الخميس 3 اكتوبر 2024

تمهيدا للعبور .. 6 استراتيجيات عسكرية استخدمتها القيادة المصرية لخداع إسرائيل

جانب من فرحة الجنود المصريين بعبور خط بارليف

ثقافة3-10-2024 | 13:31

إسلام علي

تعد خطة الخداع الاستراتيجي التي سبقت حرب أكتوبر 1973، مثالاً رائعًا على كيفية استخدام الدهاء العسكري لتحقيق النصر في مواجهة عدو يفوقك تفوقًا تكنولوجيًا وتسليحيًا.

كانت إسرائيل تعتمد بشكل أساسي على نظام تعبئة قواتها الاحتياطية، حيث يتم استدعاء 75% من الجيش من الاحتياطي عند الطوارئ، مما يجعل أي هجوم مفاجئ يمثل تهديدًا كبيرًا لاستعداداتها، لذلك، كان على القيادة المصرية التفكير بطرق مبتكرة لإخفاء أي استعدادات عسكرية ومنع إسرائيل من اتخاذ خطوات استباقية قد تحبط الهجوم المصري.

 

الجبهة الداخلية والخداع الإعلامي

وكان من أهم عناصر خطة الخداع الاستراتيجي، العمل على توجيه انتباه الداخل والخارج بعيدًا عن أي مؤشرات قد تدل على الاستعداد للحرب.

وتم ذلك عبر نشر أخبار سلبية عن الأوضاع الداخلية في مصر، مثال على ذلك، تم تسريب معلومات تفيد بتلوث في المستشفيات مثل مستشفى الدمرداش، مما أدى إلى إخلاء المستشفيات بحجة الاستعداد لأي حالات طارئة، ولكن الغرض الحقيقي كان الاستعداد لاستقبال الجرحى خلال الحرب، كما تم استيراد كميات كبيرة من القمح بحجة فساد المخزون نتيجة الأمطار، لكن الهدف كان ضمان توفر مخزون استراتيجي في حالة الحرب.

 

الخداع الميداني

كان أحد أبرز المحاور الميدانية تدريب الجنود المصريين على نماذج محاكية لخط بارليف في الصحراء، وهذه التدريبات كانت تُظهر وكأنها مناورات روتينية، ولكن في الحقيقة كانت إعدادًا للمعركة الكبرى التي ستجري على أرض الواقع عند اقتحام قناة السويس.

وفي السياق ذاته، تم بناء معسكرات تمويهية لإخفاء التحركات العسكرية الفعلية، وتسريح مؤقت للمجندين للإيحاء بأن مصر ليست على وشك الدخول في أي مواجهة عسكرية. كما تم نقل الدبابات والمعدات الثقيلة إلى الجبهة بحجة أنها تحتاج إلى صيانة، بينما الهدف كان تعزيز القوات المصرية بشكل خفي استعدادًا للهجوم.

 

الخداع السيادي وتوقيت الهجوم

اختيار توقيت الهجوم كان عنصرًا حاسمًا في خطة الخداع، تم اختيار يوم 6 أكتوبر الذي صادف عيد الغفران اليهودي، وهو يوم يكون فيه المجتمع الإسرائيلي في حالة استرخاء، فضلًا عن انشغال القيادات الإسرائيلية بالانتخابات.

استغلت القيادة المصرية هذا التوقيت المثالي والذي  سيجعل إسرائيل في حالة غير جاهزة لأي هجوم، علاوة على ذلك، أُعلنت زيارات رسمية لشخصيات بارزة مثل الأميرة مارجريت وقائد القوات الجوية المصري حسني مبارك، وذلك لإخفاء أي تحركات عسكرية أو استعدادات حربية.

 

التنسيق العسكري مع سوريا

لم تكن مصر تعمل بمفردها في هذه الحرب،  حيث عقد اجتماع سري بين القيادات المصرية والسورية لتنسيق الجهود وتحديد توقيت الهجوم.

