الأقران، الزهور، الطيور، الأشجار التي تتفاعل في عالم شبه إنساني في علاقاتها بحيث تتكلم وتبكي وتلعب وتفرح، وتحزن.

أن يكون عدد شخصيات المشاركة في الحدث قليلاً حيث يستطيع الطفل التركيز.*

* أن تكون الشخصيات بعيدة عن المثالية المطلقة، وأن تكون في مستوى الواقع متباينة تقترف الخطأ وتسعى إلى الصواب، وتتغير في النهاية إلى الأفضل، فإذا تم تصوير الشخصيات على أنها تملك شخصيات إيجابية فقط ، فإن الطفل قد يشعر عن طريق المقارنة بأنه سيء ولا يكون راضياً عن نفسه.

* يجب أن تظهر شخصيات القصة النساء والرجال في أدوار مختلفة تعكس قدراتهم على صنع القرارات وحل المشكلات، وعرض أنواع مختلفة من المشاعر، العناية بأفراد العائلة والعمل خارج المنزل.

* أن تتيح القصص للطفل التعرف على أنواع العائلات المختلفة مثل ( العائلة المكونة من الأم أو الأب فقط ، .....الخ)

* أن تقدم الشخصيات بشكل واقعي ومناف للعنصرية والتعصب، وأن لا تركز على صنف واحد من الشعوب.

 

لغة القصة ( الأسلوب )

الأسلوب هو الصياغة اللغوية للحدث ، وتقديم الفكرة العامة بشكل مشوق، وغير مباشر الى الأطفال، ويجب أن يتميز أسلوب القصة الجيدة بما يلي:

* أن يكون باللغة العربية الصحيحة لأن الكتابة باللهجات العامية في مجملها  تؤثر تأثيرا سلبيا على ثقافة الطفل وذائقته.

* أن يكون قوياً قادرا على إثارة تفاعل الطفل.

أن يتميز بالتوافق النغمي، والتآلف الصوتي والموسيقي المستمر في مقاطع الجمل. *

أن تتماشى اللغة المستخدمة مع قاموس الطفل اللغوي ، وأن يكون في مقدوره فهمها وإدراك معانيها ، وأن يكون الأسلوب خاليا من الزخارف البيانية المعقدة وكذلك بعيداً عن السذاجة والسطحية .

* أن تحتوى على مفردات تثري قاموس الطفل اللغوي.

* أن يكون طول القصة مناسبا للطفل.

* أن لا تحتوي على مفردات غير مناسبة وغير مهذبة .

كيف يكون أدب الأطفال فاعلا فى إكساب الأطفال قيم التسامح وتقبل الآخر

إن تنشئة الطفل وتربيته على الاعتزاز بالهوية وعلى الشعور بالانتماء الحضاري والإنساني مع التشبع بثقافة التآخي والتسامح واحترام وحب الآخرين، والانفتاح على المجتمعات الأخرى ونبذ التعصب بجميع أشكاله الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية هي مسؤولية الحاضنة الأولى للطفل أي الأسرة ومن ثم المدرسة والمجتمع بصورة عامة. ولتحقيق هذا الهدف ينبغي على كلٍّ من الأسرة والمدرسة والمجتمع  التركيز على تكوين شخصية استقلالية للطفل معتزة بنفسها وصادقة وواثقة ومتواضعة وبعيدة عن التعصب بجميع أشكاله.

ولكي ينشأ الطفل على الاستقلالية ويعتاد الاعتماد على النفس ولا يصاب بالأمراض النفسية كالغيرة والحسد والازدراء والانتقام والتعصب، يجب على الآباء والأمهات أن يهتموا بهذا الطفل اهتماما بالغا منذ الصغر فيحاولوا أن ينموا مقومات الشخصية عند طفلهم بالقدوة الحسنة. يجب عليهم أن يسلكوا معه بصورة يعتقد الطفل معها أنه ذا شخصية مستقلة وأنه عضو حقيقي في الأسرة منذ نعومة أظفاره . و من أسلم الطرق وأفضلها في تعزيز شخصية الطفل هي احترامه والامتناع عن تحقيره وإهانته. ومن هنا ينبغي على الوالدين احترام الطفل في الأسرة والاهتمام بشخصيته. وكلما التزم الأبوان باحترام طفلهما والتسامح معه توجه هو إلى الآخرين بالحب والاحترام  والتسامح كذلك. وإلاّ قد تنمو لديه نزعة الكراهية والرفض  لنفسه وللآخرين.

ويشمل دور الأسرة أيضا اختيار الكتب لأبنائهم والتي تحترم كل هذه القيم فالكتاب أكثر تاثيرا على الطفل بما يحتوى من حكايا ورسوم قادرة على توصيل ما نريد أن نغرسه في الطفل، لأن العمل الإبداعي لا يحتوى التلقين والتوجيهات المباشرة والأوامر التي ينفر منها أطفالنا ..

وعلى الرغم من استحواذ الكمبيوتر والإنترنت على عقول أطفالنا إلا أن الكتاب الورقي لايزال ينال مكانته فالطفل يميل إلى قراءة الكتاب الورقي ويتفحص رسومه بدقة  وينقد ويناقش ولديه عين ثاقبة أحيانا  ولا زال يتأثر بما يقرأ ، فلا يصح ان نقدم له عملا إبداعيا يتكلم عن عدم التسامح مع الآخر إن أخطا ونطلب منه ألا يتأثر بمضمون الكتاب  ويصفح عن  صديقه الذي أساء إليه، أو أن نقدم له عملا يوضح الإصرار على الرأى مهما كان خاطئا وعدم تقبل الرأى الآخر ونطلب منه أن يتقبل الرأى الآخر .. فالطفل يتأثر بما يقرأ أكثر مما يوجه إلى بشكلٍ مباشر ..ولابد أن تراعي الأعمال الأدبية الموجهة للطفل هذه المناحي وأن نربي فيه ثقافة الإختلاف وتبادل الأراء والثقافات والمفاهيم وعدم التعصب والتسامح مع الذات وقبول الوضع.ككثيرٍ من الأعمال التي أراها جيدة وتبث هذا في نفوس الأطفال. 

الاكثر قراءة