الإثنين 19 اغسطس 2024

السلاح العسكري السري الذي ظل في حيازة الإمبراطورية الرومانية.. تعرف عليه

نسخة طبق الأصل من سيفون النار اليوناني المعروض في متحف سالونيك

ثقافة17-8-2024 | 23:08

إسلام علي

بدأوا في نفخ المنفاخ في فرن به نار، مما أصدر صوتًا هائلًا، كان هناك أيضًا أنبوب نحاسي أو برونزي ينبعث منه لهيب كثيف على السفينة، التي اشتعلت فيها النيران بسرعة وتحولت إلى رماد أبيض.

 

هذا المقتطف من ملحمة  "Yngvars saga víðförla"، وهي ملحمة من القرن الثاني عشر تُنسب إلى الراهب الأيسلندي Oddr  Snorrason  وعلى الرغم من أن القصة تتناول آخر بعثة فايكنغ إلى بحر قزوين، إلا أن الجزء الذي يهمنا هو الوصف الموجز لسلاح حارق كيميائي ابتكرته الإمبراطورية البيزنطية واستخدمته قبل أربعة قرون على الأقل، وكان الحفاظ على تركيبته سرًا من أسرار الدولة، ويعرف هذا السلاح بـ "النار اليونانية" أو "Ignis Graecus".

 

وأشارت الوثائق البيزنطية إلى هذه التقنية بمسميات مختلفة مثل "النار الرومانية"، "نار البحر"، "نار الحرب"، "النار السائلة"، و"النار اللزجة"، وكلها تحمل كلمة "نار" كتسمية عامة.

 

كما رأينا في النص السابق، تعتمد هذه التقنية على إطلاق تيار من المواد القابلة للاشتعال و "ربما النفط" التي تلتهم أهدافها بالنيران، خصوصًا السفن، حيث كانت تستخدم بشكل رئيسي في المعارك البحرية.

 

تذكر هذه التفصيلة هواة التاريخ العسكري بأنظمة أخرى تعتمد على إحراق سفن العدو والتي تم تطويرها منذ العصور القديمة، وأشهر هذه الأنظمة هو الذي ابتكره أرخميدس عام 214 قبل الميلاد للدفاع عن سيراكيوز ضد هجوم الأسطول الروماني بقيادة ماركوس كلوديوس مارسيلوس.

 

وعلى الرغم من أن هذه التقنية كانت معروفة باسم "النار اليونانية" إلا أن الشائع عنها أنها تعمل عن طريق تركيز أشعة الشمس على أشرعة السفن بواسطة مرايا عاكسة.

 

ولكن التجارب العملية أظهرت أن هذا الأمر يكاد يكون مستحيلاً بسبب الشروط الصارمة لتحقيق الاشتعال، لذا، يُعتقد أن النظام المستخدم كان مختلفًا، وربما كان مدفعًا يعمل بالبخار.

 

استخدام السهام الحارقة كان شائعًا منذ العصور القديمة، ويُعرف أن الآشوريين في القرن التاسع قبل الميلاد استخدموا أوعية مملوءة بالكبريت والنفط ومركبات قابلة للاشتعال تعتمد على البيتومين، وقد قام الآخرون بسرعة بتقليد هذه التقنية.

 

يوثّق المؤرخ ثوسيديدس خطوة إلى الأمام تم اتخاذها عام 424 قبل الميلاد خلال معركة ديليوم في حرب أرخيداميوس بين أثينا وبيوتيا: حيث استخدموا أنبوبًا طويلًا على عجلات لإطلاق النار بمساعدة منفاخ كبير.

 

في القرن الثاني الميلادي، تضمنت أطروحة حربية بعنوان "Kestoi"، منسوبة إلى  Sextus Julius Africanus، تركيبة تعتمد على الراتنج والإسفلت السائل والجير الحي، والتي كانت تُشعل باستخدام الحرارة وأشعة الشمس الشديدة.

 

لكن، كما ذكرنا سابقاً، فإن "النار اليونانية" كانت بامتياز تلك التي اخترعت في الإمبراطورية البيزنطية، ويذكر المؤرخ جون مالالاس في كتابه "كرونوغرافيا" أن فيلسوفاً من أثينا يُدعى بروكلوس نصح الإمبراطور أناستاسيوس الأول باستخدام الكبريت لإشعال النار في سفن فيتاليان، الجنرال الذي تمرد ضد الإمبراطور بسبب الضرائب المرتفعة وعقيدته الميافيزية.

