السبت 5 اكتوبر 2024

6 أكتوبر.. ثقافة الوطن المنتصر

طه فرغلى

مقال رئيس التحرير 5-10-2024 | 14:04

طه فرغلى

يقيني أن مصر تنتصر دومًا، نصرها قدر مكتوب محتوم، تطول الخطوب والمحن، وتبلغ القلوب الحناجر تزيغ الأبصار وتتوه العقول يختلط الحابل بالنابل، نظن أنه لا مفر، كل الطرق مسدودة، وفجأة يأتي النصر بإرادة وعزيمة قوية، تنشق الأرض عن الأبطال، يذودون ويدافعون ويحمون الأرض والعرض.

التاريخ عندما بدأ، كتبت أول سطوره من مصر وعن مصر، لم يكن يعرف سواها، جاءت وبعدها جاء العالم، ضفاف النيل تحكي بطولات خالدة وانتصارات كبرى عبر الزمان.

آلاف السنين ومبتدأ الخبر ومنتهاه على أرض النيل، من هنا عرف العالم معنى الحضارة وأشرق فجر الضمير، وقت أن كان الإنسان في بقاع الأرض قاطبة يسكن الكهوف ويصارع الحيوانات المفترسة، كان المصري يبني حضارته ويشيد قصوره، وينير ظلام الدنيا.

هذا وطن منتصر لا يعرف سوى لغة النصر، وثقافته لا تعرف معنى الاستسلام أو الهزيمة، سجل ذلك أديب نوبل الخالد نجيب محفوظ في رائعته كفاح طيبة، سطور من ذهب، ولحظة تاريخية مفعمة بروح الحضارة المصرية القديمة، تحمل كل معاني الاستبسال والتضحية والفداء في سبيل الوطن العظيم، وكيف ظن العدو الغادر في لحظة أن الأمور قد استتبت له ثم تفاجأه إرادة المصريين الحديدية بالانتصار واستعادة الأرض، كفاح بكل ما تعنيه الكلمة من معنى محوره كما يقول محفوظ في روايته "فلا أحذركم إلا من عدو واحد هو اليأس"، وفى الحقيقة هذا شعب لم يعرف اليأس يومًا، ولم يستسلم أبدًا، يصبر ويحتسب وفى اللحظة الحاسمة ينقض كالمارد الجبار يفتك بعدوه مهما كانت قوته، سلاحه دائمًا الصبر والحكمة.

 تنتهى حروبه ولكن لا ينتهى أبدًا كفاحه من أجل بناء الوطن، قالها الملك أيضا في كفاح طيبة: "اليوم تنتهي الحرب فيجب أن نغمد سيوفنا، ولكن الكفاح لم ينتهِ أبدًا، وصدقوني أن السلام أكبر من الحرب، وبحاجة إلى يقظة النفوس وتوثّب العزائم، فأعيروني قلوبكم لنبعث مصر بعثًا جديدًا".

وما حرب أكتوبر المجيدة والفريدة إلا انتصار جديد في سجل انتصارات الشعب العظيم عبر آلاف السنين، وهنا أقول الشعب فما الجيش إلا الشعب وما الشعب إلا الجيش، ووقتما تنادى مصر يلبي الجيش والشعب النداء كل على جبهته.

نصر أكتوبر العظيم تجسيد حي لثقافة الوطن المنتصر حتى إذا أصابته نكسة عارضة، في لحظة من الزمان، ويظن عدوه أنه بات قادرًا عليه ويخيل له أن الجسد المريض لن يشفى أبدا بعد الضربة القاتلة، ولكن هيهات ودروس التاريخ حاضرة وما مرضت مصر إلا وبعدها تقوم عفية تأخذ حقها من عدوها وتعلمه الدروس والعبر.

ظن العدو بعد نكسة يونيو 1967، أن المصريين استسلموا، وأنه حقق النصر التام، والأرض المقدسة باتت أرضه يرتع فيها ويرتكب ذنوبه، يعبد العجل مرة أخرى ويبحث عن سامري جديد، يضله ويهيئ له أن العجل  صاحب الخوار الذي صنعه سينصرهم، عدو تاريخه كله كفر وعناد - إلا قليل-  نسى أن عقيدة المصريين عبر التاريخ الأرض هي العرض لا تفريط فيها مهما كانت الظروف.

وبعد النكسة كانت رسالة المصريين بعلم الوصول في معركة رأس العش الخالدة، بداية ثأر المصريين من العدو الغادر، وشرارة الانطلاق لحرب الاستنزاف العظيمة التي مثلت تمهيدًا لنصر أكتوبر العظيم، ورسالتها أن شعب مصر الأبي لن يستسلم وسيحارب حتى يتحقق النصر، وأن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، وأن مصر أبدًا لم تكن جثة هامدة عبر التاريخ.

وتوالت عمليات القتال العظيم لقوات النخبة المصرية الأبطال، كتبوا من جديد تاريخًا مجيدًا في سجلات العسكرية العالمية، وأيقن العدو أنه لن يهنأ ولن يهدأ له بال في الأرض التي يحاول سرقتها.

وعندما حانت اللحظة الحاسمة صنع الوطن المنتصر أكبر خطة خداع عرفها العالم، ليجعل العدو يغط في سبات عميق، ويخيل له غروره وصلفه أن المصريين لن يخوضوا حربًا ولن يعبروا قنالًا ولن يستطيعوا أن يواجهوا خط بارليف، صدق العدو أكاذيبه وفاجأه الجيش العظيم – جيش الشعب - بالعبور الكبير في السادس من أكتوبر في ملحمة خالدة قلبت موازين العلم العسكري في العالم، استخدم فيها الأبطال كل سلاح حتى خراطيم المياه، وانهار تحت أقدامهم العدو المهزوم في بضع ساعات، ورفع الأبطال العلم على الأرض المقدسة.

وجاء نهار النصر بعد ليل طويل استمر 6 سنوات، كان المصريون خلالها على يقين أنهم منتصرون كما كان عهدهم عبر آلاف السنين، لا يعرف المصري معنى الاستسلام أو التفريط في أرضه.

ثقافة الوطن المنتصر يتوارثها المصريون جيل بعد جيل، يهبون لكل من يحاول الاقتراب من الأرض أو الهوية، ينتصرون في المعارك ويعاودون العمل والكفاح من أجل بناء الوطن.

المشهد متكرر، وما حدث في 2013 خلال ثورة 30 يونيو العظيمة مثال على ذلك، حينما ثار الشعب وسانده الجيش  ضد جماعة الظلام التي كانت تحاول اختطاف الوطن وتغيير هويته، وقالها أحدهم لن نترك الحكم إلا بعد 500 سنة، مغفلون أيضا - مثلهم مثل العدو المهزوم في أكتوبر 1973 - لم يقرأوا تاريخ مصر جيدًا، وأسقطهم الشعب في عام واحد.

لتبدأ مصر كفاحها من جديد وتعبر نحو الجمهورية الجديدة تحت قيادة البطل الرئيس عبد الفتاح السيسى.