الخميس 27 يونيو 2024

معركة الوعي واقتفاء الأثر

مقالات19-6-2024 | 15:15

تمر الأيام والسنوات على البعض فتتغير مواقفهم وتتبدل رؤاهم لمختلف الأمور من حولهم، تختلف أحاديث ألسنتهم وتتحول مشاعرهم تجاه الوطن من محبة وانتماء إليه إلى النقيض بشكل مزعج، ذاكرة هشة تصيبهم، وخيال سقيم يحرك عقولهم، فالنسيان آفتهم، والانقياد الأعمى والتبعية للغير هى قوتهم التي تحركهم؛ لا، بل هى سر ضعفهم وضحالة تفكيرهم، لقد تناسوا ما مر بوطنهم من أزمات من قبل، وطنهم الذي كاد أن يضيع للأبد وهو يخسر أمنه وبعض موارده ومقدراته شيئًا فشيئًا لتعم أرجائه الفوضى ما بين ليلة وضحاها، فيتم تجهيزه للعرض والبيع بأبخس ثمن، أو ربما بلا ثمن. 

هاهى الدول من حولنا تتساقط كفراشات تم خداعها لكي تهاجر صوب النور، وكان جل خطئها أنها حلقت بأجنحتها فوق فوهة بركان الأعداء الثائر أعجبها فيه لون اللهب، سُحرت أعينها وأغرمت بأشكاله التي تكونت بفعل تراكم الحمم.

الجهل يقتل متبعيه أحيانًا، والرحمة تهجر مكانًا يجهل قدره ساكنيه؛ استيقظوا وأيقظوا معكم وعيكم  وضمائركم، انتبهوا فالمخاطر على الأبواب تطرق بكل قوة وتتوعد، والبحر الهائج يحاول جرفنا مابين لحظة وأخرى إنه يدأب على التربص بنا منذ القدم ويترصد. 

هل تذكر ذلك اليوم الذي خرجنا فيه سويًا نندد بوضع كائن رغمًا عنا، وضع مؤلم كاد أن يدفع بنا إلى طريق هلاكنا، كنا نحمل معًا مطلبًا وحيدًا غاليًا، نادينا فيه بضرورة استعادة بلدنا الذي أوشك على الضياع من بين أيدينا، يوم افترشنا الحزن على أرضه وبكينا معًا خوفًا عليه من احتمالية فقدانه وفقدان هويتنا معه، رجونا الأمان والستر وحسب، تعالت صيحاتنا واختلطت جميعها لتهتف باسم مصر. 

ما أسوأ النكران! وما أتعس من سكن الجهل عقولهم! تمر الشائعات عليهم كريح عاصف فيحركونها بأيديهم ليزداد أثرها ويزيدون عليها بكلماتهم وتوقعاتهم الممتزجة بالحماقات؛ إنهم كالببغاوات تكرر ما تسمعه دون وعي أو إعمال لعقل، يشبهون أسراب من طيور هجرت أوكارها وحملت معها أعوادًا مشتعلة من الحطب، راحت تلقي بها هنا وهناك  لكي تبغي وتنتشر، وتفسح المجال ليأس لا حد له فيقتفي أثره من بعدهم العديد من البشر. 

لعل أفعالهم غير المسئولة تلك تذكرنا بنظرية كرة الثلج التي كلما مرت بمنحدر أخذت معها طبقة رقيقة من الجليد، حتى تكبر وتتضخم، تتغير وتتبدل وتتحول إلى كرة أخرى يجهل معالمها صانعها من قام بتشكيلها منذ البداية، يخطيء في التعرف عليها لأن حجمها تضاعف، هكذا هى حرب الشائعات التي يمر بها الوطن من الداخل والخارج.

بالوعي فقط سنتمكن من الانتصار عليها وبصلابتنا سيزول أثرها حين تذوب هى وتنصهر.

عندما يمر الوطن بالعديد من المحن يجب علينا أن نتعلم جيدًا كيفية التحمل من أجل بقائه بخير آمنًا، نفسر كل موقف وكل مشهد يعرض علينا بوعي وإدراك شديدين، نتعلم من تجارب غيرنا، نفكر للحظات ونوجه هذا السؤال لأنفسنا: هل كلنا نستحق الخير حقًا؟ وهل الصلاح والتقوى ما زالا يسكنان أنفسنا ويكفيان لجعلنا نحيا في جنة على الأرض؟ أم أننا ما زلنا في حاجة إلى تغيير لأنفسنا بأنفسنا؟ ها نحن قد طرحنا عليهم السؤال، وها نحن في انتظار الإجابة عنه بكل إخلاص وصدق.