الإثنين 1 يوليو 2024

30 يونيو.. وجماعة الإخوان المأزومة


ماهر فرغلي

مقالات29-6-2024 | 13:26

ماهر فرغلي

خرج مرسي على الشعب المصري بخطابه المثير للشفقة والسخرية، واعتصمت الجماعة في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وكان الهدف من ذلك هو جر الجيش والداخلية للعنف وإلى معركة يسقط فيها ضحايا وتسال فيها دماء، فيخرج الإخوان يبكون ويولولون ويمزقون الثياب ويخرجون الجنازات ويتهمون القوات المسلحة بقتل المدنيين المسالمين، وفشلت تلك المحاولات، فاستعانت بالجماعات الصغيرة، ومنها الجماعة الإسلامية، والجهاد، وطلاب الشريعة وحازمون، وتنظيمات سيناء، بحجة الخوف من سقوط المشروع الإسلامى، لتبدأ دورة العنف، وتظهر جماعات مثل «طلاب الشريعة»، و«حازمون»، التي قال مؤسسها: «أنتم الذين ستفكون أسر مصر... أما هؤلاء الذين رضوا واستكانوا فلا تتباكوا عليهم... إننا في رباط، والرباط بدأ من الآن»، وبعدها توالدت مجموعات أخرى، مثل "أحرار حازمون"، الذين أنشأوا فيما بعد على مواقع التواصل الاجتماعي "حازمون ولن نقهر بإذن الله"، و"حازمون حتى نهاية المطاف"، والأخطر كان ظهور تنظيمات السلفية الجهادية الجديدة في سيناء، وتنظيمات منها (جند الله – جند الإسلام – أنصار الإسلام – أنصار الشريعة – بيت المقدس) والأخيرة أعلنت مسؤوليتها عن حادث ذبح الجنود في رفح الأولى والثانية.

واندلعت ثورة الشعب المصري، وعقب عزل مرسي، وسقوط جماعة الإخوان، ثم اعتصامها في ميدان رابعة العدوية، والتناغم الذي حدث في الميدان بين كل صنوف الجماعات بما فيها السلفية الجهادية مع عناصر الجماعة، طرحت الجماعة عدة مشاريع كان أهمها ما يسمى بـ«المقاومة الإيجابية» أو النوعية، وبدأت اعتماد المبدأ الفقهي دفع الصائل، وأن أدوات الرد يجب أن تكون مفتوحة وبدون سقف، وتغطية هذه الأعمال باسم «المسار الثوري»، و«تعطيل أجهزة الدولة ومؤسساتها»، واعتماد ما أطلقت عليه "المنهج الثوري المبدع"، وإقرار أهمية تحول الجماعة لاستخدام العنف كخيار استراتيجي.

اعتمدت الجماعة مجموعتين لتبني الاستراتيجية السابقة هما: العقاب الثوري، وجبهة المقاومة الشعبية، وبعد القضاء عليهما، ظهرت كتائب حلوان، التي كان من المنظور لها أن تصبح جناحاً عسكرياً كبيراً للتنظيم، إلا أنه قضي عليها أيضاً.

وأعلنت "أنصار الشريعة في مصر" عن نفسها كجماعة منظمة على الأرض، تحت اسم "أنصار الشريعة – الطليعة السلفية المجاهدة"، التي ترأسها أحمد عشوش، و"أنصار الشريعة" التي ترأسها سيد أبو خضرة، كما نشأت الحركة الإسلامية لتطبيق الشريعة، على يد محمد حجازي مفتي تنظيم طلائع الفتح التابع لتنظيم الجهاد، وداوود خيرت، ثم انضم لها محمد الظواهري فيما بعد، وبعد عدة شهور بدأت بعض التنظيمات تكون فاعلة في عنفها بقوة وذات ثقل نوعي، مثل (كتائب الفرقان)، (أجناد مصر)، (بيت المقدس)، ومجموعات أخرى لم تكن ذات ثقل نوعي لأنها كانت متناهية الصغر، وتضم عدداً محدوداً من الأشخاص.

وفي يوم الجمعة 24 يناير 2014، أعلن البيان الأول لـ"أجناد مصر" عن تدشين حملة انتقامية بعنوان "القصاص حياة"، وفي نفس التوقيت ظهرت حركة "ثوار بنى سويف"، التي أعلنت مسؤوليتها عن محاولة اغتيال ضابط بمحافظة الفيوم، ومقتل طفلته، وقالت في بيان لها "أوشكنا على اغتيال شخصيات إعلامية معروفة"، كما في منتصف عام 2014 وحتى بداية 2016 ظهر ما يسمى (حركة العقاب الثوري)، وكانت أول عملياتها هو إطلاق الرصاص على كمين شرطة، كما جاء في بيانها التأسيسي الذي بثته على موقع «يوتيوب»، وقام بإذاعته شخصان يرتديان ملابس سوداء.

