الإثنين 5 اغسطس 2024

أبرز ملامح مشاركة مصر في حرب القرم

لوحة رسمها فرانس روباد أثناء حصار سيفاستوبول

ثقافة5-8-2024 | 09:14

إسلام علي

وقعت حرب القرم في الفترة في القرن التاسع عشر الميلادي في الفترة ما بين 1853 إلى 1856م، شاركت فيها العديد من الدول في تحالف ضد الإمبراطورية الروسية، وكان هذا التحالف يتكون من بريطانيا وفرنسا ومملكة سردينيا والدولة العثمانية والتي شاركت بدعم من القوات المصرية.

ويعد مشاركة هذه الدول مجتمعة لأجل إيقاف التوسع الروسي في منطقة البحر الأسود والبلقان، ويعود مشاركة مصر في تلك الحرب إلى عهد الوالي عباس حلمي الأول والذي حكم في الفترة ما بين 1848 و1854، والذي قرر بشكل قاطع المشاركة في تلك الحرب لأجل دعم الإمبراطورية العثمانية  ضد الروس.

النتائج الاقتصادية

تحملت مصر جزءا من تكاليف هذه الحرب، بحيث أرسلت القوات والدعم الخاص بهم من المعدات الحربية، وذلك أثر على الموارد المالية المصرية في تلك الحرب، وكان من أهم تبعيات هذه الحرب هي تعطيل التجارة نتيجة الصراع في المنطقة، وزيادة الديون على مصر بسبب التكاليف الباهظة للحرب مما جعل مصر تعتمد على القروض الخارجية.

النتائج السياسية

ساهمت المشاركة المصرية في حرب القرم في توسيع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وإسطنبول، وذلك أدى بدوره إلى تخفيف حدة التوترات بين الدولة العثمانية ومصر وذلك بسبب مطالبة أحفاد محمد على بالرجوع إلى الحكم الذاتي والإستقلال الذي كانت تتمتع به مصر في عهد محمد علي باشا.

ووصل عباس حلمي الثاني إلى ما كان يطمح إليه وهو تعزيز الحكم الذاتي المصري، بحيث أصبحت الدولة العثمانية تعتمد بشكل أكبر على مصر، مما منحها مرونة أكبر في إدارة شؤونها الداخلية.

ونظرا لمساعدة مصر للدولة العثمانية ومشاركته في حرب دولية واسعة أدى إلى تعزيز الدور الإقليمي لمصر كقوة داعمة للدولة العثمانية، مما أعطى مصر مكانة أكبر في السياسة الإقليمية.

النتائج العسكرية

تطورت مصر من الناحية العسكرية وذلك بسبب اكتسابها خبرات كبيرة في التكتيكات العسكرية الحديثة بفضل مشاركتها مع قوة عالمية مؤثرة كالإمبراطورية العثمانية بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا، مما أثر لاحقا على التطورات العسكرية في مصر.

ومن جانب آخر، كان التعاون مع الجيوش الأوروبية خلال العمليات العسكرية أدى إلى تنظيم تدريبات مشتركة وتعليمات ميدانية، مما ساهم في تحسين مستوى تدريب الجنود المصريين، وحصلت مصر في تلك الحرب على أسلحة ومعدات حديثة في ذلك الوقت مما عزز من القدرات القتالية المصرية.

وبدأت مصر في تطوير صناعاتها العسكرية لتلبية متطلبات الحرب، بما في ذلك إنتاج الأسلحة والذخائر، مما أدى إلى نمو الصناعات العسكرية المحلية، وتطورت البنية التحتية في مصر كثيرا بسبب تلبية احتياجات الجيوش المتحركة مما ساهم في تطوير شبكة الطرق والسكك الحديدية.

الجيش المصري في القرم

حدثت معركة سيفاستوبول فيما بين عامي 1854-1855، وتعد واحدة من أطول المعارك وأكثرها دموية في الحرب، تعرضت القوات المصرية، مثل باقي قوات التحالف، لخسائر كبيرة في الأرواح والمعدات بسبب الحصار الطويل، وفي نفس الوقت، كان نقل القوات المصرية إلى جبهة القرم وتزويدها بالمؤن والأسلحة كان تحديا كبيرا، عانت القوات من نقص في الإمدادات والظروف الصعبة.

ومن جانب أخر، لم تكن القوات المصرية معتادة على المناخ البارد والظروف الجغرافية الصعبة في منطقة القرم، مما أدى إلى إصابة العديد من الجنود بالبرد والأمراض المختلفة، مما أثر على قدرة الجيش على القتال، و مثل بقية الجيوش المشاركة في الحرب، عانت القوات المصرية من الأمراض والأوبئة التي انتشرت في معسكرات الجيش، مما أدى إلى انخفاض الروح المعنوية والفعالية القتالية.

تعرضت القوات المصرية إلى بعض الهزائم التكتيكية وذلك بسبب صعوبة التنسيق وقتها مع القوات المختلفة المشاركة في الحرب، ويمكن القول أن القوات المصرية كانت جزءا من التحالف المنتصر وساهمت بشكل كبير في الجهود الحربية في المجمل، وجدير بالذكر، أنه لم يكن النصر نصرا فرديا للقوات المصرية، لكنه كان نتيجة للتعاون الوثيق والتنسيق بين مختلف قوات التحالف.

انتهت تلك الحرب بمعاهدة باريس عام 1856م، والتي قضت بإعادة الوضع في البحر الأسود إلى ما قبل الحرب وتم إعلان هذه المنطقة منزوعة السلاح، فضلا عن نجاح تلك الحرب في الحد من التوسع الروسي في منطقة البلقان والبحر الأسود، مما ساعد في الحفاظ على توازن القوى في أوروبا، وحماية سلامة الدولة العثمانية ووحدة أراضيها.