الإثنين 5 اغسطس 2024

ما بين الديني والثقافي.. تجديد الخطاب الذي يحتاجه الوطن

طه فرغلي

مقال رئيس التحرير 5-8-2024 | 17:50

طه فرغلى

التضافر والتكامل

بين الخطاب الدينى والثقافى،

هو ما نحتاجه فى هذه المرحلة، فالأمر لا يحتمل الصراع، وقضية الوطن لا تحتاج التناحر

يجب أن تتحرك المؤسسات الثقافية من خلال وزارة الثقافة من أجل الإسراع فى وضع استراتيجية هدفها خطاب ثقافى جديد يقوم على التنوير

قضينا سنوات طويلة والحديث متواصل حول تجديد الخطاب الديني، ويستتبعه بالضرورة قضية أخرى لا تقل أهمية تجديد الخطاب الثقافي، وبين الثقافي والديني، يحتاج الأمر الكثير من العمل الجاد والمدروس، والقليل من السفسطة والمعارك الجانبية.

وتتضح أهمية القضية جليا من خطاب التكليف الرئاسي لحكومة الدكتور مصطفى مدبولي الجديدة، حيث كان أحد المحاور الرئيسية التأكيد على تطوير ملفات الثقافة والوعى الوطني، والخطاب الديني المعتدل، على النحو الذى يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.

يخوض الوطن معركة شرسة على كل الجبهات، ومخطئ من يعتقد أن أمر الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، قد انتهى، ولكن المعركة ممتدة، والفكر المتطرف يتربص بنا الدوائر، والذئاب تتحين الفرصة للانقضاض، لذلك تبقى مواجهة الأفكار المتطرفة والتكفيرية ضرورة حتمية.

 التضافر والتكامل بين الخطاب الدينى والثقافى، هو ما نحتاجه فى هذه المرحلة، فالأمر لا يحتمل الصراع، وقضية الوطن لا تحتاج التناحر، والمؤسسات المعنية جميعها يجب أن تعمل فى تناغم وانسجام تام، والهدف إنتاج خطاب ثقافى دينى يتماشى مع هوية مصر الوسطية، التى لم تعرف التطرف يومًا، ولفظت الجماعة الإرهابية وثارت عليها حينما حاولت تغيير هويتها وثوابتها التى تشكلت عبر التاريخ وفرض خطاب متشدد تكفيرى لا يحترم الآخر ولا المختلف.

الدولة تبنى وتسير فى طريقها نحو الجمهورية الجديدة، والتنمية باتت مشهودة فى كل شبر من أرض الوطن، وبالتوازى مع هذا يجب أن يمتد الأمر للخطاب الدينى والثقافي، والمؤسسات الثقافية والدينية واجب عليها أن تتبنى خطة واضحة للتجديد قائمة على محاور قابلة للتنفيذ خلال فترة وجيزة، فالأمر لا يحتمل التسويف والتأجيل.

وهناك مؤسسات قطعت شوطا كبيرا فى التجديد وبنت استراتيجية متكاملة، والمثال البارز هنا دار الإفتاء المصرية، التى سارعت منذ أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى دعوته لتجديد الخطاب والفكر الدينى، وتلقفت الدار الدعوة وسارت فى طريق التجديد بخطى حثيثة، وأطلقت خطتها الشاملة لمواجهة الأفكار المتطرفة والمتشددة، ووقفت للجماعات التكفيرية بالمرصاد تنافح عن الوطن والدين والوسطية، وأنشأت المراكز الفكرية والبحثية للمواجهة والرد بالحجج العلمية الرصينة على كل متطرف متشدد، وتفنيد الفتاوى الشاذة والتكفيرية، من خلال مرصد متخصص يضم نخبة من العلماء الأفذاذ الذين تم تأهيلهم علميا وفكريا ليكونوا على قدر المواجهة، والفضل هنا للدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، العالم المستنير الواعى، الذى استطاع إدارة دار الإفتاء بشكل مؤسسى ومنهج علمى رصين لا يقوم على الفرد، ولكن على مجموعة عمل متكاملة فى كل القضايا الفقهية والفكرية، وكان من نتاج ذلك تدشين الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، والتى تلعب دورا بارزا فى المواجهة الفكرية والعلمية للأفكار المتطرفة على مستوى العالم من خلال التواصل مع دور وهيئات الإفتاء فى جميع الدول ونشاط أمينها العام الدؤوب الدكتور إبراهيم نجم.

ويأتى تكليف العالم المستنير الدكتور أسامة الأزهرى بمنصب وزير الأوقاف ليؤكد النهج الذى تسير فيه الدولة نحو خطاب دينى مستنير وسطى معتدل يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام الاجتماعى.

وفى إطار الأزهر الشريف تعمل دار الإفتاء ووزارة الأوقاف بشكل مؤسسى فى رحاب المؤسسة الأزهرية الوسطية وتحت رعاية الإمام الطيب شيخ الأزهر.

ومع المؤسسات الدينية يجب أن تتحرك المؤسسات الثقافية من خلال وزارة الثقافة من أجل الإسراع فى وضع خطة واستراتيجية متكاملة هدفها خطاب ثقافى جديد يتماشى مع المرحلة، التى تمر بها مصر يقوم على التنوير ومواجهة التشدد، ويصل إلى كل ربوع المحروسة.

والأمر يتطلب تنسيقا مشتركا بين المؤسسات الدينية والثقافية، وهلالنا هذا الشهر يطرح القضية من خلال نخبة من الكتاب والمثقفين يرسمون خريطة واضحة تحدد المطلوب من أجل إنتاج خطاب دينى ثقافى يحتاجه الوطن فى هذه المرحلة.