وأسست جماعة الإخوان (حركة سواعد مصر / حسم في 16 (يوليو) 2016، وأنشأت كذلك تنظيم لواء الثورة في 21 (أغسطس) 2016، وكانت أبرز عملياته استهداف كمين شرطة العجيزي في مدينة السادات بمحافظة المنوفية، ما أدى إلى مقتل ثلاثة من قوات الشرطة، يوم 22  تشرين الأول (أكتوبر) 2016، واغتيال العميد “عادل رجائي”.

تزامن ذلك مع التوافق بين أجندة بعض الدول مع الجماعة فكانت هي الحاضنة لما يجري، كما تزامن مع دراسة أعدها المركز الدولي للدراسات السياسية التابع للجماعة ببيروت، الذي خلصت دراسته إلى أن مسار الصراع الكامل ستنهزم به الجماعة، وأما مسار الصراع الجزئي فيمكن تطبيقه، عن طريق وسائل متنوعة منها: الثغرات المؤلمة.

وقسمت الجماعة التنظيم إلى: عمل جماهيري + عمل دعوى واستقطابي + عمل نوعي، وتم إنشاء مكتب القيادة العامة، الذي ضم ممثلين عن الجماعة بجميع دول العالم، ويختص بوضع السياسة العامة للجماعة دون التقيد بمصالح الدول، وتم إعداد استراتيجية العمل النوعي المسلح، تحت خطة أطلق عليها: (القيادة العامة للجان الحراك المسلح)، اعتمدت على المناهج الجهادية، وأخذت نفس الهيكل التنظيمي للحرس الثوري الإيراني وطبقته حرفياً، وكان فيها دورات تدريبية، في تصنيع المتفجرات، والتعامل مع المحققين، وتكنولوجيا المعلومات، مثل  (التزوير، الطباعة، التنكر، المونتاج، مقاومة التحقيقات)، وقسمت مصر لعدة قطاعات جغرافية رئيسية تتكون من مجموعة من الوحدات، والخطوط العملياتية وتضم عناصر حركية تختص بـ(الرصد، التنفيذ، التصنيع، التنكر).

تم تكليف عدد من قيادات المكاتب الإدارية ومنهم محمد عبد الرؤوف واسمه الحركي "الدكتور" بقيادة المجموعات النوعية المسلحة، حيث تم تقسيمها إلى مجموعتين، هما العقاب الثوري والمقاومة الشعبية، وساعتها وضع الموقع الرسمي للإخوان بمصر، البيان التأسيسي للمقاومة الشعبية على صفحته الرئيسية.

وهنا كانت البداية الحقيقة لظهور التصدعات في بدن الجماعة عقب ثورة 30 يونيو 2013، وعلى يد الأمين العام للجماعة محمود حسين، الذي دخل في ديسمبر 2014، بسبب جملة من القرارات اتخذها الفريق الآخر بإقالته لرفضه سياسات محمد كمال، ومن ثمّ أصدرت اللجنة الإدارية العليا للجماعة قراراً بإقالته، وأدلى هو بتصريحات تليفزيونية في ديسمبر 2015، نفى فيها ما صرح به المتحدث الإعلامي للجماعة حينها محمد منتصر، حول إقالته من منصبه كأمين عام للجماعة.

وعقب تصريحات حسين بيومين فقط، صدر قرار من مكتب الجماعة في العاصمة البريطانية، بإقالة المتحدث الإعلامي للجماعة، وهو القرار الذي فجر أزمة داخلية كبيرة حين تمردت للمرة الأولى، عدة مكاتب محلية تابعة للجماعة في عدة محافظات مصرية، منها القاهرة والفيوم والإسكندرية، وأعلنت رفضها الصريح لهذا القرار، وشكلوا ما يسمى تيار (ضمير الإخوان) ويتكون من 22 قياديًا بارزًا في الجماعة أعلنوا تأييدهم لإقالة حسين بتهمة تواصله مع الإيرانيين، وفساده الإداري والمالي.

