الأربعاء 11 سبتمبر 2024

أرشيف الهلال.. سيد درويش والثور الأبيض في مقال للكاتب كمال النجمي

سيد درويش

ثقافة10-9-2024 | 14:56

فاطمة الزهراء حمدي

نشرت مجلة الهلال في عددها الصادر في 1 سبتمبر 1992، موضوعًا بعنوان "سيد درويش والثور الأبيض"، للكاتب كمال النجمي، وجاء في الموضوع "عاش سيد درويش مائة عام على صفحات التاريخ حتى الآن فقد ولد سنة 1892 وهاهي في سنة 1992 تقف على حافة الثقب الأسود الأبدى الذى تسقط فيه أوراق السنين الجافة!..

نص الموضوع

"ومن بداية عامنا هذا إلى قرب نهايته، شهدنا احتفالات وندوات ومسرحيات، وقرأنا قصائد ومقالات وتعليقات، من سيد درويش صاحب العيد المئوي، بل الأوحد من أهل الفن الذي قيضت له الأقدار من «أهل المسئولية» من أقام له ذكرى مئوية أمتدت عامًا، فشملت ذكرى مولده في مارس "آذار" وذكرى وفاته في سبتمبر "أيلول".

"وبين الذكريين، وقبلهما، وبعدهما، قرعت الطبول تحية لفته، وضجت المواكب باسمه، وصعد الكلم كانما أراد المحتفلون بذكرى سيد درويش أن يحتفلوا بذكرى الغناء العربي نفسه نفسه . . فقد فقد انقطع هذا الفن الجميل العريق وخلت الساحة من أربابه ، ونعقت الغرابيب فوق أطلاله ، مصداقا لما قرره الشيخ ابن خلدون قديماً من أن صناعة الغناء المتقن أول ما ينقطع من «صنائع»، الأمة عند انقطاع سيرها في الحياة ودخولها في التيه !" ...

"وكنا والعهد غير بعيد نقول: يا قومنا.. حاذروا أن تتقطع بين أيديكم صناعتان: الشعر والغناء، فإن انقطاعهما نذير الخراب والتباب..... فها تحن هؤلاء انقطعت بين أيدينا الصناعتان: مات الشعر العربي منذ ثلاثين سنة فانفطر عليه قلب العربية، وانصدمت كبدها، ويأت أهلها في العقد الأخير من القرن العشرين كأسلافهم الموريسكيين، أو العرب المدجنين في العقد الأخير من القرن الخامس عشر في أيدى القشتاليين"..

"ولم يكن بعد موت الشعر مناص من موت الغناء ، فقد علقت به المخالب التي علقت قبل بالشعر ، فكيف ينجو!، الآن إذ علقت مخالبهم به يرجو النجاة ولات حين مناص، موت الغناء، فقد علقت به المخالب التي علقت قبل بالشعر، فكيف ينجو ؟! الآن إذ علقت مخالبهم به يرجو النجاة ولات حين مناس فالاحتفال الآن بذكري سيد درويش يقام فيما يشبه سرادق العزاء ، والكلام عنه يبدو أضخم من معناه تارة ، وتارة يبدو بلا معنى ... ويكاد الحجم المجسم السيد درويش يسد القضاء في تهاويل عيادتنا للفنان الفرد الذي ليسته شخصية هذا الفنان المصري الفريد" .

"وأبلغ الإنصاف لسيد درويش أن يقدمه محيره وعارفوه إلى الأجيال الجديدة في حجمه الطبيعي ، ملحنا ومغنيا ومفكرا موسيقيا .. ويخلصوا سيرته وماثره الفنية من شهوات الإعجاب ، فإنها كثيراً ما تنقلب إلى تشويهات ، ومن ذلك قولهم : لو لم يمت في ريعان شبابه لصنع من الألحان ما لم يصنعه أحدفي القرن العشرين"..

"بلى.. قد كان جديرا أن يصنع ذلك وأكثر منه ، ولكن الحي لا ينصف الميت إذا حكم عليه بما كان مرتقبا أن يصنعه لو عاش كذا من السنين فوق العمر الذي عاشه.. ولا ينتقص من سيد درويش من يقول إنه - في ميزان الفن - بساوی بالضبط ما أتيح له أن يساويه فعلا خلال عمره الخاطف العاصف"..

"ولو عاش لكان ممكنا أن يبلغ نهاية جهده بعد شوط قصير، فيدور في حلقة مفرغة، ويسبقه الزمن، ويتفوق عليه ملحنون جدد، وينقلب سيد درويش المجدد إلى سيد درويش المحافظ المتزمت، فإن هذا الفنان لم يكن ثمرة ناضجة سقطت فجأة من الفضاء، بل كان ثمرة نبتت في الأرض وأنضجتها الشمس في زمانه ومكانه، وقد عوجل من استكمال منه"..

"ولكن فيه هذا الذي لم يكتمل، هو فنه كاملا غير منقو !، لقد نشأ سيد درويش في نهاية عصر الشيخ محمد المسلوب والمطرب عبده الحمولي والملحن محمد عثمان وحين بدأ يلحن ويغنى كان هؤلاء قد تركوا المكان، ولكنهم لم يتركوه فارغا، بل تركوه مترعا، ففن الدور قد بلغ على أيديهم غايته، وكذلك الموشح ، فضلا عن القصيدة والموال فلم يزد سيد درويش على ذلك كله".