الجمعة 27 سبتمبر 2024

مذكرات جرجي زيدان| الفصل الرابع «كتاب مجمع البحرين» (8-1)

جرجي زيدان

ثقافة27-9-2024 | 14:18

بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل الرابع من مذكرات مؤسس "الهلال" جرجي زيدان، وفيها يتحدث عن هوايته في مستهل صباه للعلم والأادب وميله إلى الإطلاع والمعرفة، وكيف تعلم حسابات الدوبيا، وتعرف إلى بعض مشاهير العلماء والأدباء.

الفصل الرابع: كتاب مجمع البحرين

حفزتني مطالعة الشعر إلى محاولة النظم، فكنت أنظم البيت والبيتين ولا أعرف وزنهما ولا اعرابهما، ثم اشتريت (مجمع البحرين) للشيخ ناصيف اليازجي، ولذلك قصة يحسن ذكرها على سبيل الفكاهة، ولا تخلو من فائدة، ذلك إني لما أغرمت بحب المطالعة، وكنت أسمع بكتاب (مجمع البحرين)، أحببت اقتناءه، ففي يوم كنت جالسا بالمطعم، فمر غلام وفي يده هذا الكتاب مستعملا وهو يعرضه للبيع، فاشتريته منه بتسعة قروش بيروتية، أي أقل من نصف الثمن، وفرحت به كثيرا، ولما رجع والدي من رياضته بعد الغروب رأى الكتاب في يدي فسألني عنه فقلت: "إني ابتعته بتسعة قروش". ولم يكن يعرف قيمته لأنه لا يقرأ، وظن أن أحد الناس غشني به، فغضب وقبض عليه بيده وقال: "أتدفع في هذا الكتاب تسعة قروش وتبدل الدراهم بورق؟!" فحزنت ولم أجبه، ولما انصرفت إلى البيت في المساء، وكانت الوالدة قد أعدت لنا العشاء، أظهرت اني لا أريد الطعام، وذهبت للنوم وأنا أتوقع أن يدعواني ولا يتركاني أنام جائعا، وسمعت والدتي تعنف والدي على اغضابي حتى نمت بلا أكل.

ولكنه أصر على رأيه، واتفق أن أحد جيراننا "أمين فياض" من وجهاء بيروت أتى للسهرة عندنا في تلك الليلة، وكان يتودد إليّ، فسأل عني، فقيل له إني نمت غاضبا، واغتنمت والدتي هذه الفرصة وشكت إليه عناد والدي، فسأله عن سبب غضبه، فقال: "إنه يصرف الدراهم في شراء الورق بلا فائدة".

فأجابه: "أشكر الله يا أبا جرجي أن ابنك ينفق الدراهم في شراء الكتب وليس في السكر أو نحوه.. إنها نعمة يجب أن تشكر الله عليها" وقد سمعت كلماته ترن في أذني وأنا اتظاهر بأني نائم، وللحال اشتد ساعد والدتي، فأيقظتني وأجلستني على المائدة وطيبت خاطري، وكذلك والدي، ولا تزال هذه الحادثة نصب عيني.