وكان الهدف شن هجوم مشترك على الجبهتين المصرية والسورية، بحيث تُربك إسرائيل وتُجبر على توزيع قواتها على أكثر من جبهة، هذا التنسيق ساعد في تحقيق عنصر المفاجأة والتفوق في المراحل الأولى من الحرب.

 

استخدام العملاء والخداع الاستخباراتي

لعب العملاء المصريون دورًا كبيرًا في خطة الخداع، من أبرز هؤلاء العملاء كان أشرف مروان، الذي عمل كقناة لإيصال معلومات مضللة إلى الإسرائيليين.

 تم تسريب معلومات توحي بأن مصر ليست في وضع الاستعداد للحرب، مما أعطى إسرائيل شعورًا زائفًا بالأمان، كما تم استخدام اللهجة النوبية لتشفير الرسائل العسكرية، مما جعل فك الشفرات أمرًا مستحيلًا تقريبًا على الاستخبارات الإسرائيلية.

 

إجراءات تأمين القوات وتحركاتها

بالتوازي مع الخطط الخداعية، تم اتخاذ إجراءات صارمة لتأمين تحركات القوات المسلحة ومنع تسريب أي معلومات قد تفضح استعدادات مصر للحرب.

وفي نفس الوقت، كشفت شبكات تجسس مثل شبكة هبة سليم، التي كانت تعمل لصالح إسرائيل، وتم القضاء عليها لضمان سرية العمليات، كما فُرضت رقابة مشددة على الملحقين العسكريين الأجانب وضباط المخابرات العاملين في السفارات الأجنبية في القاهرة، مما حد من قدرتهم على جمع معلومات حيوية عن التحركات المصرية.

 

ساعة الصفر والهجوم المباغت

جاء يوم الحسم في 6 أكتوبر 1973، وفي تمام الساعة الثانية ظهرًا، انطلقت الطائرات المصرية لتقصف مواقع العدو الإسرائيلي في سيناء.

كانت تلك اللحظة هي البداية لملحمة عسكرية ستظل محفورة في الذاكرة المصرية والعالمية، فقد تم تدمير الخط الدفاعي الإسرائيلي المعروف بخط بارليف، والذي كان يُعد حصنًا منيعًا لا يمكن اقتحامه، وذلك بفضل استخدام مضخات المياه لفتح ثغرات في الساتر الترابي، وقلب هذا الابتكار الفريد من نوعه موازين المعركة وأتاح للقوات المصرية العبور إلى سيناء.

يعد الهجوم المصري بمثابة صدمة لإسرائيل، التي لم تكن تتوقع أبدًا أن يتمكن الجيش المصري من تحقيق مثل هذا الإنجاز في ظل التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، فضلا عن النجاح في عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف كان له تأثير نفسي كبير على الجيش الإسرائيلي، الذي أصيب بحالة من الفوضى والارتباك، ما مهد الطريق أمام تقدم القوات المصرية وتحقيق نصر غير مسبوق.

 

نتائج وتبعات النصر

لم يكن نصر أكتوبر 1973 مجرد انتصار عسكري، بل كان استعادة للكرامة المصرية والعربية، فبعد سنوات من الهزيمة في حرب 1967، أعاد هذا النصر الثقة للمصريين والعرب بقدرتهم على مواجهة التحديات واستعادة حقوقهم بالقوة، في سيناء، والتي وُصفت في القرآن الكريم بأنها "الأرض المباركة"، عادت إلى الحضن المصري بعد سنوات من الاحتلال، وكان ذلك بمثابة تحقيق الحلم الذي راود أجيالًا من المصريين.

اعتبر الأثر السياسي لهذا النصر كبيرًا أيضًا، حيث أجبر إسرائيل على الدخول في مفاوضات سياسية مع مصر أدت في نهاية المطاف إلى اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، هذه الاتفاقية أسست لمرحلة جديدة من العلاقات في الشرق الأوسط، حيث تم استعادة كامل الأراضي المصرية المحتلة وتحقق السلام بين مصر وإسرائيل.