السبت 24 اغسطس 2024

رجال من ذهب| أحمد عرابي.. من ناظر الجهادية إلى المنفى

أحمد عرابي

ثقافة17-8-2024 | 09:32

فاطمة الزهراء حمدي

عُرفوا بنضالهم وكفاحهم، وإبداعهم الأدبي، لهم العديد من المؤلفات الشهيرة، سطروا أسمائهم بحروف من نور في سجل التاريخ، أفادوا العالم بإسهاماتهم وقوتهم، فمنهم العلماء النابغين، وصانعي الأدب والشعر، وآخرون دافعوا عن أرض الوطن، ظلت ذكرى هؤلاء الرجال وأعمالهم خالدة في التاريخ وحيه في نفوسنا.

"لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله غيره، إننا سوف لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم"، بتلك الخطبة الحماسية التي ألقاها للخديوي توفيق، استطاع اشعال روح الحماس في نفوس الشعب، فظل يكافح ويناضل من أجل مصر، ويتحمل كافة العقبات والصعوبات، حتى ساهم في وضع دستور للبلاد، إنه الزعيم أحمد عرابي.

تاريخ ميلاد أحمد عرابي

وُلد أحمد عرابي في 31 مارس 1841م، في قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية، حفظ القرآن الكريم، كان والده يترأس عمدة القرية، فأرسل ابنه عرابي إلى صراف القرية، الذي دربهُ على العمليات الحسابية والكتابية وظل يتمرن على يديه نحو خمس سنوات، استطاع فيهم معرفة القراءة والكتابة وبعض القواعد الحسابية.

طلب "عرابي" من والده أن يلحقه بالجامع الأزهر فوافق وأرسله إلى القاهرة، وأخذ يتعلم به قرابه أربع سنوات، أتم بهما حفظ القرآن وأجزاء من الفقه والتفسير، تولى شقيقه محمد رعايته والإنفاق عليه بعد وفاة والدهم بالكوليرا.

السيرة الذاتية لأحمد عرابي

التحق "عرابي" بالخدمة العسكرية، حينما أمر محمد سعيد باشا، انضمام أبناء المشايخ والأعيان بالجيش، ليساوي بين المصريين والشراكسة، كان في البداية جندي ثم أصبح ضابط صف بدرجة أمين بلوك "مساعد"، حتى وصل لرتبة ملازم ثاني بعد قضاء أبع سنوات في الخدمة.

تدرج "عرابي" في الرتب العسكرية في عهد سعيد باشا، فحصل على ترقيتين هما يوزباشي "نقيب"، وصاغ "رائد"، ثم بكباشي "مقدم"، حتى وصل إلى قائمقام "عقيد حالياً"، وهو لم يكمل العشرين عامًا، كانت هناك علاقة قوية بين "عرابي" و"سعيد باشا"، فكان يثق به بشدة، ويشاركه في ترتيب المناورات الحربية، حتى قام سعيد باشا بإهدائه كتابًا عن تاريخ نابليون بونابرت مكتوبًا باللغة العربية.

تغيرت الأوضاع بعد وفاة "سعيد باشا"، فتولى ابنه الخديوي إسماعيل من بعده حكم مصر، وأعاد التفرقة بين المصريين والشراكسة في الجيش، لم يتحمل "عرابي" ووقع خلاف بينه وبين خسرو باشا أحد اللواءات الشراكسة، فسعى إلى إقالته وحكم عليه بالسجن 21 عامًا، فقام عرابي باستأنف الحكم أمام المجلس العسكري الأعلى وقتها حتى لغى ذلك الحكم.

تزوج "عرابي" من كريمة مرضعة الأمير إلهامي باشا وهي أخت زوجة الخديوي محمد توفيق، استطاع العودة إلى خدمته بفضل وساطة المقربين من زوجته، ولكن ظلت الكراهية تكمن داخله فكان غاضبًا على مرتبة الذي حرم منه خلال فترة فصله، وعلى أوضاع الجيش، وطغيان الضباط الشراكسة على المصريين.

حتى جاءت الطامة الكبرى عندما عُين مأموراً للحملة العسكرية المصرية في الحبشة، وانتهت الحملة بهزيمة الجيش المصري، مما جعل الغضب يتفاقم داخله لما رآه من استهانه للقيادة الشركسية.

قدم "عرابي" والضباط المصريون مطالبهم بتقديم مذكرة لرياض باشا رئيس النظار التي وقعها أحمد عرابي واثنين من زملائه اعتراضًا على القرارات التي أصدرها ناظر الجهادية عثمان رفقي باشا، الذي اعتبارها الضباط المصريون تحيزاً للشركس في الجيش على حساب المصريين.

رفض الخديوي مطالبهم وقرر القبض على عرابي وزملائه ومحاكمتهم عسكريًا وعرضوا أمام ديوان الجهادية، ولكن لم يستمر حبسهم طويلًا إذ قام الضباط المصريون بتحريرهم بالقوة، وانضمت إليهم المزيد من وحدات الجيش المصري.

لم يجد الخديوي حلًا سواء الاستجابة لمطالبهم وعين محمود سامي باشا رغم كونه من الشراكسة، وشرع محمود سامي في تعديل القوانين العسكرية وإصلاحها، ولكن لم يستمر طويلًا وتم عزله رئيس النظار وعين مكانه داود باشا.

قدموا مذكرة ثانية يخبرونهم بقدوم كامل القوات المقيمة بالقاهرة إلى سرايا عابدين في عصر نفس اليوم لعرض طلباتهم على الخديوي، فحدثت الخطبة الشهيرة بين عرابي والخديوي.

فقال الخديوي توفيق: "لا حق لكم في هذه المطالب، لقد ورثت هذه البلاد عن آبائي وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساننا".

فرد عرابي: "لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله غيره، إننا سوف لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم"، فاستجاب الخديوي لمطالبهم مرة ثانية فأسقط الوزارة وأنشأ مجلسًا للنواب وزاد عدد الجيش، حاول عرابي وزملائه وضع دستور للبلاد، وتم عرضه على مجلس النواب، ولكن بسبب تدخل انجلترا وفرنسا في شؤون البلاد وقتها، ازدات الضغوط على مصر، التي أضطرت لدفع ما يقارب العشرين مليون جنيه إسترليني أو ما يقرب من ثلث دخلها القومي سنويًا لسداد الديون.

ولكن لم يتوقف الحلم، فأعلن الدستور بمجرد تشكيل حكومة جديدة برئاسة محمود سامي البارودي، وشغل عرابي فيها منصب ناظر الجهادية "وزير الدفاع" ونائب رئيس مجلس النظار.

استمر كفاح "عرابي" حتى قرر نفيه إلى  جزيرة سيلان، وعاد إلى مصر بعد عشرين عامًا، محضرًا معه أول شجرة مانجو إلى مصر، رحل  أحمد عرابي في 21  سبتمبر 1911، بعدما تاريخ حافل من الكفاح والنضال.