السبت 18 مايو 2024

كلمة أخيرة فى شأن وزير الزراعة..

1-3-2017 | 11:04

ما علمته أن ترشيح الدكتور عبدالمنعم البنا لوزارة الزراعة حظى بموافقة جهات أمنية ثلاث منوط بها تدقيق سيرة المرشحين للوزارة، كما قيل ورقه جيد، ومقبول.

قبل عرض أسماء المرشحين وزاريا على البرلمان، تلقى مسئول الاتصال السياسى فى رئاسة الوزراء تامر عوف ملفا كاملا بالبلاغات التى تقدم بها أشخاص محددون بالاسم عبر نائب المنيا مجدى ملك ضد ترشيح الدكتور البنا، وتم تصدير الملف عبر مكتب رئيس الوزراء إلى الجهات الأمنية مجددا قبل التصويت لبحث الأمر والإفادة.

 وحدث وجاءت الإجابة بأنها بلاغات قديمة قدمت سابقا فى توقيتات سابقة وحققت جميعا فى الجهات الأمنية والنيابات وانتهت بالحفظ، ولا غبار على سيرة المرشح للوزارة، وعليه نال ثقة البرلمان وحمل الحقيبة.

معلوم أن الموافقات الأمنية الثلاث واجبة بالإجماع على سلامة ترشيح الوزير أو الموظف العام، وإذا بلغت إحدى هذه الجهات بالرفض، يتم رفض الترشيح تماماً حتى لو حظى بموافقات الجهتين الأخريين، وليس سرا أن اثنين من المرشحين المحترمين سياسيا رفضا لعدم إجماع الجهات الأمنية الثلاث، والرئيس وجه رئيس الوزراء لاستصحاب الموافقات الأمنية الثلاث مجتمعة فى شأن المرشحين، وحدث فى حالة البنا، إجماع. 

كان مقدرا أن تقسم حقيبة وزارة الزراعة إلى ثلاث حقائب وزارية فى التعديل الأخير، لإمكان السيطرة على مقدرات الزراعة المصرية وتحويلها إلى قاطرة التنمية، وتعظيم العوائد، وضغط فاتورة الاستيراد من المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والداجنة والسمكية والتى تكلف كثيرا، مع بذل اهتمام كاف للبحوث الزراعية لتعظيم العائد من الرقعة الزراعية القديمة والمستصلحة فى إطار مشروع المليون ونصف المليون فدان.

ارتأت القيادة السياسية ضرورة الحفاظ على وحدة الحقيبة لحين، وتقسيم المسئوليات من تحت الوزير على ثلاثة نواب، يتمتعون بشبه استقلالية القرار كل فى تخصصه، ويتبقى الوزير كمنسق عام بين النواب الثلاثة، ومهمته وضع الخطط الاستراتيجية للنهوض بالزراعة المصرية، وقد كان وحمل الدكتور البنا الحقيبة، وأقسم معه على القسم الدستورى ثلاثة نواب، كل منهم أشبه بوزير بلا حقيبة فى تخصصه.

هذا ما كان، ولكن يظل ملف وزير الزراعة سياسيا مسكونا بالاتهامات، ويلقى بظلاله على اختيار الوزير للوزارة، وسيظل جرحه السياسى مفتوحا، يحتاج إلى علاج سياسى بعد أن حفظت البلاغات جميعها كما أفادت الجهات الأمنية، القضية خرجت من طور البلاغات إلى طور آخر، يتعلق باللياقة السياسية لحمل الحقائب الوزارية حاليا ومستقبلا.

أتى علينا حين من الدهر فتحت بالوعة البلاغات الكيدية عن آخرها فى وجه الجميع، وصدق علينا شطر دال  من أغنية العندليب عبدالحليم حافظ، « بعضى يمزق بعضى» ، وصار الكل فى قفص الاتهام، وباتت البلاغات شغلة ومشغلة بعض الصائدين فى المياه العكرة بعد أن حركت ثورة يناير بحيرة الفساد الآسنة، فاختلط الحابل بالنابل، وأغرقت بالوعة البلاغات ثياب الجميع بطين البرك.

إلا من رحم ربى، لم ينج من البلاغات شريف ولا كريم وأذل المنع من السفر على ذمة البلاغات أعناق الرجال، ومع تدفق سيول البلاغات بات صعبا التحقق منها جميعا أو تحقيقها جميعا، واستخدمها خبثاء الإخوان للتنكيل بوجوه معروفة سياسيا ومهنيا كنوع من الإذلال السياسى، الذى صار بديلا عن العزل السياسى الذى أخفق الإخوان فى تمريره بقانون غير دستورى، للأسف تورط فى صياغته بارزون الآن فى العمل السياسى والأكاديمي، ولما حاق بهم جميعا ما كانوا يصنعون وطالهم القانون، نكصوا عنه، ولكنهم استبطنوا عزلا صوريا بالبلاغات الكيدية.

مال هذا الحكى بقضية وزير الزراعة الماثلة حتى ساعته وتاريخه فى الساحة السياسية، وستنفجر لاحقا مع مناقشة البيان العاجل الذى قدمه عضو البرلمان على عبد الونيس السواح عن دائرة السلام إلى رئيس الوزراء بسبب علامات الاستفهام الكثيرة المثارة حول وزير الزراعة الدكتور عبدالمنعم البنا، والحديث عن تورطه في قضايا فساد.

العلاقة وثيقة، البلاغات الـ ٢٢ قدمت فى فترات ما بعد يناير/يونيو، وجرى تحقيقها، وإذا كان رئيس الجمهورية الأسبق مبارك، حقق معه وأولاده فى بلاغ القصور الرئاسية وتحول إلى قضية، لاتزال تراوح مكانها فى المحاكم، وسجن وابناه على ذمتها ثلاث سنوات، هل عبدالمنعم البنا رئيس مركز البحوث الزراعية كان عصيا على التحقيق والمحاكمة والسجن مثلا، ومن هو البنا حتى يبقى طليقا يمارس عمله الوظيفى حتى ساعة وتاريخ توليه الوزارة دون أثر مانع من الوظيفة أسست له هذه البلاغات، وما حيثية البنا فى البلد، ابن مين فى مصر حتى يقدم ضده ٢٢ بلاغا، رقم قياسى من البلاغات، دون أن يوقف يوما أو يمنع يوما من وظيفته أو حتى المنع من السفر، ولماذا تحفظ البلاغات ضد البنا ويحقق مثلها فى قضايا أخرى، وتحال إلى المحاكمات التى قضت بما قضت سجنا أو غرامة أو براءة.

وزراء ورؤساء وزراء جميعا خضعوا للتحقيقات فى البلاغات أمام النيابات، وحوّل كثير منهم إلى المحاكم وإلى الآن، وسجن منهم عدد، وبرئ آخرون، وتصالح آخرون بدفع التعويضات وعبر لجنة التصالح، وهناك وزراء فى طريقهم إلى العودة إلى الحياة بعد إتمام إجراءات التصالح وتقدير حجم الأضرار والتعويض عنها، الوزيران يوسف بطرس ورشيد محمد رشيد، نموذج ومثال.

هل هناك أعتى من وزير الداخلية حبيب العادلى وكبار كبار مساعديه، جميعا خضعوا لمحاكمات، وسجون، هل البنا أقوى من الدولة المصرية بجلالها، هل مر البنا بثورتين هكذا دون توقيف، وكان التوقيف حينئذ لمجرد الاشتباه، مرور الوزير البنا سالما من هذه البلاغات جميعا، يؤشر على سلامة موقفه القانونى، ولكن موقفه السياسى محل شك عظيم.

 هنا تبرئة البنا أمام الرأى العام تستلزم بيانا أمام البرلمان من رئيس الوزراء باعتباره مسئولا سياسيا عن الحكومة، والمسئولية السياسية هنا جماعية، وفرصة البيان العاجل سنحت ليقف رئيس الوزراء أمام البرلمان مدافعا عن اختياراته، متحملا عبء الاختيار سياسيا، يكسب الرأى العام أولا لأنه فى الأول والأخير صاحب الحق فى الاختيار وهؤلاء النواب ممثلوه المؤتمنون على إرادته ، ولا يضير رئيس الوزراء الوقوف أمام البرلمان، هذا من قبيل الممارسة السياسية الحقيقية التى نطلبها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.