السبت 28 سبتمبر 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الرابع «حبي للاطلاع» (8-2)

جرجي زيدان

ثقافة28-9-2024 | 13:25

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الرابع من مذكرات مؤسس "الهلال" جرجي زيدان، وفيها يتحدث عن هوايته في مستهل صباه للعلم والأادب وميله إلى الإطلاع والمعرفة، وكيف تعلم حسابات الدوبيا، وتعرف إلى بعض مشاهير العلماء والأدباء.

الفصل الرابع: حبي للاطلاع

وظهر في أثناء ذلك "المقتطف"، وكان في سنته الثانية على ما أظن، فأطلعني بعض الذين كانوا يترددون علينا من معلمي المدارس على عدد منه، فيه مقالة عن الخسوف، فقرأتها، ولما فهمتها شعرت بلذة عظيمة لأني علمت سبب الخسوف وكيف أن الأرض تدور وتتوسط بين القمر والشمس فيحصل الخسوف

وطالعت في أعداد أخرى مقالة عن الضباب وسبب المطر، فازدادت رغبتي في الاطلاع على النواميس الطبيعية، فكنت أتمنى أن أحصل على كتاب "العروس البديعة" للشدودي، وهو الكتاب الوحيد في الفلسفة الطبيعية باللغة العربية، ولكنه كان غاليا جدا، فاتفق أن بعض تلامذة المكتب الطبي الشاهاني رجعوا من الآستانة رغبة في إتمام دروسهم في المدرسة الكلية، وعرفت منهم "سمعان الخوري"، فسررت بمعرفته، وكان لي ميل كثير لمعاشرة تلامذة المدارس الكبرى ومحادثتهم، وكنت أعتقد فيهم التفوق على سائر الناس، وإذا جالست أحدهم نظرت إليه نظري إلى الأستاذ

فبعد أن تردد "سمعان" عليّ، واستأنست به، وهو لطيف العشرة كثيرا، وكان يرى منى ترحابة وإيناسا، ارتاح إلى مكاشفتي بأحواله، فقص عليّ غرضه، وأنه ينوى الدخول في المدرسة الأمريكية لدراسة الطب، ولكنه لا يعرف الطبيعيات، وهي لازمة قبل الدخول في الطب، وسألني عن الوسيلة لدراسة هذا النوع، فقلت له: "إن أحسن كتاب هو "العروس البديعة"، فاشتراه، وأتى إليّ به، وقال: "إني لا أفهم ما أقرأ فيه لأني أتعلم في الآستانة باللغة التركية"، فصرت أقرأ معه وأفسر له ما لم يفهمه، فاضطررت بذلك أن أتفهم ما فيه جيدًا، ولم يطل ذلك، إذ استقل سمعان بالدرس، ولعله استعان بمعلم، ولكني أذكر جيدا إني استفدت من مطالعة ذلك الكتاب.