بؤر مختلفة للصراع في عدة أنحاء في الشرق الأوسط باتت مشتعلة، في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر والمتزايد على المنطقة، ففي حين يدخل العدوان على غزة عاما كاملا من الحرب الوحشية، التي أودت بحياة أكثر من 41 ألف فلسطيني وإصابة ما يقرب من مائة ألف آخرين، بات لبنان ساحة جديدة للعدوان الغاشم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي استهدف عدة أنحاء من لبنان بغارات جوية حتى إعلانه الاجتياح البري منذ أول أمس، بعد سلسلة من الغارات الجوية والهجوم السيبراني الذي بدأ قبل نحو أسبوعين.
ومع استمرار التصعيد في المنطقة، باتت أنحاء من العراق واليمن أيضا، محل استهداف إسرائيلي، بعد أن استهدف الاحتلال أنحاء من اليمن الأحد الماضي، فقصف ميناء الحديدة ودوت الانفجارات أنحاء متفرقة من المحافظة، كذلك استهدف العدوان الإسرائيلي أنحاء متفرقة من سوريا، من خلال غارات جوية وقصف على عدة مناطق في سوريا، وهو ما ينذر بكارثة ومخاطر جمة على الشرق الأوسط.
تحذير مصري من التصعيد
وخلال مباحثاته الهاتفية، أمس مع محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق، أكد الرئيس موقف مصر بضرورة الحفاظ على أمن واستقرار لبنان وسلامة أراضيه، ورفض أي انتهاك لسيادته ومقدرات شعبه الشقيق، مع استمرار تحذير مصر من مغبة الإمعان في سياسات التصعيد العسكري، بما لها من تداعيات خطيرة غير معلومة العواقب.
كما أكد الرئيس ضرورة استمرار المساعي الدولية الجادة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بقطاع غزة، باعتباره طريق استعادة الاستقرار بالمنطقة وإنهاء حالة التوتر الجارية، وبما يسمح بدفع مسار السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، لإرساء السلام والأمن والتنمية بشكل مستدام بالمنطقة.
ما هي سيناريوهات التصعيد الإسرائيلي؟
ويقول الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، أستاذ العلاقات الدولية، إن هناك عدة مراحل لإعادة تشكيل المنطقة بدأ العمل على تنفيذها منذ عامي 2018 و2019، وما تشهده المنطقة في الوقت الحالي من صراع وعدان، هو المرحلة الثالثة من هذه الخطة التي تحاول إسرائيل تنفيذها، موضحا أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول تشكيل المنطقة وفقا قواعد هيمنة إسرائيلية على دول المنطقة، وهو ما بدأ خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بعدة إجراءات حدثت في ذلك الحين.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن حكومة الكيان الإسرائيلي بدأت التحرك في مجموعة من الاتجاهات بمحاولة تنفيذ مخطط وضع مسبقا منذ عدة سنوات، لوضع مجموعة من النفوذ الإسرائيلي في أكثر من اتجاه، فكانت أزمة غزة التي اندلعت العام الماضي مفتعلة، وهو ما اتضح من خلال عدد من التصريحات، مثل ما أعلنه بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023، قبل أيام من اندلاع الحرب على غزة، والتي خلالها صرح أن هناك اتجاه لتعضيد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وخلالها استخدم كعادته خريطة تمثل دولة الكيان الصهيوني، ووضع من خلالها منطقتي غزة والضفة الغربية في داخل النفوذ الإسرائيلي.
وأشار إلى أنه على مدار الـ12 شهرا الماضية، أبرز هذا الأمر بمحاولة تقوية النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، والتحرك من خلال مجموعة من العمليات الاستفزازية هدفها وضع ضغوط على ايران، وبالتالي جاء التحرك الإسرائيلي بشكل أكثر وضوحا، من خلال تنويع استراتيجياته بين استخدام حرب سيبرانية، عبر الهجمات التي نفذها منذ أسبوعين باستهداف أجهزة "البيجر"، في لبنان، التي كانت بحوزة أعضاء حزب الله، وكذلك وضع قائمة من الاغتيالات في المنطقة، طالت قيادات التنظيمات مثل اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وكذلك اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وقادة الحزب الكبار.
وأكد أن إسرائيل أيضا تحاول استخدام كافة أنواع جرائم الحرب والاجتياحات التي لم نعتد التحرك بها، من خلال اجتياح قطاع غزة، وكذلك اجتياح الجنوب اللبناني، الذي أعلنه الاحتلال الإسرائيلي منذ أول أمس، وهو ما ينذر أن عملية التصعيد غير مسبوقة، في ظل عدم وجود تحركات مضادة من دول المنطقة، تجاه هذه السياسات الإسرائيلية، حتى في ظل وجود بعض الضربات التي تقوم بها إيران تجاه إسرائيل، وهي كلها ضربات محدودة، ولا تستهدف ضرب العمق في إسرائيل.
ولفت إلى أن وضع أي سيناريو متعلق بالتصعيد لوجود حرب إقليمية في المنطقة، غير مطروح في الوقت الحالي، لكن من المتوقع أن يستمر التصعيد الإسرائيلي، تجاه تحقيق مجموعة من الأهداف، واستثمار الدعم الامريكي الغربي غير المحدود لهزه التحركات وتحقيق مصالح مشتركة.
وأشار الشيمي إلى أنه من المتوقع أن يستمر التصعيد في أكثر من اتجاه، بسبب عدم وجود خريطة التحالفات الملائمة التي تشكل قوة ردع لإسرائيل في ظل الدعم الامريكي المستمر، وهو ما أكدته تصريحات الإدارة الأمريكية والغرب من بريطانيا وألمانيا وفرنسا تتعلق بدعم إسرائيل ضد أي ضربة تتعرض لها بشكل مباشر، وأن ذلك يمثل "عدوانا على دولة تحاول اتخذا سياسات لمكافحة تنظيمات إرهابية" على حد زعمهم.
وأكد أن هذا الوضع مؤشر خطير، لما أطلق عليه نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوع بالتحديد، عندما صرح بأن تشكيل منطقة الشرق الأوسط أصبحت عهدة إسرائيلية، وأن هذا التشكيل يعد بتحكم واضح من إسرائيل في كافة القوى الاقليمية في منطقة الشرق الأوسط، دون أن يكون هناك رد مباشر من هذه القوى، وهو مؤشر خطير أن عملية تشكيل موازين قوة في المنطقة أصبحت رهن التحالفات الأمريكية الإسرائيلية في هذا التوقيت.
ولفت إلى أن كل هذا التصعيد وساحات الصراع المفتوحة تهدد الأمن القومي العربي وفي القلب منه الأمن القومي المصري، حيث تحاول مصر عن كثب عبر كافة الأدوات الدبلوماسية والجهود لمواجهة هذه التهديدات المستمرة، حيث تتحرك في أكثر من اتجاه، إلا أن عملية التصعيد ووتيرتها أكثر سرعة من حجم التحركات، مؤكدا أن وقف هذا الأمر يتطلب دور أقوى للقوى الدولية العظمى مثل روسيا والصين، للوقوف ضد الدعم الأمريكي، لمعادلة موازين القوى في الشرق الأوسط.
توسعة الصراع في المنطقة العربية
ومن جانبه، قال الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربي للدراسات السياسية، إن ما يحدث حاليا هو محاولة من إسرائيل لتوسيع الصراع في المنطقة من خلال العدوان على قطاع غزة والاتجاه جنوبا إلى لبنان، ثم بعد ذلك محاولة استفزاز ايران أكثر من مرة سواء من خلال ما قامت به إسرائيل من استهداف إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس في قلب طهران، وقبلها قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس الإيراني، الذي قتل في 2020 في غارة جوية أمريكية استهدفته في محيط مطار بغداد الدولي، وقبل أيام قليلة اغتيال حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في غارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن كل هذه الأمور تؤدي في النهاية إلى مزيد من اتساع بؤرة الصراع المنطقة، والمستفيد الوحيد من ذلك إسرائيل لأنها التي فتحت أبواب الصراع من خلال العدوان الغاشم على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، بطريقة وحشية وعدوان غاشم دمر قطاع غزة وبنيته التحتية وأدى لنزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين والآلاف من الضحايا بين شهداء ومصابين.
وأكد أن هذا كله يمثل استعداء للقوى العربية، فاستمرار العدوان على جنوب لبنان وسوريا وأنحاء المنطقة مختلفة، إذا استمر سيؤدي لتوسعة الصراع في المنطقة العربية.