وفي أواخر 2015 أصدر نائب المرشد محمود عزت، قرارًا بإقالة جميع أعضاء لجنة كمال، وتعيين آخرين، وفي شباط (فبراير) 2016، أصدرت (اللجنة الإدارية العليا) عن إجراء تعديلات على اللائحة الداخلية الخاصة بجماعة الإخوان في مصر، لتقديمها إلى ما يسمى (مجلس شورى الجماعة)، بإيعاز من الشيخ المقيم في قطر ساعتها يوسف القرضاوي، ورفض المرشد محمد بديع ذلك، واعترف في مارس 2017 ضمن رسالة قام بتوجيهها من السجن إلى أنصاره، بأن الجماعة باتت تعاني من انشقاقات أساسية، معلنا عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات الداخلية، التي أجرتها الجبهة المؤيدة لمحمد كمال.

انقسمت الجماعة قسمين، وأصبح لها متحدثان رسميان اثنان، وموقعان إلكترونيان أيضًا، وجبهتان رئيسيتان، الأولى هي جبهة القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود عزت، ومعه كل من محمود حسين أمين عام الجماعة، وإبراهيم منير، أمين التنظيم الدولي، وعدة قيادات في مكتب الجماعة في لندن، مثل محمود الإبياري، بجانب عدة شخصيات من الرعيل الأقدم من قادة الجماعة، مثل محمود البحيري. والجبهة الثانية هي الجبهة المؤيدة لعضو مجلس شورى الجماعة الذي وصلت له الأجهزة الأمنية.

ومن النقطة السابقة بدا أن الجماعة بها 3 تيارات، وفق الصحافي المقرب من الجماعة عبدالرحمن يوسف، تيار مع فكرة النفس الطويل والركون لفكرة المظلومية وبناء المظلومية والرهان على الخارج وتتبنى مفهوم الثورية السلمية بحدها الأقصى، ومجموعة ترى فكرة الثورية في حدود ممارسة القوة المشابهة ليوم 28 يناير 2011 والتي ترفع شعار ما دون القتل فهو سلمية، والمجموعة الثالثة ترى فكرة "القصاص" هي الفكرة المركزية التي يجب أن تدور حولها فكرة الثورية، وهي المجموعة التي شكّلت حركة حسم ولواء الثورة.

في عام 2019 تجددت الانقسامات باتهامات متتالية من شباب الجماعة، وقياداتها مثل أمير بسام، لمحمود حسين وإبراهيم منير، بفساد مالي كبير، وشرائهما لسيارات وشقق فارهة بتركيا ولندن من أموال الجماعة، ثم قيام فريقهما بتسليم القيادي بحركة حسم، محمد عبدالحفيظ إلى مصر، في شهر شباط (فبراير) 2019، وهذا فتح الباب واسعًا، لتسجيلات مصورة، يشتكي فيها عناصر الإخوان في تركيا، من شظف العيش وقسوة الظروف، في حين تنعم قيادات الجماعة بالأموال والسكن، والجنسية التركية.

وعقب وفاة منير انشطرت الجماعة مرة أخرى في صراع على القيادة والنفوذ والأموال، بين محمود حسين وصلاح عبد الحق، وكلاهما أعلن نفسه قائماً بأعمال المرشد.

وتحت عنوان (من الذي وضع رقبة الإخوان على السكين؟) كتب القيادي المؤسس لتنظيم الجماعة الإسلامية المصرية، عدة حلقات متتابعة في صفحته بالفيس بوك، يهاجم ويفضح جماعة الإخوان، وأنهم تسببوا في أزمة لمصر ولعناصر الجماعة، كاشفاً عن أسرار جديدة في الثورة المصرية تقال لأول مرة، مؤكداً على رؤيته أن الإخوان وضعوا رقاب عناصرهم على السكين.

في الحلقة الأولى أوضح عاصم أن مقالاته يمكن ألا تقبل من العناصر قائلاً: إن كان هدفي من هذه المقالات هو ذم هذه القيادات أو تحريض بعض المذبوحين من الإخوان وغيرهم عليهم، فإنني أعلم جيداً أن قواعد الجماعات الإسلامية عموما والإخوان خصوصاً تنسى لقادتها كل خطيئة إذا تعرضت هذه القيادة لانتقاد من الخارج وأن كثيرا منهم يتعاملون معه باعتباره عدوا من خارج الأمة والملة، وأنا على كل حال أقصد بمجموعة (المتهمين) خليطاً من مبادئ وتصورات وآراء وأخلاق وأوهام.

