الإثنين 8 يوليو 2024

"الهجرة المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ".. موضوع خطبة الجمعة

خطبة الجمعة

تحقيقات5-7-2024 | 09:13

محمود غانم

تنشر بوابة "دار الهلال" نص خطبة صلاة الجمعة اليوم، التي جاءت تحت عنوان"الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار"، حيث تتناول الخطبة ما تضمنته الهجرة من العديد من الدروس، التي يأتي على رأسها حسن الأخذ بالأسباب، كذلك تتناول حديث القرآن عن علو منازل المهاجرين والأنصار.

إلى نص الخطبة:

الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار

الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابه الكريم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ العَظِيمُ}، وأَشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ سيدَنا ونبينا مُحَمَّدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلَّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ، وَعَلَى وصحبه ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: فقد كانت الهجرة النبوية من أهم أحداث الإسلام، حيث كانت بداية لمرحلة تأسيس الدولة وبنائها بالمدينة المنورة، وكانت مرحلة تحول هام في تاريخ الإسلام، فعندما اشتد الأذى بأصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الإذن لهم بالهجرة إلى المدينة المنورة حتى كان الإذن لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك بالمدينة المنورة كان بناء الدولة.

وقد تضمنت الهجرة العديد من الدروس من أهمها اليسر بعد العسر، والفرج بعد الشدة، وحسن وصدق التوكل على الله (عز وجل) مع حسن الأخذ بالأسباب فقد أخذ نبينا صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة المباركة بأقصى الأسباب منها اختياره الوقت المناسب للخروج، واتخاذه طرقًا غير مألوفة للوصول إلى المدينة المنورة واستعانته بشخصيات ماهرة حكيمة لتعاونه في طريق الهجرة.

وقد حف رحلته المباركة التأييد الإلهي في كل خطواتها ومراحلها، حيث أغشي الله (عز وجل) أعين المشركين المتربصين به فألقى على أبصارهم غشاوة، حيث يقول سبحانه: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}، وما كان من أمر وصول المشركين إلى باب غار ثور حتى قال سيدنا أبو بكر (رضي الله عنه): يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال (صلى الله عليه وسلم): "ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟! يا أبا بكر لا تحزَن إنَّ الله معنا"، وما كان من تعثر فرس سراقة بن مالك، وشاة أم معبد.

وقد تحدث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار حديثًا عظيمًا كاشفًا عن قوة إيمانهم، وعلو منزلتهم ونُبل أخلاقهم، فهم رجال صدق وثبات وفداء، يقول سيدنا عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد (صلی الله عليه وسلم) خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد (صلى الله عليه وسلم) فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم ، ويقول الله عزّ وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ويقول سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبَّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانِ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }، ويقول سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كريم}.

وها هو صهيب بن سنان الرومي (رضي الله عنه) يضحي بماله كله في سبيل الله (عز وجل)، فإنه حين أراد الهجرة قال له كفار قريش أَتَيْتَنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثْرَ مَالُكَ عِنْدَنَا، وَبَلَغْتَ الَّذِي بَلَغْتَ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك؟ وَاللهِ لا يكون ذلكَ، فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلْتُ لَكُمْ مَالِي أَتُخَلُونَ سَبِيلِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فإني جعلت لكم مالي، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (رَبحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى، رَبحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى).

واستقبلهم الأنصار بكل ود وترحاب وتحلوا بالإيثار في أسمى صوره، فآثروا إخوانهم المهاجرين على أنفسهم حتى من كان منهم في حاجة أو فاقة، فقد جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : إني أصابني جوع، فأرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى بيوته، فلم يكن فيها إلا الماء، فقال صلوات ربي وسلامه عليه): من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟ فقام رجل من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فاصطحبه إلى بيته، فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت : لا، إلا قوت صبياني، قال: فدعيهم يتلهون بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح ذهب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال له: (قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ)، ونزل قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين.

حديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار حديث الفداء والتضحية حديث الصدق في الإيمان، حديث الكرم والإيثار، قد ضرب المهاجرون والأنصار أروع الأمثلة في صدق الإيمان والتضحية في سبيله، فحين استشار النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه يوم بدر قام سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال وأحسن فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): (أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ)، فقام سعد بن عبادة رضي الله عنه من الأنصار، وقال: "إيَّانا تريد يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده لو استعرضت بنا هذا البحر فَحُضْتَهُ لَحُضْنَاهُ مَعَكَ"، ما تخلف منا رجل واحد ، إنهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. 

اللهم صل على سيدنا محمد وارض عن أصحابه من المهاجرين والأنصار وارض عنا معهم بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفار...