أكد وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد، خصوصية العلاقات المصرية - السورية، التي تعود إلى آلاف السنين، مشددا على أن مصر تعد ركيزة أساسية من ركائز العمل العربي المشترك، وموضحا أن التنسيق السياسي بين الجانبين في أعلى مستوياته.
وأشار إلى أن اللقاء الذي جمع الرئيسين عبد الفتاح السيسي وبشار الأسد في جدة شهد اتفاقا وحماسا من القائدين للنهوض بهذه العلاقات والعمل على تطويرها وتنميتها إلى آفاق أرحب.
وأوضح المقداد - في حوار أجراه مع عدد من الصحفيين والاعلاميين المصريين اليوم /الأربعاء/، على هامش زيارته إلى القاهرة للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب التي عقدت بمقر الجامعة العربية - أن هناك اتفاقا على معظم الملفات مع مصر في كثير من القضايا، خاصة فيما يخص ضرورة إخلاء المنطقة من الأسلحة النووية، معربا عن تطلع بلاده إلى إعادة بناء هذه العلاقات بين البلدين الشقيقين خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية.
وثمن وزير الخارجية السوري، احتضان مصر للأشقاء السوريين والتعامل معهم بهذا الرقي والتحضر وعدم التفرقة بينهم وبين المواطنين المصريين، مؤكدا أن هذا هو دأب مصر وريادتها في المنطقة التي اعتاد عليها العرب عندما يواجهون التحديات والأخطار.
واستعرض المقداد مامرت به سوريا من أحداث ومخاطر كانت تستهدف كيان الدولة السورية وتعكير أجواء الصف العربي بأدوات ارتبط معظمها بمخططات غربية استهدفت العديد من الدول العربية فيما سمي بالربيع العربي عام 2011 ومازالت تداعياتها مستمرة حتى الآن مشيدا بنجاح مصر في التصدي ومواجهة التطرف والإرهاب.
وردا على سؤال لوكالة أنباء الشرق الأوسط، عن رؤية سوريا للدور المصري في المنطقة في ظل التحديات الحالية، أكد وزير الخارجية السوري أن بلاده تقف إلى جانب مصر فيما يخص كل القضايا التي تمس حقوقها وأمنها سواء فيما يخص مياه النيل أو كل ما يهدد أمنها القومي، ومن يحاول سرقة حقوقها التاريخية في تلك المياه، معتبرا أن التحديات الراهنة مشتركة بين البلدين، ومشددا على وقوف كل الدول العربية بجوار مصر في هذا الإطار.
كما أكد المقداد عمق وقوة العلاقات المصرية - السورية تاريخيا وعبر المراحل الأخيرة التي شهدت تحديات كبيرة وتقلبات وتغيرات في المنطقة العربية.
وثمن وزير الخارجية السوري، دور مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أكد في أكثر من مناسبة على دعم مصر لسيادة واستقلال سوريا ووحدة الأراضي السورية ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لسوريا، مؤكدا أن دمشق تتبادل نفس المواقف مع القاهرة في نفس القضايا التي تستهدفها وتهدد استقرارها على كافة المستويات.
وشدد المقداد على دعم بلاده للجهود المصرية في مكافحة الإرهاب والتطرف، منوها إلى المصير المشترك بين البلدين وتطابق مواقفهما في معظم القضايا العربية.
وأشاد بنجاح مصر في التصدي ومواجهة المخططات التي كانت تستهدف ليس فقط الدولة المصرية بل الأمة العربية، معربا عن أسفه بأن الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية كانت ومازالت تخفي وراء أهدافها الكثير من الغيوم والضباب بهدف التضليل وقلب الحقائق على حساب وعي المواطن العربي.
واستعرض وزير الخارجية السوري بتفاصيل دقيقة ماعاشته بلاده منذ عام 2011 وحتى الآن وحجم التضحيات التي قدمتها في مواجهة الإرهاب والتطرف التي قامت بها عدة جماعات مسلحة إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين التي سعت إلى إسقاط الدولة السورية ونشر الإرهاب والتطرف في مشهد مشابه لما عاشته مصر في تلك الفترة.
