الأحد 24 نوفمبر 2024

ثقافة

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الثالث «الشعر رغبني في المطالعة» (7-5)

  • 22-9-2024 | 13:23

جرجي زيدان

طباعة
  • بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الثالث من هذه المذكرات القيمة التي ننشرها لتكون درسا في العصامية لشباب الجيل، وقدوة حسنة للذين يحبون العمل ويميلون إلى الكفاح للوصول إلى المجد، وقد بدأ مؤسس الهلال في هذا الفصل بالحديث عن الآداب العامة في بيروت، وكان قد تناول جانبا منها في الفصل السابق.

الفصل الثالث: الشعر رغبني في المطالعة

فأول شيء رغبني في المطالعة هو الشعر، فاقتنيت "المتنبي" و"ابن الفارض" وهما رائجان فى بيروت. وأخذت أقرؤهما وأتمعن في معاني ما أقرؤه، فإذا وقعت لفهم بيت من الأبيات الغامضة، لذ لي ذلك كأني فتحت بلدا أو لقيت كنزا، فأزداد رغبة في المطالعة، وأزداد تعلقا بالصديق خليل، حتى انحلت جمعيتنا المشار إليها بعد سنة أو سنتين، وتشتت رفاقنا، وبقيت أنا وخليل صديقين حميمين، وله الفضل في ترغيبي بالمطالعة، فإنها كانت فاتحة مستقبلي الجديد.

وكان لخليل أصدقاء من تلامذة المدارس، وبعضهم في المدرسة الكلية، عرفتهم على يده، وسمعت منهم لأول مرة تقبيح ما كنت أحسد أهل المعاقرة عليه من الاقتدار على الصياح وشرب المسكر واستلال السكاكين.

ولا تسل عن غبطتي عندما سمعت أولئك الأصدقاء يقبحون عادة السكر وغيرها من أعمال أولئك الشبان، ويمدحون التعقل والهدوء والمسالمة، فأحسست كأن غشاوة أزيحث عن عيني، ورأيت أني كنت على هدى وأنا أحاول أن أضل نفسي، فزدت تمسكا بأولئك الأصدقاء، وصرت أحكم فكري في المسائل: وأنا قليل المعرفة، قليل الاختبار، وأتفق في أثناء عشرتي لخليل، ورغبتي في الاستفادة، أن أحد زبائننا "المعلم مسعود الطويل" - من أهل الشياح بجوار بيروت - كان جالسا للمؤانسة في مطعمنا في ساعة راحة، فذكر أنه افتتح مدرسة يعلم فيها الشبان اللغة الإنجليزية ساعة نحو الغروب، وكان اسم اللغة الإنجليزية غريبا على مسامع البيروتيين، لأنهم لم يكونوا يعرفون من فضائل الإنجليز إلا قولهم "سكرة إنجليزية"، لكثرة من كانوا يشاهدونهم من البحارة الإنجليز سكارى في شوارع المدينة، فإن بعض الدوارع الإنجليزية التي كانت تجول في البحر الأبيض المتوسط كانت ترسو في ميناء بيروت أحيانا، وينزل بحارتها للنزهة بعد أن انقطعوا في دوارعهم أسابيع أو أشهرا فيطوفون البلد يأكلون ويشربون، ويستولي على أكثرهم السكر، وإذا سكروا عربدوا بلسان لا يفهمه أحد، فدار على ألسنة البيروتيين قولهم: "سكرة إنجليزية" للمبالغة في السكر.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة