الإثنين 29 يوليو 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الأول «يوم ولادتي» (7-3)

جرجي زيدان

ثقافة28-7-2024 | 14:49

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

تفتح هذه المذكرات نافذة فريدة على حياة رجل استثنائي شق طريقه من أزقة بيروت الضيقة إلى آفاق المعرفة الرحبة، إن إعادة نشر هذه المذكرات اليوم لا تقتصر على مجرد الاحتفاء بذكراه، بل تمثل دعوة للأجيال الجديدة لاستلهام روح الإبداع والتحدي التي جسدها زيدان في حياته وأعماله، تروي هذه الصفحات رحلة ملهمة لفتى طموح تحول إلى رائد نهضوي غيّر وجه الثقافة العربية.

يتناول الفصل الأول من هذه المذكرات، أصل أسرته، وعصامية والده ووالدته، وما كانا عليه من جد ونشاط، على الرغم مما أحاط بهما من ظروف قاسية.

 

الفصل الأول: يوم ولادتي

وانقضت تلك الحوادث، ولم تصب بيروت بضرر يذكر، وعاد الناس إلى أعمالهم، ووالدي في دكان بالقرب من البرج الكشاف، وأخذت مكاسبه تتزايد، وولد له الأولاد، وأولهم أنا.. ولدت في أواخر سنة 1861 ولم أكن أعرف يوم ولادتي بالتدقيق، لأن أبي لم يكن يكتب، ولا أمي، وإنما كانوا يقولون لي إني ولدت في التشارين، أي في الخريف، وقد عينوا عيدًا مشهورًا لا أذكره، فبعد أن كبرت وأحببت أن أعرف يوم ولادتي، كنت في مصر، وعزمت أني لما أزور بيروت فأول شيء أبحث عنه تاريخ تنصيري في سجل الكنيسة، لاعتقادي أنا أن الكنيسة تؤرخ عمادات رعاياها، وإذا عرفت العماد ربما رأيت معه يوم الولادة.

فلما زرت بيروت في السنة التي تزوجت فيها ( 1891 ) سألت قسيسنا القديم، واسمه الخوري موسى، وكان رجلًا ساذجًا وعاش عمرًا طويلًا، ورعاياه يحبونه لسلامة نيته، فلما أتى للسلام عليَّ سألته عن الدفتر الذي فيه التسجيل المشار إليه، فقال: "ليس عندنا قيد ولا سجلات يا ابني فلم نكن نسجل المعمدين".

فشق على ذلك، وأظهرت استغرابي، وكان والدي رحمه الله حاضرا، فسألني عن غرضي، فقلت: "إني أسأل الأب عن سجل العماد" فقال: "إنه ليس عندهم"، وقال: "لماذا؟"،  فقلت: "لأستخرج منه تاريخ ولادتي" فضحك وقال "اسألني فأنبئك، أن يوم ولادتك لا يضيع أبدا، أنك ولدت في اليوم الذي مات فيه ملك الإنجليز" وهو يعني زوج ملكة الإنجليز البرنس البرت.

فقلت: "وكيف عرفت ذلك؟"، فقال: "عرفته لأني أذكر جيدًا الليلة التي ولدت فيها، فقد كنا ساهرين، فسمعنا طلق مدافع في البحر من دوارع إنجليزية كانت راسية هناك، فسألنا عن السبب، فقيل لنا أن ملك الإنجليز مات".. فعلمت إذ ذاك أني ولدت في 14 ديسمبر 1861، وهو اليوم الذي توفى فيه البرنس ألبرت.

الاكثر قراءة