وأكد أن ما حدث في عام 2011 كان يستهدف منظومة الأمن القومي العربي بما يحقق مطامع إسرائيل وهي التي تقف وراء كل تلك المحاولات التي اتضحت للجميع الآن بعد الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية وقطاع غزة خصوصا من إبادة بشرية ومحاولات الهيمنة على المواطن العربي في كل مكان والأمر المستغرب أن يتم تجاهل ذلك في الإعلام الغربي.
وأضاف أن المواطن ، حتى في الدول الغربية ، أصبح يرى إسرائيل على حقيقتها تقف عارية الآن وسط العالم، لافتا إلى أن النقاشات كانت تجري حول القضية الفلسطينية داخل أروقة الأمم المتحدة دون مخاطبة حقيقية للإعلام لأننا كأمة عربية كنا منشغلين ولم نكن ندرك حقيقة هذه المخططات على الرغم من أن لدينا القوة، وكان الحوار السياسي يدور في صالحنا رغم بعض التجاوزات السياسية من جانب الطرف الآخر.
وأشار المقداد إلى أنه لهذه الأسباب لم يتفاجأ معظم السياسيين بماحدث في المنطقة رغم قسوته.
وتطرق إلى الدور الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة وانتقالهم منذ تأسيسهم عام 1928 إلى العمل العسكري ثم الانتقال للعمل في عدد من الدول العربية والقيام بتصفية معارضيهم وتعريضهم مصر لخطر قيام حرب أهلية لولا قوة الجيش المصري وتصديه لمخططاتهم فكانوا لايستهدفون إضعاف مصر فقط بل إضعاف المنطقة ومنها سوريا وكنا جميعا مهددون بنتائج هذه المخططات.
وتطرق المقداد إلى المخاطر التي كانت تحدق بالدولة السورية عقب أحداث 2011 وما تبعها من تطورات خطيرة انعكست على أمن المواطن السوري، قائلا: "في بعض الحالات كان الخطر قريبا وعلى بعد أمتار قليلة من مقر عملنا في وزارة الخارجية السورية وكنا نشاهد رأي العين قتال المجموعات الإرهابية مع الحراسات الخاصة بالوزارة من منافذ مكاتبنا ولم نكن نعلم ما الذي كنا سنواجه في طريق عودتنا لمنازلنا لكننا كنا على ثقة بأن هذه الأحداث ستنتهي وستنتصر إرادة الدولة السورية".
وأضاف أن هذه الهجمات ترافقت مع مواقف عديد من الدول الغربية التي أدعت أنها تظاهرات سلمية رغم حدة العنف والقتل الذي مارسته هذه الجماعات المسلحة ، والمؤكد أن الدولة السورية بمختلف أجهزتها ووزاراتها استطاعت الصمود في مواجهة هذه الجماعات الإرهابية وتحدت هذه القوى خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي حاولت الاستيلاء على السلطة واعتمدت القتل المباشر واستخدام القوة والعنف المسلح، مشيرا إلى أن قوة التجربة السورية كانت في الصمود والالتفاف حول القيادة السياسية وهو ما أدى إلى عدم قدرة هذه الجماعات على الوصول إلى أهدافها أو السيطرة على البلاد، لافتا إلى أنه في بعض المناطق مازالت هناك سيطرة من جانب بعض الجماعات المسلحة بالتعاون مع جهات خارجية.
وأشار المقداد إلى أن عددا من الدول قدمت معونات هائلة لإسقاط سوريا واعترفت مؤخرا بأنها ضخت 137 مليار دولار لهذه المجموعات المسلحة إضافة إلى 4 مليارات دولار قدمت فقط في المجال الإعلامي، مضيفا "أنه على الرغم من هذا الدعم إلا أنه تم طرد الكثير من الجماعات الإرهابية من معظم الأراضي السورية".
