الثلاثاء 16 يوليو 2024

أدباء نوبل | التشيلي «بابلو نيرودا».. كان الشعر سلاحه الوحيد فأصبح من أفضل شعراء القرن العشرين

بابلو نيرودا

ثقافة13-7-2024 | 22:07

همت مصطفى

تعد جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر ويحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.

 

ومع قسم الثقافة ببوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.

نلتقى اليوم مع الكاتب   «بابلو نيرودا»

 الشاعر «بابلو نيرودا»  هو أحد أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيرا في عصره،  وصفه الروائي جابرييل جارثيا لوركا، أنه من أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم، كان «بابلو نيرودا»  ذا توجه شيوعي و يعد من أبرز النشطاء السياسين، كان عضوا بمجلس الشيوخ وباللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومرشح سابق للرئاسة في بلاده

 

الميلاد والنشأة

 

 ولد «ريكاردو اليسير نيفتالي رييس باسولاتو بابلو نيرودا»، بقرية «بارال» بوسط تشيلي بأمريكا الجنوبية، في 12 يوليو عام 1904، ورحلت والدته «روسا باسولاتو» بعد شهر من ولادته لإصابتها بمرض الدرن، ووالده «خوسيه ديل كارمن رييس»  ترك الريف ليعمل عاملاً في ميناء تلكوانو، حتى استطاع الحصول على عمل في السكة الحديد في «تيموكو»  في جنوب تشيلي

 

تعلم« نيرودا» حب الطبيعة في طفولته، وذلك خلال رحلاته بالقطار بين الأشجار الخضراء إلى «بوروا»، كانت هذه المنطقة في الماضي ساحة للمعارك بين المستعمرين الإسبان والأروكانوس الذين وبمرور الوقت جُردوا من أراضيهم ودمرت في وقت لاحق من قبل الزعماء المستوطنين «منطقة الأروكانا» هذه الأراضي الجنوبية المليئة بالبرد والرطوبة يحدها واحد من أنقى المحيطات هو المحيط الهادي.

مشاعر الوحدة والحب

 

وتعكس «منطقة الأروكانا»  شاعرية الإحساس باليأس وشعور الإنسان بالوحدة والحب والتي ظهرت في ديوان قصائد «بابلو نيرودا» الشهيرة  بعنوان «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة)» وهو الكتاب الذي أوصل صاحبه إلى المحافل العالمية والدولية ومنحه شهرة واسعة مثل شهرة الكاتب الكبير روبن داريو إذ استحق جائزة نوبل عام 1971م ،  كما نشرت الصفحة الخاصة بمعهد «ثربانتس»  في الصفحة الخاصة بمسيرة الكاتب إلكترونيا.

 

انتقلت عائلة «نيرودا» عام 1906 إلى «تيموكو» وهناك تزوج والده للمرة الثانية من «ترينيداد كانديا ماربيردي» التي كانت بالنسبة ل«نيرودا» بمثابة أمه أو«الملاك الحامي».

 

دخل نيرودا المدرسة الخاصة بالأولاد فقط،  تابع دراسته حتى أنهى الصف السادس في دراسة العلوم الإنسانية عام 1920م  وكانت  البيئة الطبيعية المتفردة لمدينة تيموكو  الممتلئة بالغابات والبحيرات والأنهار والجبال هي التي شكلت العالم الشعري ل«بابلو نيرودا»  ونقل بها  قصائده إلى العالم كله.

 

الأكثر شهرة في القرن العشرين 

كتب «نيرودا» قصائد وهو في العشرين من العمر والتي نشرت أولا في أنحاء تشيلي ولتنتقل بعدها إلى كافة أرجاء العالم لتجعل منه الشاعر الأكثر شهرة في القرن العشرين من قلب أمريكا اللاتينية.

 

من أشهر دواوين «نيرودا» «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» التي ترجمت أكثر من مرة إلى اللغة العربية،  ونها كتب «في هذه الليلة، أنا قادر على كتابة أكثر القصائد حزنًا» .

