تتمسك حركة حماس بتنفيذ ما تم التوافق عليها في الـ2 يوليو الماضي، ما يضمن تحقيق وقف فوري وكامل لإطلاق النارفي قطاع غزة ، وبأقل من ذلك لن تقبل، أما على الجانب الآخر، فلن تقبل إسرائيل أي مقترح يتضمن إنهاء الحرب، حيث ترى أن الضغط العسكري على الأولى كفيل بإرغامها على التخلي عن مطالبها.
مسار التهدئة في قطاع غزة
جددت حركة حماس، على مدى الأيام الماضية، تأكيدها على التزامها واستعدادها الفوري لتنفيذ ما وافقت عليه في الـ2 يوليو الماضي، بناء على إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن وقرار مجلس الأمن الدولي، وهو ما يضمن تحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى محاذاة الحدود.
أما بالنسبة للمقترح الأخير الذي قدمته واشنطن، فهي ترى أن هذا الاقتراح يثير التباسات كثيرة، لأنه ليست الورقة التي قُدمت لها، وليست التي وافقت عليها.
واعتبرت حماس التصريحات الأمريكية الأخيرة التي تشير إلى أنها تراجعت عن اتفاق وقف إطلاق النار ادعاءات مضللة لا تعكس حقيقية موقفها الحريص على التوصل إلى وقف للعدوان، هكذا ذكرت.
وحول أسباب رفض حماس للمقترح الأمريكي، توضح صحيفة هآرتس العبرية، أنها ترى في أحدث نسخة من مقترحات وقف إطلاق النار الأميركية المتقلبة تبنيًا لموقف إسرائيل في رفض نهاية الحرب والانسحاب الشامل من قطاع غزة.
ومن وجهة نظر حماس فإن المقترح الأمريكي يدعم موقف إسرائيل التي ترفض الالتزام بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب والانسحاب التام من غزة، لذا تعمدت تسريب تفاصيل الخطة وأبرزها تأجيل بحث نهاية الحرب حتى نهاية المرحلة الأولى، مع غياب التزام واضح بالانسحاب من محور فيلادلفيا وبتجسيد آلية مراقبة في محور نتساريم، فضلًا عن مطالب بترحيل عشرات الأسرى الفلسطينيين ورفضها إدراج أسماء عشرات آخرين، وفق المصدر ذاته.
نتنياهو يُرواغ كـ ثعلب
جدد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي تمسكه بمجموعة الشروط التي ترفضها حركة حماس، ولم يقبل بها الوسطاء، واعتبرها وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، في وقت سابق، أنها ستعرقل التوصل إلى الصفقة.
وأكد نتنياهو على أن إسرائيل لن تغادر محوري فيلادلفيا ونتساريم بغض النظر عن الضغوط التي قد تتعرض لها، فهذه أصول عسكرية وسياسية استراتيجية، متابعًا:"لقد قلت هذا لبلينكن، ربما أقنعته".
وفي ظل ذلك، أكد مسؤول أميركي كبير رافق بلينكن في جولته الأخيرة بالشرق الأوسط، عدم صحة تقارير ذكرت أن وزير الخارجية الأمريكي اقتنع بمطلب إسرائيل البقاء في محور فيلادلفيا على حدود قطاع غزة مع مصر.
واعتبر تصريحات نتنياهو المتشددة بشأن غزة وما يخص التوصل إلى وقف إطلاق النار، غير بناءة وتهدد سير المحادثات، وفق قوله.
وعمليًا، تعد تصريحات نتنياهو نسف لمسار المفاوضات القائم، لأن تصريحاته تأتي بخلاف ما تم التوافق عليه مع الوسطاء، بحسب مصادر بفريق التفاوض الإسرائيلي تحدثت لوسائل إعلام عبرية.
وداخليًا، يواجه نتنياهو ضغوط من وزير الأمن القومي وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن جفير، ووزير المالية وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، اللذين يهددانه بالانسحاب من الحكومة في حال التوصل لاتفاق مع حركة حماس، وفي حال حصول تلك التهديدات فستسقط الحكومة الإسرائيلية، ما يعد تهديد لمستقبل نتنياهو السياسي، الذي يعتبره أولوية.
من يتحمل مسؤولية عدم التوصل إلى الإتفاق؟
من أجل الوصول إلى اتفاق في قطاع غزة، ترى الدولة المصرية بصفتها أحد الوسطاء، أنه لابد أن تتوافر رغبة سياسية إسرائيلية صادقة لوقف الحرب على القطاع، إذ تؤكد على أن ذلك السبيل الوحيد ليس فقط لوضع حد للمعاناة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة، ولكن أيضًا للحيلولة دون خروج الوضع الإقليمى عن السيطرة وارتفاع حدة التصعيد بشكل يهدد استقرار الإقليم بأكمله وسلامه شعوب المنطقة.
وعمومًا يتعارض تمسك نتنياهو بالبقاء في محور فيلادلفيا، مع تأكيد مصر على ضرورة الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من المنطقة التي احتلتها في مايو الماضي.
في حين تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية أن حركة حماس هي من تعطل الوصول إلى صفقة تبادل، أما إسرائيل فهي تقبل ما أسمته بمقترح "سد الفجوات"، الذي طرحته خلال جولة المحادثات الأخيرة، التي عقدت بالدوحة، متجاهلة بذلك تصريحات نتنياهو، والتي تعتبر خروجًا صريحًا عما جرى التوافق عليه في الـ2 يوليو الماضي.
وبشكل واضح، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن حركة حماس تتراجع عن خطة الاتفاق المطروحة مع إسرائيل من أجل إحلال هدنة في قطاع غزة، زاعمًا أن إسرائيل تقول أن بإمكانها التوصل إلى نتيجة، أما حماس تتراجع الآن.
وفي الوقت نفسه، حمل وزير الخارجية الأمريكي حركة حماس مسؤولية عدم التوصل إلى اتفاق، حيث قال:"إسرائيل تؤكد أنها تقبل مقترح سد الفجوات، والآن يتعين على حماس أن تفعل الشيء نفسه".
من جهتها، تعتبر حركة حماس مقترح "سد الفجوات" استجابة للشروط الإسرائيلية، ويتماشى معها، وخاصة رفضها لوقف دائم لإطلاق النار، والانسحاب الشامل من قطاع غزة، وإصرارها على مواصلة احتلال مفترق نتساريم ومعبر رفح وممر فيلادلفيا.
فلسطينيًا، تحمل منظمة التحرير الفلسطينية، الإدارة الأمريكية مسؤولية الفشل وعدم الوصول إلى اتفاق، لأنها لم تمارس الضغط على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على ما تم الاتفاق عليه سابقًا، متهمة إياها بتشكيل مظلة حماية وحصانة للحكومة الإسرائيلية في استمرار عدوانها وحربها على غزة.
نفس المسؤولية تتحملها "تل أبيب" أيضًا، لأنها مصرة على استمرار الحرب والبقاء في محوري فيلاديلفيا ونتساريم، بحسب المصدر ذاته، الذي أوضح أن ما قدمته إسرائيل في المفاوضات لايزيد عن كونه تكريس لاحتلال القطاع.
إسرائيليًا، تقول صحيفة "هآرتس" عن مصدر مطلع على المفاوضات، إن تصريحات نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق وتزيد من الشكوك، وتشير لحماس والوسطاء بأن نتنياهو غير مهتم بالاتفاق.
الفرصة الأخيرة
ويُوصف هذا المسار من المفاوضات بأنه "الفرصة الأخيرة"، الذي يتضمن عودة المحتجزين الإسرائيليين، وتحول نتائجه في حالة التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، دون صراع إقليمي أوسع نطاقًا.
والإثنين، أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن الفرصة الراهنة قد تكون الأخيرة لإعادة المحتجزين ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، ووضع الجميع على مسار أفضل للسلام والأمن الدائمين.
ومنذ أشهر، تجري مصر وقطر بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، مفاوضات غير مباشرة ومتعثرة، بين حركة حماس وإسرائيل، باءت جميعها بالفشل جراء عدم تجاوب الأخيرة مع مطالب الأولى، التي تتمسك بتحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
وفي السادس من مايو الماضي، أكد مجلس الحرب الإسرائيلي مواصلة العمل العسكري في القطاع، رغم قبول حماس مقترح اتفاق وقف إطلاق النار، الذي صاغته "تل أبيب".
ومنذ السابع من أكتوبر الماضي، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة جماعية على قطاع غزة خلفت مايزيد عن 133 ألفًا بين شهيد وجريح، جلهم من النساء والأطفال، بينما لايزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لاتستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.