تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "الرسالة" للكاتب حسن عبد الرحمن، وذلك إيمانا من المؤسسة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.
نص القصة
تعودت زوجته أن ترسل له رسالة كل يوم.. إلا إن هذه المرة كانت الرسالة مفادها.. "الحقني تعالى بسرعة..
بدون أية تفاصيل.. لملم حاجاياته في عجالةٍ وخرج من البناية التي فيها موقع عمله وركب سيارته مسرعا إلى المنزل.. كانت الساعة تقارب العاشرة مساء.. انحني بسيارته قاصدا شارعه إلا أن الشارع كان يغط في ظلام عميق بسبب انقطاع التيار الكهربائي كالعادة.. أخذ يتحسس مدخل العمارة التي يقطن بها التي كانت غارقة في الظلام.. وهو بالكاد يرى بريق مفتاح الباب الذي أخرجه من جيبه بصعوبة بالغة.. إذ أن يداه اليمني مكسورة من أثر حادث مروري أثناء قيادة سيارته.. عندما مر قط أسود أمام السيارة فجأة.
أخرج مفتاح البوابة الخارجية بصعوبة على ضوء القمر.. إلا إنه وجد يد تفتح له الباب.. فشكرها ودخل معها إلى مدخل العمارة وأخرج هاتفه المحمول وأضاء الكشاف الخاص به.. فرأي ملامح سيدة عجوز.. ذات وجه مستدير وعينان تلمعان لهما بريق ومنخار مدبب، ترتدي جلباب داكن اللون، يكاد يرى رأسها فقط من شدة الظلام.. ودار بينهم الحديث.
- أنا متشكر جدا على مساعدتك.. النور النهاردا..
- النور النهاردا قاطع معلش يابني إنت طالع الدور الكام؟
- أنا طالع الخامس
- وحضرتك؟
- أنا ساكنة في الخامس من ميت سنة تقريبا كدا..
- ساكنة في الخامس إزاي؟.. وبعدين أنا أول مرة أشوفك هنا.. أنا هنا من أكتر من عشرين سنة أيام ما كانت الشقة بتاعة العيلة.. ثم تعالي هنا العمارة على شقة واحدة يبقى أنت ساكنة في نفس الشقة؟
فجأة يعود التيار الكهربي أثناء حديثة مع السيدة المسنة.. وقد اختفت فجأة كما ظهرت فجأة..
- إيه فيه إيه؟ أنا باين عليّ تعبان من الشغل وكنت بكلم نفسي، ولا كان في ست عجوزة ولا حاجة، مش يمكن من تأثير الحادثة؟.. أو يمكن الست دي جنية والا قطة سودا..؟ ياليلة سووودااااا..
وجد المصعد مفتوح فدخل مسرعا وقبل أن يطلب الدور الخامس سمع صوت يقول له: حضرتك طالع الدور الخامس معايا؟
يلتفت فجأة أثر المتحدث وقد تسمر من الخوف.
- أيوا طالع الدور الخامس.. بس مين حضرتك أصلا؟
- إيه دا.. إنت مش عارفني؟
- لا الصراحة مين.. صاحبة مراتي؟ وجايه تزورينا الساعة حداشر بالليل مثلا.. والا قريبتي من زمان وأنا مش عارف؟ والا والا
- طب بس بس أنا سميرة.. قصدي طنط سميرة بنت عمة أبوك اللي عايشة في الهند من يجي عشرين سنة كدا.
توقف المصعد بالدور الخامس إلا إن هناك أصوات موسيقى صادرة من شقته والباب مفتوحًا على مصراعيه.. دخل إلى شقته مسرعا وجد عدد من الناس كبير وكأنه عيد ميلاد أحدهم.. ودخلت طنط سميرة تسلم على الحضور وكأنها تعرفهم جميعأ.. وزوجته تتوسط الحضور وتغني وترقص وتتلوي معهم على أنغام الموسيقى، أما السيدة العجوز التي قابلها في مدخل العمارة كانت تقف قرابة الشرفة تنظر إلى الخارج.
- ياست هانم ياللي بترقصي ممكن تفهميني مين دول وعيد ميلاد مين دا؟
- حبيبي إنت جيت.. معقولة مش فاكر عيد ميلادك؟ طب مش فاكر قرايبك دول؟ طب ممكن تجيب الحاجة الساقعة من الثلاجة بسرعة.. وما تنساش التورتة.