واتهم وزير الخارجية السوري، بعض القوى الغربية بدعم الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي الذي جرى صناعته كقوة في إطار خطة شمولية للسيطرة على المنطقة.
وحول الحديث عن وجود مصالحة بين سوريا وتركيا، أكد المقداد أن العلاقات مع تركيا قبل هذه الأحداث كانت جيدة ووصلنا إلى اتفاق استراتيجي فيما بيننا وجرت عدة محاولات من جانب أنقرة للتأثير على القيادة السورية بضرورة انخراط الإخوان المسلمين في السلطة، إلا أن دمشق رفضت ذلك لأنها دولة لا تعتمد الطائفية أو البعد الديني في العمل السياسي، مشددا على أن بلاده وضعت عددا من المطالب لإعادة العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها.
وأضاف أننا طلبنا من الأصدقاء والأشقاء الذين يقومون بوساطة مع الجانب التركي بضرورة تلبية مطالبنا وإلا نكون قد اعترفنا بمطالب تركيا، معتبرا أن الإلحاح التركي للتوصل إلى حل مع سوريا سببه الأزمات المتواصلة التي أصبح يواجهها الاقتصاد التركي وحاجته إلى الانفتاح عبر سوريا إلى عدد من الدول المجاورة.
وقال المقداد إنه غادر قاعة الاجتماعات الكبرى بجامعة الدول العربية أثناء إلقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمام الجلسة الافتتاحية للدورة 162 لمجلس وزراء الخارجية العرب، تعبيرا عن رفض سوريا للممارسات التركية وتم إبلاغ هذا الموقف بشكل رسمي لجامعة الدول العربية.
وحول السماح بعودة اللاجئين السوريين دون مساءلة، أكد المقداد أن الرئيس السوري بشار الأسد وقع أكثر من 22 مرسوما يسمح بعودتهم دون أي مساءلة وأسقط عن الجميع كل التهم إلا القضايا المنظورة أمام المحاكم والمتعلقة بالحق الشخصي، مشيرا إلى أن هناك تعليمات على كل المنافذ الحدودية بدخول أي مواطن سوري دون مساءلة إلا وفق هذه الحالة فقط.
وردا على سؤال عما إذا كان التقارب المصري - التركي سينعكس على العلاقات التركية - السورية ، أكد المقداد ثقة بلاده في أن الرئيس عبد الفتاح السيسي حريص على الوقوف جانب سوريا وأن كل مواطن سوري موجود على الأراضي المصرية شعر أنه في بلده ووسط أهله وأن السوريين لم يشعروا بأنهم غرباء في مصر ولم يشعروا بالتمييز، مشيرا إلى أنه اجتمع مع عدد من رجال الأعمال السوريين الموجودين في مصر وكلهم تحدثوا عن ارتياحهم وما وجدوه من ترحيب ودعم وتيسير من جانب السلطات في مصر.
وردا على سؤال حول علاقة سوريا بإيران وتأثير ذلك على دول المنطقة، أكد المقداد أن شعار الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان هو تحسين العلاقات مع الدول المجاورة ونحن نسعى دائما إلى تحسين هذه الأوضاع، منبها إلى أن الخطر الحقيقي هو خطر الأفكار المتطرفة سواء كانت داعشية أو إخوانية أو ليبرالية جديدة تحاول غزو الأمة العربية وتركز على الشباب بهدف هدم كل القيم الأخلاقية والإنسانية وتغيير الهوية الثقافية للشعوب، لافتا إلى أنه من المستحيل قبول هذه الأفكار داخل المجتمعات العربية.
وحول استمرار استهداف إسرائيل لمواقع سورية، أكد المقداد أن سوريا تقوم الآن بتعزيز دور الجيش السوري وتقوية دور الدولة في المجتمع السوري وتأمين الاحتياجات الاقتصادية، مضيفا "أنه سيأتي يوم قادم لانسمح فيه لإسرائيل بالتمادي في استهداف الأراضي السورية".