السبت 10 اغسطس 2024

قصيدة "بطاقة هوية" لمحمود درويش .. صرخة الفلسطيني المتمردة

محمود درويش

ثقافة9-8-2024 | 14:59

أبانوب أنور

"أنا عربي و ورق بطاقتي يساوي ألفًا وأطفالي خمسة وثامنهم سيولد بعد صيف!" بهذه الكلمات القوية يبدأ الشاعر الفلسطيني محمود درويش قصيدته الشهيرة "بطاقة هوية"، والتي لم تكن مجرد نص شعري بل كانت بمثابة صرخة أجيال، وحدثًا فارقًا في المشهد الشعري العربي والفلسطيني على حد سواء. وقد تركت هذه القصيدة أثرًا بالغًا وواضحًا على مستوى الشكل والمضمون.

تعتبر قصيدة "بطاقة هوية" واحدة من أبرز قصائده التي تعبر عن الهوية الفلسطينية ومعاناتها تحت الاحتلال. تهدف هذه القصيدة إلى تسليط الضوء على التناقض بين الهوية الحقيقية للشخص الفلسطيني وهويته المسجلة في الوثائق الرسمية، والتي لا تعكس حقيقة انتمائه إلى أرضه وتاريخه.

تدور القصيدة حول الهوية الفلسطينية المسلوبة، وكيف أن الاحتلال يحاول فرض هوية جديدة على الفلسطينيين، تتعارض مع هويتهم الحقيقية المتجذرة في الأرض والتاريخ، الشاعر نفسه هو الشخصية الرئيسية، وهو يتحدث بصوت الفلسطيني الذي يشعر بالغربة في أرضه، ويقاوم محاولات طمس هويته.

استخدم درويش لغة بسيطة وواضحة، مع قدر كبير من الشحن العاطفي. استخدم التكرار والتضاد لتعزيز المعنى، مثل تكرار عبارة "أنا عربي" وتضاد بين الأرض والإنسان، وتتكون القصيدة من مقاطع قصيرة، كل مقطع يعبر عن جانب من جوانب الهوية الفلسطينية المسروقة.

تسود القصيدة أجواء من الغضب والمرارة، ولكنها في الوقت نفسه تحمل شعورًا قويًا بالفخر بالهوية الفلسطينية، حيث أن الرسالة الأساسية للقصيدة هي التأكيد على الهوية الفلسطينية الأصيلة، ورفض أي محاولة لطمسها أو تغييرها. كما تدعو القصيدة إلى التمسك بالأرض والتاريخ، والتمرد على الاحتلال.

أهم الرموز في القصيدة، «بطاقة الهوية» رمز للهوية المفروضة، وهي لا تعكس الهوية الحقيقية للشخص، «الأرض» رمز للهوية والتاريخ، وهي الأرض التي تم سلبه منها الفلسطيني، «العروبة» رمز للهوية القومية للشخص الفلسطيني، «الأرقام» رمز للبيروقراطية والقمع، وهي تستخدم لتحديد هوية الشخص بشكل جاف ومادي.

ساهمت القصيدة في تحديد معالم الهوية الفلسطينية المعاصرة، وربطها بالأرض والتاريخ والمعاناة، وشكلت نموذجًا جديدًا للخطاب الشعري الفلسطيني، حيث ركزت على القضايا الوطنية والهوية، واستخدمت لغة شاعرية قوية ومؤثرة.

ألهمت "بطاقة هوية" أجيالاً من الشعراء الفلسطينيين، ودفعتهم إلى التعبير عن هويتهم وقضيتهم بأسلوب شبيه بأسلوب درويش، كما وسعت دائرة القضايا التي يتناولها الشعر الفلسطيني، لتشمل قضايا الهوية والانتماء والوجود.

باختصار، يمكن القول إن قصيدة "بطاقة هوية" كانت نقطة تحول في الشعر العربي والفلسطيني، حيث شكلت مرجعًا مهمًا للشعراء، وأثرت في وجدان القراء، وساهمت في ترسيخ الهوية الوطنية الفلسطينية، كانت صرخة مدوية ضد الاحتلال، وهي تعبر عن تمسك الفلسطينيين بهويتهم وأرضهم. إنها قصيدة خالدة ستظل تعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني وأحلامه.

ومن أجواء القصيدة :

سجِّل
أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!
فهلْ تغضبْ؟

سجِّلْ
أنا عربي
وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ
وأطفالي ثمانيةٌ
أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ،
والأثوابَ والدفترْ
من الصخرِ
ولا أتوسَّلُ الصدقاتِ من بابِكْ
ولا أصغرْ
أمامَ بلاطِ أعتابكْ
فهل تغضب؟

سجل
أنا عربي
أنا اسم بلا لقبِ
صَبورٌ في بلادٍ كلُّ ما فيها
يعيشُ بفَوْرةِ الغضبِ
جذوري
قبلَ ميلادِ الزمانِ رستْ
وقبلَ تفتّحِ الحقبِ
وقبلَ السّروِ والزيتونِ
.. وقبلَ ترعرعِ العشبِ
أبي.. من أسرةِ المحراثِ
لا من سادةٍ نُجُبِ
وجدّي كانَ فلاحاً
بلا حسبٍ.. ولا نسبِ!
يُعَلّمني شموخَ الشمسِ قبلَ قراءةِ الكتبِ
وبيتي’ كوخُ ناطورٍ
منَ الأعوادِ والقصبِ
فهل تُرضيكَ منزلتي؟
أنا اسم بلا لقبِ!

سجلْ
أنا عربي
ولونُ الشعرِ.. فحميٌّ
ولونُ العينِ.. بنيٌّ
وميزاتي:
على رأسي عقالٌ فوقَ كوفيّه
وكفّي صلبةٌ كالصخرِ...
تخمشُ من يلامسَها
وعنواني:
أنا من قريةٍ عزلاءَ منسيّهْ
شوارعُها بلا أسماء
وكلُّ رجالها في الحقلِ والمحجرْ
فهل تغضبْ؟

سجِّل!
أنا عربي
سلبتُ كرومَ أجدادي
وأرضاً كنتُ أفلحُها
أنا وجميعُ أولادي
ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي
سوى هذي الصخورِ...
فهل ستأخذُها
حكومتكمْ.. كما قيلا!؟
إذنْ
سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى
أنا لا أكرهُ الناسَ
ولا أسطو على أحدٍ
ولكنّي.. إذا ما جعتُ
آكلُ لحمَ مغتصبي
حذارِ.. حذارِ.. من جوعي
ومن غضبي!!