بقلم – سناء السعيد
تزامن المشهد العربى اليوم مع إدارة ترامب الجديدة والتى تمارس الهيمنة المتحالفة مع الآثم الصهيونى المزروع فى قلب الشرق، إسرائيل توظف هذه الهيمنة لإعادة إنتاج صورة أسطورية لها تفرضها على العالم بوصفها الحقيقة التى لا مراء فيها، إنه التحالف الآثم بين أمريكا ودولة الكيان الصهيوني، ولهذا اجترأ زعيم الشعبوية العالمية دونالد ترامب وخرج ليعلن بعد لقائه مع نيتنياهو فى ١٥ فبراير الماضى موت فكرة الدولة الفلسطينية، عندما قال إنه منفتح على خيارات أخرى لتحقيق السلام تتخطى حل الدولتين، الذى ظل لفترة طويلة حجر الزاوية لسياسة واشنطن والمجتمع الدولى للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين وإسرائيل.
الواقع العربى المريض بكل ما فيه من نتوءات الخلاف والاختلافات والصراعات هو الذى شجع إسرائيل على فرض ما تريد، مستغلة حالة الفوضى التى ترزح فيها الدول العربية لتكون لها الهيمنة على مقدرات المنطقة عبر زرع الفتن وإشاعة المزيد من الانقسام ليزداد العرب تشرذما وليقضوا على بعضهم بعضا، وبالتالى لا تكون هى بحاجة إلى خوض غمار معارك معهم، ومن ثم تتفرغ للمطالبة بما ليس لها مثلما فعل نيتنياهو عندما طالب ترامب بالاعتراف بضم إسرائيل للجولان السورية المحتلة والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها توطئة لاعتراف دولى بشرعية ضمها لإسرائيل!. وبلغت به الوقاحة حدا ليقول علنا إن ترامب لم تعترِه الدهشة من جراء مطلبه وكأنه يقول ضمنا إن الأمر قد حسم، واحتمالية اعتراف أمريكا بما قرره باتت مضمونة، وكأن “ترامب” قد قال له بفصيح العبارة: (طلباتك أوامر)، وهكذا فإن الوضع العربى المحبط فى ظل ما يسوده من فوضى وصراعات أعطى الأهلية لإسرائيل لأن تفعل ما تريد وتطالب بما ليس لها.
الوضع العربى المنهار شجع نيتنياهو على أن يفرض شروط إذعانه على الجميع ليخرج من الجولة وقد ظفر بالوليمة كلها، ولهذا رأيناه يتحدث عن أن احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على غرب نهر الأردن بوصفه الحدود الأمنية والجغرافية لإسرائيل هو شرط ضرورى لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وهو ما يعد نسفا نهائيا لحل الدولتين والإجهاز على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. ثم انبرى يطالب الفلسطينيين بالاعتراف بدولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودى بغض النظر عن مسألة الحدود، ويرى أن قضية الاستيطان لا تشكل لب النزاع مع الفلسطينيين، ولهذا فإن زيارة نيتنياهو لأمريكا تعد انتصارا غير مسبوق وبداية لعهد جديد، فإسرائيل مازالت تتهرب من عملية السلام واستحقاقاتها، ومازالت كالعهد بها تحاول اللعب على عنصر الوقت لمواصلة سرقة الأراضى الفلسطينية والإجهاز على حل الدولتين.
التحديات كثيرة فى المنطقة بحيث باتت تهدد كيان الدول العربية، ويتصدر الإرهاب وعلى رأسه تنظيم داعش الظلامى هذه التحديات، كما أن دخول قوى خارجية وإقليمية على أجزاء من الوطن العربى من شأنه أن يفاقم الأزمات لاسيما مع نزوع الخارج لترسيخ ظاهرة الاحتقان الطائفى المذهبى، وتدخل القوى الإقليمية كتركيا فى الشئون الداخلية للدول العربية. وهنا نتساءل: (كيف يمكن للعالم العربى مجابهة هذه التحديات)؟، هناك طريق واحد يتمثل فى العمل الجماعى العربى من أجل حماية الأمن القومى العربى؛ إذ يتعذر على الدول فرادى لمجابهة كل هذه التحديات، بيد أن المشهد الراهن لا ينبئ بانفراجة، فليس هناك إجماع عربى على كيفية التعامل مع القضايا السياسية والأمنية، الأمر الذى يمثل عائقا يتعذر معه بلورة موقف عربى تدعمه غالبية الدول العربية ويهدف إلى معالجة التهديدات وإزاحة المخاطر التى تحاصر المنطقة.
ولهذا رؤى بأن الأمر يتطلب اعتماد تطبيق فكرة القوة العسكرية العربية المشتركة والتى دعت إليها القمة العربية التى عقدت فى شرم الشيخ فى ٢٨ مارس ٢٠١٥ وترتكز على التدخل السريع لمواجهة التحديات والمخاطر التى تهدد الأمن القومى العربى وهو ما يتطلب تعاونا عسكريا فاعلا بين الدول العربية، ولكن للأسف بدلا من السعى لتطبيقها حماية للأمن القومى العربى قامت دولة عربية بإجهاضها، ورأينا تداعيات ذلك ممثلة فى تمدد داعش فى المنطقة وتعزيزه لوجوده على الأرض العربية بعد وضع يده على مساحات واسعة فى كل من سوريا والعراق، وبذلك أهدرت فكرة القوات العربية المشتركة التى كانت ترتكز على قوات تدخل سريع فى حال تعرض أى دولة عربية لأى خطر يهدد كيانها.
طمر المشروع ولم يرَ النور عندما طلبت بعض الدول العربية تأجيل الاجتماع الذى كان مقررا عقده فى ٢٦ أغسطس ٢٠١٥ على مستوى وزراء الداخلية والدفاع ورؤساء الأركان للبحث فى تسريع خطوات إنشاء القوة المشتركة، وإقرار بروتوكول القوة العربية العسكرية المشتركة، ولم يأتِ ذكر له بعد ذلك بعدما تبدد حلم تحقيقه على أرض الواقع، ولهذا يتعين على كل الدول العربية مجتمعة العمل من الآن على إزالة الصراعات والخلافات والمكايدات التى أنهكت الأمة، ويتأتى هذا بالقضاء على الأسباب التى أدت إلى ذلك كخطوة أولى نحو بناء موقف موحد يجبر الآخر على احترام هذه الأمة وهذا البنيان.....