دلف إلى المطبخ في حيرة شديدة وهو لا يفهم شيء ولم يدرك ولا يعرف من في منزله ومن أقرابائه الموجودين في صالة منزله يقيمون حفل عيد ميلاده.. خصوصا أن والده المرحوم ووالدته لم يحدثانه عنهم قبل ذلك اليوم...
انقطع صوت الموسيقى وهدأت الأصوات بالخارج.. وسمع صوت ارتطام جسم آدمي على الأرض فخرج على أثر الصوت بسرعة.. وجد جثة سميرة ملقاة على الأرض وصالة المنزل خالية تماما وكأن لم يحدث بها أية حفلات ولا غيره.. نظيفة تماما.. أخذ يقلب في الجثة يمينا ويسارا... ثم يجوب صالة شقته ذهابا وإيابا وهو يضع يده على رأسه غير مصدق ما حدث.
- طب إيه العمل؟ ومين اللي موت سميرة؟ إذا كان اسمها سميرة طب أتصرف إزاي في الجثة؟.. لو نزلت دلوقتي وأنا شايلها وحطيتها في شنطة العربية أكيد البواب هيشوفني ويبلغ عني.. طب أقطعها نصين وآخدها أرمي نص في النيل والتاني في المطعم؟ أنا بقيت مجرم وبفكر زي المجرمين؟ طب دا أنا إيدي مكسورة طب هعمل إيه؟ الله ومين اللي قتلها وجاي يقتلها في شقتي ليه؟ الله وفين مراتي.. يانهار أبيض لتكون اتقتلت هي كمان..
ترك الجثة مكانها في وسط الصالة وذهب مسرعا إلى غرفة زوجته.. فلم يجدها.. فخرج مرة أخرى إلى الصالة فوقع على الأرض بسبب تعثره في جثة السيدة العجوز التي تبدلت مكان جثة سميرة.. وقع بجوارها وجهه أمام وجهها مباشرةً..
قام واقفا كالذي لدغة عقرب بين عينيه..
- هو فيه إيه مش الجثة دي كانت جثة سميرة؟ طب جثة سميرة راحت فين؟ ومين قتل الست العجوزة دي؟.. ومين بدل الجثث مكان بعض..أروح فين طب أبلغ البوليس؟ ولما يجي البوليس هيعتبرني أنا اللي قتلت الست دي ويمكن أروح المشنقة على حاجة أنا ما عملتهاش.. أتصل بحسام صاحبي يشوف لي حل في المصيبة دي.
- ألو.. يا حسام ممكن تيجي عندي دلوقتي حالا أنا عندي مصيبة كبيرة ومش عارف أحلها إزاي وإنت الوحيد اللي ممكن تشيل معايا..
- أشيل معاك إيه؟ أنت مجنون يابني؟
- أه أنا مجنون تعالى بس علشان في كام شوال قديم في البيت كدا وعايزين نشيلهم أنا وأنت علشان ريحتهم مضايقة مراتي.. اخلص بقى يا حسام وتعالى بسرعة..
- يابني أجي فين؟ إذا كان أنت عندي أنت ومراتك من الصبح وبنحل معاكم مشكلة الفسيخ اللي عندكم في البيت اللي الست العجوزة بتاعة الدور الرابع اللي أصرت إنك تاخده وعملت مشكلة مع مراتك بسبب ريحته الوحشة.. وإنت دلوقتي بتكلمني من الأوضة التانية اللي في شقتي علشان مراتك لسا زعلانة منك بسبب القرف اللي إنت عايز تأكله دا.. اخرج وصالح مراتك وبلاش لعب عيال.
- طب استني كدا هبص عليها في الأوضة عندي كدا..
حسام أنت إزاي بتقول إني عندك؟ وإن مراتي قاعدة مع مراتك في بيتك وهي نايمة جوا في الأوضة دلوقتي أهو..
- بقولك إيه اخرج من الأوضة هتلاقيني قاعد برا يا عم بلاش هزار بقى.
خرج من الحجرة مسرعًا ليجد زوجته جالسة مع زوجة حسام صديقه.. غير إنه استيقظ على صوت رسالة آتيه من هاتفه المحمول.. ووجد نفسه لايزال في مكتبه وكانت الساعة قاربت على الواحدة مساءً.. وكانت الرسالة من زوجته.. "الحقني تعالى بسرعة".