السبت 5 اكتوبر 2024

ثقافة الصمود وحرب أكتوبر

مقالات5-10-2024 | 14:05

رغم ترويج الغيبيات الدينية، وظهور فن الإلهاء الهابط، والاستهداف الممنهج لمعنويات المصريين، إلا أن ثقافة الصمود سادت منذ اللحظة الأولى لهزيمة يونيو 1967 وطوال السنوات التى سبقت حرب أكتوبر المجيدة 1973.. وهذه الثقافة ساهمت فى صياغة النصر الذى حققناه فيها. 

ولعل ذلك يرجع لعموم المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع واحتشدوا فيها مساء التاسع من يونيو عام ٦٧ ونهار العاشر منه،  بشكل عفوى وتلقائى، وبدون تعليمات من احد، حيث أصيبت كل القيادات والتنظيمات بالشلل والسكتة السياسية .. خرجوا  يعلنون رفضهم استقالة جمال عبد الناصر ويطالبونه بالبقاء فى موقعه، لإزالة آثار الهزيمة والاستعداد للحرب لاسترداد الأرض التى أحتلت والكرامة الوطنية التى تلقت طعنة موجعة ومؤلمة .. وكان ذلك قرارا شعبيا مبكرا بالصمود اتخذه المصريون دون توجيه من أحد لأن ثقافة الصمود كانت هى السائدة فى البلاد منذ التصدى للعدوان الثلاثى فى ٥٦ بعد استرداد واستعادة  قناة السويس. 

كما تأكد  ذلك بعد مرور نحو ثمانية أشهر فى فبراير ٦٨، حينما خرج  شباب الجامعات وعمال حلوان إلى الشوارع يعترضون على ضعف أحكام القضاء العسكرى الصادرة بحق قادة الطيران الذين تمت محاكمتهم باتهامات التقصير، ويطالبون بإعداد الدولة إعدادا جيدا للحرب وإعادة بناء القوات المسلحة لتنتصر فيها  .. وأفضى ذلك إلى بدء حرب الاستنزاف التى خاضتها  بشجاعة قواتنا المسلحة بعد تحديثها   ليس فقط بتزويدها بسلاح جديد، وإنما بعد التوسع فى تجنيد الشباب الحائزين على مؤهلات عليا، وهو القرار الذى اتخذه الفريق فوزى بالإضافة إلى قراره الآخر بتخريج دفعات استثنائيةَ من ضباط الاحتياط للتوجيه المعنوى بعد اجتيازهم دورة خاصة يعملون أولا فى قيادة الألوية ثم فيما بعد فى قيادة الكتائب .. فكما كان هناك إدراك لأهمية أن يجيد الجنود التعامل مع الأسلحة الحديثة خاصة بطاريات الدفاع الجوى التى حمت عبور قواتنا فى السادس من أكتوبر ، كان هناك أيضا حرص على أهمية الحفاظ على معنويات الجنود والضباط وتكون عالية ومرتفعة دوما، حتى يظل تأثير ثقافة الصمود فاعلا بين صفوف المقاتلين فى الجبهة، مثلما ظل فاعلا بين صفوف المواطنين فى الجبهة الداخلية بما انتهجته وزارة الثقافة بقيادة الوزير ثروت عكاشة من خطط وبرامج .

وعندما تأخرت الحرب الموعودة وطال الانتظار إليها، خرج طلاب الجامعات فى مظاهرات يتعجلونها ويضغطون من أجل الإسراع بخوضها، وهدا يعنى أن مرور السنوات فى انتظار الحرب  لم يخمد جذوة ثقافة الصمود فى نفوس المصريين، رغم أن عبدالناصر قبل مبادرة روجرز التى قضت بوقف إطلاق النار بيننا نحن والإسرائيليين، وبالتالى توقفت حرب الاستنزاف، ولم يكن أحد يعلم أن الرجل قبل بوقف إطلاق النار حتى يحرك بطاريات صواريخ الدفاع الجوى  إلى شاطئ القناة لتحمى المقاتلين الذين سيعبرون القناة ويتمركزون فى الضفة الشرقية لها.

وإذا كان السادات قد فض اعتصام الطلبة بالقوة إلا أنه أقال الفريق صادق وزير الدفاع وأتى بالمشير أحمد إسماعيل  مع الفريق الشاذلى والفريق الجمسى .. وحدث ذلك بعد أن دعا الفريق صادق لاجتماع لضباط بالجيش الثالث حضرته  ممثلا عن اللواء ٤٩  مدفعية التابع للفرقة السابعة مشاة وسمعته، وهو يقول إننا لن نحارب قريبا لأننا لا نملك السلاح الذى نحتاجه وأن الذخيرة التى فى حوزتنا لا تكفينا إلا لثلاثة أيام فقط من الحرب .. وقد كان هذا الكلام بمثابة صدمة كبيرة للمقاتلين الذين كانوا ينتظرون فى الخنادق بالجبهة، الحرب على أحر من الجمر ! .. وقد حاربنا بكل ما كنّا نملكه  من أسلحة ونحوذه من ذخائر، وحققنا النصر واستعدنا مساحة من سيناء والأهم استعدنا كرامتنا الوطنية التى طعنت فى يونيو ٦٧ .. ولولا حرب أكتوبر ما استعدنا بقية سيناء بالمفاوضات فيما بعد.

وهكذا ثقافة الصمود لم تهتز شعبيا بعد هزيمة يونيو لأنها كانت مزروعة فى نفوس المصريين، رغم محاولات ترويج الغيبيات التى أثمرت للأسف الشديد بعد سنوات من العمل الممنهج لجماعات دينية وفى مقدمتها جماعة الإخوان  تطرفا دينيا، ورغم أيضا محاولات إلهاء المصريين بموجة من الفن الهابط اتسعت للأسف الشديد أيضا بمرور الوقت حتى أصبح ذلك أحد أمراضنا المزمنة، ورغم أيضا محاولات النيل من الروح المعنوية للمصريين انخرط فيها العدو الإسرائيلى الذى كان يريد أن يصيبنا  اليأس، وشاركه فيها البعض من الذين روجوا بعد الهزيمة لاستحالة عبور قناة السويس لوجود خط بارليف المنيع الذى حطمناه فى الساعات الأولى لعبورها القناة. 

ولأن ثقافة الصمود لم تهتز او تضعف وتفتر  شعبيا، خاض مقاتلونا حرب أكتوبر بحماس شديد وجسارة كبيرة وقوة بالغ، وحققوا الانتصار العظيم.. وقد صنع لنا ذلك ثقافة جديدة إضافية هى ثقافة التحدى.. تحدى الصعاب وتحدى الأزمات والمشاكل.. وظهر ذلك جليا فى مواجهة الاٍرهاب.. وكلها ثقافات من صنع عموم الشعب قبل المثقفين.