الإثنين 26 اغسطس 2024

"عواجيز" الميديا

مقالات26-8-2024 | 10:54

مازالت فاعليات وعروض وكرنفالات السوشيال ميديا  الساخرة مستمرة، تتجدد يوماً تلو يوم، لتظهر لنا أخر الصيحات، والتي تتصدر المشهد حالياً وهي دخول عناصر فنية جديدة بعد هوجة فتيات العشوائيات والأحياء الشعبية، لتتبدل  لقصص مصورة ومسلسلات درامية بدأت من  الحب والمطاردات الغرامية، ووصلت لفقرة أكثر عبثا لنساء فوق الستين أمهات الميديا المكلومين.

انتشرت فيديوهات لعجائز فوق الستين من العمر يشاركون الشباب  فيديوهاتهم  الساخرة ذات المحتوي الدرامي كما يطلقون هم علي أنفسهم، تشارك كلاً منهم  بدور مختلف، فمنهم من تقوم بدور الأم المكلومة أو الحما الذرية على رأي أسطورة الكوميديا ماري منيب، وحتى الرجال يقومون بأدوار الأب والجد  فلم يتجاهلهم  الشباب في إبداعاتهم، فنجد مشهد لفتاة تصفع أحد العجائز  بالقلم  وحما تختبئ أسفل منضدة خوفا من زوجة الابن، وحماة تحاول خطف زوج ابنتها، وعجائز يتناولون طعامهم علي الأرض نتيجة تمعن زوجات أبنائهم  في مذلاتهم، للأسف يصدرون صور  لم نعتدها  من قبل، سلوكيات خارج حدود عاداتنا وأخلاقيات مجتمعنا، وربما هذه القصص المصورة والتي وصلت لوضع سم قاتل للتخلص من أبناء الزوج حتى تنفرد به زوجته الجديدة، وغيرها من المسلسلات القاسية كانت منبراً لبعض الوقائع والحوادث المشينة التي ظهرت مؤخراً وسبباً لفتح أبواب العنف والانتقام،  ومنها أزمة فتاة الشرقية الأخيرة والتي طاحت بالعصا على رأس حماتها، بالتأكيد هي ضحية وقد ظهرت براءتها،  ولكن من منا كان ليجرأ على مجرد التفكير في التطاول على أحد كبار السن بأي شكل مهما وصل جحودهم؟!  تلك الفيديو الذي ضج كل شبر في مصر بعدما  تفنن الابن العزف على أوتار مشاعر  المصريين بكلمات أغنية عسل أسود وأخفى ظلم والدته، فرأت نداء  وأن الانتقام حق طبيعي لها،  فنحن نرى ماهو أصعب من ذلك وبشكل يومي من خلال سيناريوهات البلوجر التمثيلية،  تسببت تلك المشاهد الدرامية المهلهلة، في تصدير صورة عبثية عن قيم المصريين واحترامهم لكبار السن مهما بلغ جُرم بعضهم، فيديوهات تمثلية قاسية و يرون إنها الدراما من وجهة نظرهم،  فلا يوجد عليهم رقيب مخرجاً أو مؤلف فهم يلعبون كافة الأدوار، ليس من بينهم  رجل رشيد فهم يهدمون القيم والأصول بتلك الأعمال الهابطة والتي للأسف تننشر انتشار اللهب.

هؤلاء المُدمرون  للأجيال وللعادات والتقاليد صنعوا لأنفسهم أكاديميات فنية لتخريج  دفعات من الهواه ومدعي الفنون،  وباتوا يلهون  في كل المجالات السيناريو والحوار  والتمثيل والتصوير والإخراج، ربما كنا نبحث عن المواهب الفنية من بين الأطفال والشباب لتنميتها  بالشكل الجيد وبالدراسة وبالتوجية السليم.

فمقصدي ليس التنمر أو السخرية من كبار السن في ظهور موهبتهم على كبر، ولكن يكمن  الاعتراض في ما وراء ذلك وهو السعي المُظلم  وراء جني الأموال حتى ولو على حساب هدم قيم المجتمع، فالمشاهد المكتوبة ضبابية  سطحية  تحتوي علي مكنون مرئي سيء، وحتى الإبداع منعدم فمعظم المشاهد متشابه تدور حول الطعام، وإظهار ما يدور في العقول الباطنة من بخل  وسواء معاملة للحموات  وللعلاقات المشبوه.

والغريب في الأمر أن تلك الفيديوهات  أظهرت شيء  يثير الانتباه أيضاً وهي أماكن التصوير  وأغلبها منازل ذات ديكورات فاخرة، وأكلات تكفي ١٠٠ فرد فما مصدر تلك الأموال والبزخ؟ وكام مليون دولار في حسابات البلوجر؟!، ولماذا يهتمون بتصوير منازلهم وما يدور داخلها وعرض أسلوب معيشتهم ونشر تفاصيل حياتهم، وما السر وراء تشجيع كافة صانعي المحتوي فتح اللايفات لمدة ساعتين يومياً ، ومن الشخص الذي يهتم بمراقبة حياتنا طوال ساعتين وهي فترة البث المباشر.

ربما يخرج الموضوع  عن فكرة الترفية والمشاهدات، وأعتقد أنه يكمن من ورائه كارثة تحتاج لدراسة عن ما يدور في ذهن البعض، مع رصد إحصائيات  بشكل غير مباشر  عن أكثر الأعمار فاعلية وأكثرهم تاثيراً على برامج الميديا، وإلا ما تواصلت بعض شركات الإنتاج مع هؤلاء المشخصاتين الأكثر مشاهدة لإنتاج وإخراج تسجيلاتهم، خاصة وأن بعض البلوجر  يقدمون محتوى بشكل احترافي من مونتاج وتصوير، لذلك لأبد من نوبة صحيان للإجابة عن ماهية الرسالة الحقيقية التي تكمن بين هذه السطور، والتي ربما تأتي الإجابة الأخطر وهي استباحة انتهاك حُرمة بيوتنا والنيل من قيامنا وعادات مجتمعنا، و" ربنا يرحمنا من زغف دولارات السوشيال ميديا".