 

كتب «نيرودا» سيرته الذاتية بعنوان «أشهد أنني قد عشت» وترجمت إلى العربية منذ سبعينات القرن الماضي، و عندما أطاح الجنرال «بينوشيه» بالحكومة الاشتراكية المنتخبة ديمقراطياً وقتلوا الرئيس سلفادور أليندي، هجم الجنود على بيت الشاعر وعندما سألهم ماذا يريدون أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح فأجابهم الشاعر أن الشعر هو سلاحه الوحيد.

 

تجلت موهبة شاعرنا وكاتبنا الشعرية  قبل أن يكمل عامه الخامس عشر وتحديدا عام 1917م، وفي عام 1920م، واختار لنفسه اسما جديدا هو«بابلو نيرودا»، في مارس عام 1921م قرر السفر إلى «سانتياجو» حيث استقر هناك في بيت الطلبة لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية التي كان يجيدها مثل مواطنيها، وفي العام نفسه اشترك في المظاهرات الثورية التي اندلعت في البلاد آنذاك.

 

حياة أسرية..  ومنقذًا حقيقيًا

 

وفي عام 1924م هجر«نيرودا» دراسة الفرنسية وتخصص في الأدب وكتب ثلاثة أعمال تجريبية وذلك قبل أن يبدأ رحلة تعيينه سفيرًا في العديد من البلدان تنتهي بسفارته في الأرجنتين عام 1933م، وذلك  بعد زواجه من الهولندية «ماريكا» بثلاث سنوات والتي انتهى زواجه منها بإنجاب طفلته «مارفا مارينا» التي ولدت في مدريد في الرابع من أكتوبر عام 1934، و بعد شهرين من العام نفسه تزوج «نيرودا»  من زوجته الثانية « ديليا ديل كاريل الأرجنتينية الشيوعية والتي تكبره بعشرين عاما، ورغم كونه عمل سفيرا في العديد من الدول الأوروبية إلا أن ذلك لم يزده إلا إصرارا على أن الشيوعية -التي اندلعت شرارتها في روسيا- ليست سوى المنقذ الحقيقي والحل السحري لكل المشكلات ورغم المتاعب التي سببها له هذا الاتجاه السياسي إلا أنه ظل متمسكا به إلى حد استقالته من عمله الدبلوماسي.

وتوفي والد «بابلو نيرودا» عام 1938م، ثم توفيت زوجته الأولى عام 1942م،  ومع عام 1968 يمرض« نيرودا» بمرض يقعده عن الحركة.

جائزة نوبل .. لماذا؟

نال «بابلو نيرودا» العديد من الجوائز التقديرية منها الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد، وكتب عنه الناقد الأدبي «هارولد بلووم»: «لا يمكن مقارنة أي من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق عصره». 

 ونال «نيرودا» جائزة نوبل في الآداب وفي 21 أكتوبر 1971م، ووفقا لموقع جائزة النوبل الرسمي فقد حصل عليها: «لأشعاره الممزوجة بالقوة العنصرية والتي تحضر أحلام ومصائر حية»

الشعر.. سلاح «نيرودا» الوحيد

 

وعندما عاد إلى شيلي استقبله الجميع باحتفال عظيم في استاد «سانتياجو» وكان على رأس الاحتفال الرئيس «سلفادور الليندي» الذي لقي مصرعه بعد ذلك خلال الانقلاب الذي قاده «بينوشيه» وعندما قتل الانقلابيون الرئيس «أليندي» جاء جنود «بينوشيه» إلى بيت «بابلو نيرودا» وعندما سألهم الشاعر ماذا يريدون قالوا له: «جئنا نبحث عن السلاح في بيتك، فرد قائلا: «إن الشعر هو سلاحي الوحيد»

رحيل وأثر باق

 

وبعدها بأيام توفي «نيرودا» أحد أفضل شعراء القرن العشرين في 23 سبتمبر 1973م، متأثرا بمرضه وبإحباطه من الانقلابيين، حتى إن آخر كلماته ولعلها آخر جملة في كتاب سيرته الذاتية: «أعترف أنني قد عشت» كانت: «لقد عادوا ليخونوا تشيلي مرة أخرى».