 

ومع ذلك، فإن الراهب الزاهد ثيوفانيس المعترف يُنسب إليه عادةً اختراع النار اليونانية، حيث ينسبها إلى مهندس معماري يُدعى كالينيكوس حوالي عام 670.

 

يُقال إن كالينيكوس، المهندس المعماري من هليوبوليس، فرّ إلى الرومان وابتكر "نار البحر" التي أحرقت السفن العربية بالكامل، لكن ثيوفانيس ليس دقيقًا في هذا، حيث يُشير في فقرة أخرى إلى استخدام السفن البيزنطية لهذا السلاح قبل ذلك ببضع سنوات، مما قد يدل على أن كالينيكوس قد قام فقط بتحسين سلاح موجود بالفعل، وقد يكون المستفيد من الإرث العلمي لمدرسة الإسكندرية الكيميائية.

 

يزعم المؤرخ البيزنطي جورج سيدرينوس، في كتابه "Compendium historiarum"، أن عائلة كالينيكوس احتفظت بسرّ التركيبة وورّثتها من جيل إلى جيل، لكن من غير المعقول أن يبقى هذا السر محفوظًا طيلة هذه الفترة.

 

يشير الإمبراطور والمؤرخ قسطنطين السابع بورفيروجنيتوس في كتابه "إدارة الإمبراطورية" إلى وصول كالينيكوس من مصر في عهد قسطنطين الرابع "668-685"، وهو الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية البيزنطية في لحظة حساسة بعد حروب طويلة ضد الفرس الساسانيين.

 

حاصر الخليفة الأموي معاوية الأول القسطنطينية عام 672، وقد ساهم استخدام النار اليونانية في الدفاع عن المدينة، خاصةً في معركة سيليا التي انتهت بانتصار البيزنطيين وإلزام الخلافة بدفع الجزية، ولكن لاحقًا، أصبح هذا السلاح سلاحًا رئيسيًا في الحروب البيزنطية، رغم أنه لم ينتشر على نطاق واسع.

 

في بعض الأحيان، كانت النار اليونانية تستخدم في الحروب الأهلية داخل الإمبراطورية، كما حدث في ثورة الأساطيل المواضيعية عام 727 وتمرد توماس السلافي بين عامي 821 و823، هذا وبالإضافة إلى الحروب ضد الأعداء الخارجيين مثل الروس "941-1043" والبلغار "970-971"، الذين عانوا أيضًا من تأثيرات السلاح السري.

 

شدد قسطنطين السابع بورفيروجنيتوس على عدم الكشف عن سرّ التركيبة أبدًا، واعتبر أن هذا السلاح كان هدية من ملاك للإمبراطور قسطنطين الأول لصالح المسيحية، ولكن كما ذكرنا، كان الحفاظ على سر التركيبة أمرًا مستحيلًا، وتمكن المسلمون والبلغار في النهاية من الاستيلاء على تركيبة شبيهة، رغم أنهم لم يتمكنوا أبدًا من إعادة إنتاج التركيبة الأصلية أو نظام الإطلاق بالضغط.

 

بالنسبة للمكونات، تشير الأدلة العسكرية والمصادر الوثائقية إلى أن النار اليونانية كانت مزيجًا من الراتنج القابل للاشتعال من أشجار الصنوبر، والكبريت، والبترول.

كانت هذه المواد تُطلق بواسطة أنابيب أو قنابل يدوية وتُشعل بواسطة سيفونات برونزية مثبتة على السفن، مما يجعلها شبيهة بقاذف اللهب.

 

في القرن الثاني عشر، تراجع استخدام النار اليونانية، ربما بسبب صعوبة الحصول على المواد الخام اللازمة، ومع ذلك، عادت إلى الظهور في القرن الثالث عشر بين المسلمين الذين أبهروا المسيحيين خلال الحملة الصليبية السابعة.

 

ومن اللافت للإنتباه، أن النار اليونانية استمرت في الظهور حتى القرن التاسع عشر، حيث أُفيد بأن أرمنيًا يدعى كافافيان عرض نسخة محسنة منها على الإمبراطورية العثمانية.

 

وفي نهاية المطاف، يمكن القول إن النار اليونانية كانت من بين الأسلحة الأكثر رعبًا في العصور الوسطى، وتأثيرها امتد ليشمل حتى الأنظمة الحديثة مثل النابالم وقاذفات اللهب، وذلك طبقا لما نقله موقع  la brujula verde.