وبدأ عاصم في توضيح وجهة نظره أن الجماعة هي بنفسها السبب فيما آلت إليه الأمور وذكر ذلك بوضوح في معرض حديثه عن تنحي مبارك قائلاً: إن الجماعة أعلنت قبيل تنحي مبارك أنها في حال زواله لن تدفع بمرشح رئاسي، وكان الهدف من هذا الإعلان تسهيل عملية ذبح مبارك بقرار أمريكي، لكن بعد عام ونصف العام تراجعت الجماعة عن قرارها، ولم يكن تصريحهم بعدم الترشح عقدا بينهم وبين طرف ثان لا يجوز فسخه إلا بموافقة الطرفين، لكن المسألة هنا ليست فقط أنه من حقك أن تغير قرارك.. وأنك قد استعملت هذا الحق!.. المسألة هنا هي مدى ملائمة قرارك الجديد لواقعك الجديد، ثم هي أعمق كثيرا وأخطر كثيراً، إذا كنت تتحدث عن رئاسة مصر قلب العالم العربي.

وأجاب عن السؤال (كيف ولماذا غير الإخوان قرارهم ودفعوا بمرشح للرئاسة؟) فأكد كيف زوروا التصويت، وقال: تشجع بعضهم وقرر الدفع بالمهندس مدحت الحداد أحد قيادات الجماعة وعضو مجلس شوراها للحديث، وحسب روايته فإن مكتب الإرشاد طلب إعادة التصويت، وحدث في الكواليس أمران خطيران، الأول محاولة التأثير على بعض أعضاء المجلس لتغيير رأيهم والثاني إرسال بعض أعضاء المجلس إلى مهام دعوية وغيرها خارج البلاد لإنقاص الأصوات الرافضة!.

وفي مجمل حديثه عن أيام الثورة تحدث عن اللف والدوران لجماعة الإخوان من أجل الحصول على مكاسب ومقاعد فذكر واقعة حدثت أثناء اجتماعهم بالمجلس العسكري المصري قائلاً:  إنهم توقعوا أن يقدم المشير في هذا اللقاء ترضية للإخوان أو طمأنة لهم بأن يعطيهم وعدا ببعض مقاعد وزارية، وعندها كان الإخوان سيحجمون عن التقدم للرئاسة، وعندما سأل المذيع مدحت الحداد عن الأسباب التي دفعت الإخوان للدفع بمرشح فوجئ هو شخصياً كما فوجئنا نحن المشاهدين بالإجابة، (لأننا شاركنا في الثورة.. ولأن هذا من حقنا، ولم يبق لنا شيء بعد حل مجلس الشعب)، وعبثاً حاول المذيع المندهش صرفه عن هذه الإجابات والحصول على إجابة أخرى، لكنه رفض، وليست القضية إذن عند القيادي المعروف هي ضرورات متعلقة بالوطن أو الدين اضطرتهم اضطرارا للإقدام على هذه المغامرة المميتة.

يقول عاصم حول مفاسدهم التنظيمية: لا أريد أن أخوض في إثبات أن رفضهم دعم أبي الفتوح تحديداً كان لأسباب تنظيمية عنصرية بغيضة جداً.. دافع الرفض الحقيقي هو أنه صار في عرف الجماعة (وهو عرف خاطئ جداً وقبيح جداً وعنصري جداً) من الخبث الذي نفته الجماعة، فالجماعة تربي أبناءها تصريحاً وتلميحاً بالقول والفعل على أن الحق بداخلها والباطل خارجها.

محاولات عاصم لا تأتي في سياق هجوم على الإخوان من باب رفضه للتنظيمات بقدر ما هي حالة من التنافسية على مواقع النفوذ والتمويل الخارجي، حتى أنه لم يراجع موقف الجماعة من الدولة، وموقع الدولة من الأمة.

ومع مرور تلك السنوات، ومع ذكرى ثورة 30 يونيو لا تزال الجماعة منقسمة لثلاث مجموعات (محمود حسين) (صلاح عبد الحق) (الكماليين)، فأما المجموعة الأولى فتستمر في هجومها اللاذع على النظام المصري، خاصة عقب أحداث غزة، وأما مجموعة صلاح عبد الحق، وهي المجموعة الأكبر، فقد توقفت تماما عن الهجوم، وتنشغل خلال الأيام الفائتة بالعمل على ملف المصالح الداخلي مع المجموعتين الأخريين، ونجحت فقط في توقيف الحملات الإعلامية بين عناصر الجماعة، ولم تحرز أي تقدم حتى الآن هفي إعادة دمج التنظيم كوحدة واحدة، ليظل التنظيم منذ ثورة الشعب المصري وحتى الآن مأزوماً.